كريتر نت – متابعات
أظهرت الحرب الروسية – الأوكرانية تعاطف سكان منطقة الشرق الأوسط مع روسيا وهو التعاطف الذي يربطه مراقبون بالتدخل الروسي في سوريا إضافة إلى فقدان العرب الثقة في الولايات المتحدة والغرب.
وفي أحد أحياء العاصمة العراقية ارتفع ملصق عملاق لفلاديمير بوتين كتب عليه “نحن ندعم روسيا” لبضع ساعات قبل وصول قوة أمنية أنزلته بسرعة. ثم جاء الأمر الأمني الذي حظر جميع العروض العامة لصور بوتين.
وانتقدت ميليشيا حزب الله القوية في لبنان إدانة الحكومة للهجوم الروسي على أوكرانيا، داعية إلى الحياد. ويُظهر مثل هذا الجدل الانقسامات العميقة بشأن حرب أوكرانيا في الشرق الأوسط، حيث أبرزت موسكو نفسها ضمن اللاعبين الرئيسيين خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تكوين صداقات قوية بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في وقت تضاءل فيه نفوذ الولايات المتحدة.
وينتاب القلق النخب السياسية المتحالفة بشكل وثيق مع الغرب، حيث تخشى من انزعاج روسيا أو الولايات المتحدة وأوروبا. لكن القوات الأخرى (من فصائل الميليشيات الشيعية في العراق إلى جماعة حزب الله اللبنانية والمتمردين الحوثيين في اليمن) تدعم روسيا ضد أوكرانيا علنا.
وتُعتبر هذه المجموعات امتدادا لنفوذ إيران على الأرض في ما يسمى “محور المقاومة” المناهض للولايات المتحدة. وقد حشد بوتين دعمها بفضل علاقاته الوثيقة مع طهران وتدخله العسكري في الحرب الأهلية السورية لدعم الرئيس بشار الأسد.
وترى المجموعات في بوتين شريكا ثابتا وموثوقا به لا يتخلى عن حلفائه، على عكس الأميركيين، حتى أن بعضها أطلق عليه كنية “أبوعلي”، وهو اسم شائع بين المسلمين الشيعة.
وفي حين يحاول الإعلام الغربي التركيز على الشيعة وأنصار إيران والأسد على أنهم الجهة الوحيدة الداعمة لروسيا في هذه الحرب، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعاطفا مع بوتين في عدة بلدان لا وجود فيها للشيعة أساسا كمنطقة شمال أفريقيا.
وفي الأثناء تسير الحكومات على حبل مشدود. وقال المحلل السياسي إحسان الشمري، وهو رئيس مركز الفكر السياسي في بغداد، إن “العراق ضد الحرب لكنه لم يدنها ولم ينحز إلى أي جانب”. وذكر أهمية أن يبقى العراق على الحياد لأنه يشترك في مصالح مع روسيا والغرب. وأشار إلى أن حلفاء إيران في المنطقة يتحدثون بصراحة حول روسيا “لأنهم معادون للولايات المتحدة والغرب ويعتقدون أن روسيا هي حليفتهم”.
وأفاد السفير الروسي في العراق إيلبروس كوتراشيف لوكالة الأنباء الكردية العراقية رووداو في مقابلة أجريت معه مؤخرا بأن حجم استثمارات بلاده في العراق يبلغ 14 مليار دولار، منها ملياران في إقليم كردستان. وأوضح أنها “كلها تقريبا في قطاع النفط والغاز. في كردستان وفي أجزاء العراق الأخرى. من المؤسف أن استثماراتنا في القطاعات الأخرى قليلة. لكننا نعمل على أن نزيدها. لدينا أفكار وخطط مشتركة، إن سارت كما يرام سيزيد حجم الاستثمارات”.
ومن بين شركات النفط الكبرى العاملة في البلاد شركة لوك أويل الروسية وغازبروم وروسنفت.
كما يحافظ العراق على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، لكن الشركات الغربية كانت تخطط للخروج من قطاع النفط العراقي.
وجاء أقوى تحرك للعراق حتى الآن بعد أن نصح بنكه المركزي رئيس الوزراء بعدم توقيع عقود جديدة مع شركات روسية أو مدفوعات في ظل العقوبات الأميركية. وقال مسؤولو الصناعة الروس إن القرار سيؤثر على استثمارات موسكو الجديدة في البلاد.
