كريتر نت – العرب
تشهد صنعاء وعدد من المدن الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية في اليمن حالة من النقمة الشعبية والغضب إزاء التدهور في الخدمات في ظل سياسة العقاب الجماعي التي يتبعها الحوثيون وتوظيفهم للأزمات الخدمية وانعدام المشتقات النفطية للتأليب ضد الحكومة الشرعية والتحالف العربي. وهي حالة يقول محللون إنها تبشر بانتفاضة ضد الميليشيا الموالية لإيران التي يحذرون من محاولة وأدها.
وعادت عبارات منددة بالممارسات الحوثية للظهور في بعض شوارع صنعاء وعدد من المدن الخاضعة لسيطرة الميليشيات المدعومة من إيران على خلفية الأزمة الخانقة في البنزين والغاز المنزلي الذي تسببت بها إجراءات حوثية مفتعلة من بينها منع شاحنات نقل المشتقات النفطية القادمة من المحافظات المحررة لإفراغ حمولاتها تحت مبررات واهية كشفت عنها تصريحات مسؤولين في مؤسسة النفط والغاز الحوثية.
وتشهد صنعاء وعدد من محافظات شمال اليمن أزمة خانقة في المشتقات النفطية وازدحاما على محطات الوقود والغاز المنزلي في الوقت الذي تؤكد فيه المصادر تخصيص محطات خاصة بالقيادات الحوثية والموالين لها للحصول على البنزين والغاز المنزلي دون أيّ مشقة.
ويعمد الحوثيون إلى اتباع سياسة ممنهجة للتجويع والعقاب الجماعي في مناطق سيطرتهم بهدف تحقيق غايات سياسية والضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة لانتزاع مزايا جديدة في استيراد المشتقات النفطية عن طريق شركات مملوكة لقيادات بارزة في الجماعة، إلى جانب تحميل الحكومة المعترف بها دوليا والتحالف العربي مسؤولية تدهور الخدمات نتيجة ما دأب الخطاب الحوثي على وصفه بالحصار.
ويترافق التدهور المستمر في الحالة المعيشية والإنسانية وتردي الخدمات في مناطق الحوثيين مع بروز مظاهر الثراء الفاحش على قيادات الجماعة الحوثية أو ما يسمى “المشرفين” الحوثيين في المناطق والمحافظات، وهو الأمر الذي تسبب في حالة نقمة شعبية وغضب متصاعد يتم كبح جماحه نتيجة القمع الحوثي لأيّ احتجاجات أو تعبير عن الرفض الشعبي للممارسات الحوثية حيث يتم وصم أي محاولات للرفض الشعبي بأنها مدفوعة مما يصفه الحوثيون بالعدوان في إشارة إلى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
ثورة تلوح في الأفق
ويتوقع مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة تطورات مهمة على صعيد الغليان الشعبي المتعاظم في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي، مع تفاقم الفقر وانعدام الخدمات وتصاعد الممارسات الحوثية القامعة لحرية التعبير.
ويقول الكاتب السياسي اليمني والقيادي السابق في الجماعة الحوثية علي البخيتي في تصريح لـ “العرب” إنه “مع كل القمع الذي يمارسه الحوثيون في مناطق سيطرتهم، والذي وصل إلى حد الإرهاب، إلا أن المظاهرات بدأت تخرج في بعض شوارع صنعاء المكتظة بالسكان، والذين بات أكثرهم قريبين من حد الجوع”.
وعن تفسيره لتصاعد الاحتجاجات في مناطق سيطرة الحوثي أضاف البخيتي “أدرك الكثير ولو متأخرًا أن ذرائع عناصر الحوثي التي يبررون بها ارتفاع الأسعار وانعدامها ليست صحيحة، إذ أن الفقر والعوز ونقص تلك السلع لا تظهر إلا على المواطنين البسطاء، حتى من المتأثرين بخطاب الحركة الشعبوي السياسي، بينما قادة الحركة وأعضاؤها وبالأخص من المنتمين لـ”الهاشميين” لا يتأثرون مطلقًا بالحرب، وعلى العكس زادت ثرواتهم وظهرت عليهم النعمة في بيوتهم واستثماراتهم وعلو عمائرهم وكروشهم، وهذا ما بدا واضحًا للغالبية، إذ أن الحركة قسمت اليمنيين إلى طبقتين، طبقة انتهازية تعيش عالة على الطبقة الأخرى، إذ لا يعملون في أي شيء سوى أنهم منتمون إلى الحركة وقادة فيها، وهذا وحدة كاف لتتراكم لديهم ثروات هائلة في أكثر الفترات صعوبة على البقية”.