وكان العراق من بين 35 دولة امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمطالبة روسيا بوقف هجومها وسحب قواتها من أوكرانيا. وصوت لبنان لصالح الأمر، بينما صوتت ضده سوريا التي تجمعها علاقات عميقة مع موسكو. كما امتنعت إيران عن التصويت.
وأثار بيان صريح غير معتاد من وزارة الخارجية في لبنان يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ضجة وأشعل قلق الروس، مما أجبر الوزير على توضيح أن لبنان لا يقصد الانحياز إلى أي طرف وسيظل محايدا.
وكتب النائب عن حزب الله إبراهيم الموسوي على تويتر مستهدفا وزارة الخارجية “ينأون بأنفسهم ويدَّعون الحياد حيث يشاؤون، ويتدخلون ويدينون أيضا حيث يشاؤون. أمر عجيب غريب. أي سياسة خارجية يتبعها لبنان، وأين مصلحة لبنان في ذلك؟ تفضل وزير خارجيتنا وأوضح لنا الأمر”.
واستغل حزب الله، الذي أرسل أيضا الآلاف من المقاتلين إلى سوريا المجاورة لدعم قوات الأسد، الغزو الروسي لأوكرانيا لتصويره على أنه نتيجة حتمية للاستفزازات الأميركية وخيانة أخرى من الولايات المتحدة لحلفائها (أوكرانيا).
وفي سوريا، حيث تحتفظ روسيا بالآلاف من القوات، ظهرت لوحات إعلانية تعلن “النصر لروسيا” في مناطق بدمشق هذا الأسبوع. وفي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة التي لا تزال تتعرض للضربات الجوية الروسية، يأمل السكان في تخفيف الضغط عليهم إذا تورطت روسيا في القتال في أوكرانيا.
وفي العراق تسلط الحرب الأوكرانية الضوء على الانقسامات في مشهد متصدع بالفعل خلال الجهود المتوقفة لتشكيل حكومة جديدة بعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية.
وارتفعت اللوحة الضخمة الداعمة لبوتين لفترة وجيزة في أحد أحياء بغداد التي تعتبر معقلا للميليشيات القوية المدعومة من إيران. وبعد إزالتها، نشرت السفارة الروسية في بغداد في تغريدة لها صورة لهذه اللوحة.
وقال أثير غُريّب الذي يعمل في مقهى قريب “كان الملصق استفزازيا، وأنا ضده”. وأضاف أن العراق يخرج لتوه من عقود من الحرب والصراع، متسائلا “لماذا يصرون على إشراكنا في مشاكل جديدة؟”.
ويرى العديد من العراقيين في الغزو الروسي لأوكرانيا أصداء غزو صدام حسين للكويت المجاورة والعقوبات الاقتصادية اللاحقة التي استمرت لسنوات على بغداد. وانتهى العراق مؤخرا من دفع تعويضات للكويت بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 52 مليار دولار.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نشرت صفحات عراقية لها الملايين من المتابعين على فيسبوك أخبارا عمّا يحدث في أوكرانيا، حيث تبادلوا وجهات نظرهم. ونشرت إحدى المستخدمات زهرة عبيدي “قلوبنا مع المدنيين، إذ أن الذين تذوقوا الحرب يعرفون كوارثها”.
وكتب حافظ صالح “لدينا خيام للاجئين والنازحين داخليا، ونحن نرحب بكم لاستخدامها”.
وقال توبي دودج، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، إن تحركات العراق (الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة مع الحد من النشاط الاقتصادي) كانت حكيمة في إدارة المخاطر قصيرة الأجل دون اتخاذ موقف أيديولوجي.
وأضاف “لكن كلما طال أمد الحرب، سيكون الحفاظ على هذه الاستراتيجية صعبا”.
وتابع “إن العراق منقسم سياسيا بعمق بين اللاعبين المؤيدين لإيران وأولئك المناهضين لها والذين يحاولون تأكيد الحكم الذاتي. وتتحول القضية الأوكرانية إلى فرصة أخرى للتباري يسجل فيها هذا الطرف أو ذاك تفوقا على الآخرين”.