وعن رؤيته لمآلات الغضب الشعبي ضد الحوثيين، قال البخيتي “تحتاج المناطق التي تخضع للحوثيين لشرارة فقط وستشتعل الأرض من تحت أقدامهم، ولن نستغرب إذا رأينا المواطنين يجرون قادة الحركة في الشوارع، في كل قرية ومنطقة وحيّ وشارع، لكن تلك الشرارة تحتاج إلى ظهير يحميها، ومشروع يوحد صفها، وهذا للأسف ما تفقده القوى التي تواجه الحوثيين، فمن كثرة الخيبات التي أصابت مناطق تمردت ثم تركت تلقى حتفها أصبح المواطن أكثر حذرًا، لكنه جاهز ومنتظر للحظة التاريخية، وهي إسقاط سلطة الحوثيين، وحتمًا ستأتي”.
دوافع سياسية وطائفية وعسكرية
وعن الدوافع الخفية للحوثيين وأهدافهم التي تقف خلف انتهاج سياسة التجويع وافتعال الأزمات يرى الباحث السياسي اليمني همدان العليي أن جماعة الحوثي تحرص على عدة أهداف سياسية وعسكرية وطائفية، من بينها إثراء جماعتها أو تركيز الأموال في العرقية الخاصة بها.
ويضيف في تصريح لـ”العرب”، “باعتقادي عملية حرمان الناس من المشتقات النفطية ومنع دخولها من المنافذ البرية هي ضمن استراتيجية واسعة لتكثيف الهجمات على بعض المناطق منها شبوه ومأرب وحرض وتلك المناطق، فعندما تمنع دخول المشتقات النفطية فأنت تغلق أبواب الرزق في وجوه من يعملون في قطاعات الزراعة والنقل والتجارة والصناعة وهي قطاعات تعتمد بشكل أساسي على المشتقات النفطية”.
ويتابع “عندما يتم حرمان القوى العاملة في هذه المجالات من المشتقات النفطية توضع بالتالي على رصيف البطالة ويتم تهيئة هؤلاء أو جزء منهم ليذهبوا للبحث عن مصدر رزق وإن كان القتال في الجبهات مع الحوثيين، وخصوصا في هذه المرحلة التي تقوم فيها جماعة الحوثي بالتحشيد من أجل معاودة الهجوم على مأرب وبعض المناطق الأخرى وهو الأمر الذي يعزز وجود أهداف عسكرية وسياسية حوثية تفسر قيامهم بمنع دخول المشتقات النفطية من المنافذ البرية، إضافة إلى الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق بعض المكاسب السياسية ومنها مثلا منع تصنيفهم كجماعة إرهابية”.
مرحلة نفاد الصبر
يقول الباحث السياسي اليمني فارس البيل في تصريح لـ”العرب” إن “جماعة الحوثي الإرهابية واجهت منذ جاءت شعبًا حليماً كاليمنيين، صبر على بطشها ونهبها وإذلالها له، وكتم أوجاعه وفاقته وفقره”، مرجعا ذلك حسب تعبيره إلى “القمع والترويع وأساليب العنف التي تمارسها ميليشيا الحوثي”.
واستدرك قائلا “لكن اليمني بطبعه صبور، وقدرته على التحمل وتقبل شظف العيش كبيرة، غير أن صبره ينفد وحلمه لا يطول إذا ما وصل حاله إلى أقسى ما يكون، فقد صبر اليمنيون أكثر من سبع سنوات على كل رعونة ميليشيا الحوثي ولصوصيتها، ووجدوا أنهم غير قادرين لوحدهم على مواجهتها، لكن لهذا الصبر مدى، صحيح أنهم منذ البداية غير راضين عن هذه الميليشيا ويرفضونها بكل ما جاءت به، غير أن طبيعة المواجهة وغشامة الحوثي ألجأت اليمني إلى الصمت”.
وعن تصاعد حالة الغضب الشعبي في مناطق سيطرة الحوثيين في الآونة الأخيرة، يقول البيل “نلحظ الآن أن الرفض تحول من حالة الكبت والصمت إلى التعبير العلني والكتابة على الجدران، ووسائل التواصل وفي داخل شوارع صنعاء ومناطق بطش الحوثي؛ فإن ذلك لا يأتي إلا وقد نفدت كل أوجاع اليمني ولم يبق له سوى وجع الموت لمواجهة هذه الميليشيا بالعلن، والذين يعرفون خصائص هذا الشعب؛ يدركون أنه عندما يتململ، فإنه قد ضاقت كل أحواله، وهذا التململ هو بداية عنفوانه وثورته، وأيا تكن التفسيرات، فإن الجوع والقهر هما الوقود الأخير الذي يدفع اليمني لاقتلاع هذه الميليشيا. وصحيح أن اليمني لم يستسلم لها، لكنه ظل يحتال عليها، وسيصل إلى مرحلة المواجهة حتماً، فما فعلته الحوثية في اليمنيين في أعوام قليلة لم تفعله الدهور والأزمان من قبل، ويكاد بطش ميليشيا الحوثي ونهبها يفوق كل نهب وبطش لأيّ جماعة في التاريخ”.
وعن دوافع هذا الحراك الشعبي، يشير البيل إلى أن “اليمني يرى أفراد هذه الجماعة يثرون بفحش كبير، وأبناء البلد يتضورون جوعاً، وقد وصلت مأساتهم لتسجل كأكبر كارثة إنسانية على وجه الأرض. ولذلك فإنه بقدر ما أجرمت به ميليشيا الحوثي في زمن قصير؛ فإن عقابها سيكون كبيراً، والظلم الكبير الذي جاءت به الميليشيا سيرتد نقمة كبيرة لم تحدث من قبل في وجه هذه الميليشيا”.
وتابع “أدرك أن اليمنيين مهما جارت عليهم المشكلات؛ فإنهم لا يرضون بالذل، وعندما يستنفد صبرهم، فأنا على يقين أن انتقامهم لن يكون له مثيل، فبقدر وحشية الميليشيا؛ بقدر ما سيكون مصرعها، فقد جنت على أحلم الشعوب وأرقها وأكثرها صبراً وأناة، لكنه شعب إذا ما ثار فثورته نار، ولأن الحوثي ظن أن التجويع سبيل قمع اليمنيين وإذلالهم لأجل بقائه، فإنه سيرتد عليه وسيكون الجوع هو الخنجر الذي يمزقه”.
ولا يستبعد الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن يتحول الأنين الذي يردده الشعب سرًا إلى “ثورة جياع، في أي وقت، لاسيما وأن هناك غضبا شعبيا عارما من سرقة الحوثي لقوت المواطن وممتلكاته، فضًلا عن إرغامهم على تجنيد أطفالهم”.
وعن منهجية صنع الأزمات الحوثية، وكيف يمكن أن يرتد هذا السلاح الحوثي عليه، يضيف الطاهر “الشعب يدرك جيدًا أن الحوثي هو من يصنع الأزمات لتجويع الشعب، بهدف استغلال ذلك أمام المنظمات الدولية، لضخ المزيد من الأموال لحساب الحوثي، بهدف إيجاد وسائل إضافية لتمويل حربه الممنهجة ضد الشعب اليمني”.
ويؤكد الطاهر في تصريح لـ”العرب” أن “سلاح التجويع الذي استخدمه الحوثي، بدأ يرتد عليه، مع بروز مؤشرات كبيرة لانتفاضة شعبية ضد الميليشيا الحوثية، وقد بدأت صامتة، في أحياء العاصمة صنعاء وشوارعها حيث بات المواطنون يعبّرون عن رفضهم للميليشيا الحوثية بكتابات على جدران المنازل والشوارع تدعو لرحيلها”.
وعن ردود الفعل الحوثية المتوقعة إزاء أي تحركات شعبية، أكد أن الحوثي “سيرد بقمع وحشي، ويرتكب الجرائم الإرهابية بحق الشعب اليمني، ولا بد على الحكومة اليمنية استغلال ذلك لإنقاذ الشعب اليمني من الجبروت والإرهاب الحوثي، وأن تنسق لقيادة ثورة شعبية كبيرة ضد الأذرع الإيرانية في اليمن”.