كريتر نت – العرب
وصفت أوساط دبلوماسية عربية في العاصمة المصرية اللقاء الثلاثي الذي جمع الثلاثاء في شرم الشيخ كلا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت بأنه ولادة لتحالف عربي – إسرائيلي يقوم على المصالح، ويلبّي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة ويترك وراءه مخلفات العقود الماضية من حروب ومشاحنات وشعارات.
وقالت هذه الأوساط إن التحالف الثلاثي يرسل إشارة واضحة إلى السعودية مفادها أن الوقت لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار في ظل التغييرات الحاصلة في المنطقة، وفوضى الإشارات الأميركية التي لا تراعي مصالح الخليجيين، وتعطي الأولوية لإيران وتمهد لإطلاق يدها على أكثر من مستوى سواء ما تعلق بالسباق نحو التسلح النووي وغير النووي أو ما تعلق بتمكينها من عائدات النفط للإنفاق على أذرعها وتهديد أمن المنطقة.
وأشارت إلى أن التحالف العربي – الإسرائيلي بات يمتلك مقومات واقعية وهو ما قاد إلى انضمام دول جديدة إلى مسار السلام الذي اتسع ليشمل بالإضافة إلى مصر والإمارات كلا من المغرب والأردن والبحرين والسودان وسلطنة عمان، لافتة إلى أن الاتجاه إلى المشاريع الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والاستثمارات سينجح في بناء الثقة بين إسرائيل ومحيطها العربي.
ورأت أن بناء الثقة على هذا المستوى بما يخدم الناس ويحسّن أوضاعهم المعيشية سيقود إلى القبول الشعبي لتطوير هذا التحالف على المستوى الأمني والعسكري، وهو أمر يحتاجه العرب أكثر من إسرائيل في ظل التحديات التي تواجههم مع صعود قوى إقليمية ذات منحى توسعي مثل إيران وتركيا، وفي ظل إخلال الولايات المتحدة بالتزاماتها الدفاعية تجاه شركائها العرب.
وقالت الرئاسة المصرية إن الزعماء ناقشوا استقرار أسواق الطاقة والأمن الغذائي، وهما تحديان رئيسيان تواجههما القاهرة بعدما أدى الهجوم الروسي في أوكرانيا إلى زيادة أسعار القمح والنفط الخام. وأضافت أنهم ناقشوا أيضا قضايا دولية وإقليمية.
ولم يغفل الاجتماع طبيعة التحديات الأمنية التي تمر بها المنطقة وما تمثله التطورات المتسارعة من هواجس مشتركة بين الأطراف الثلاثة، في ظل تغيّرات كبيرة يمكن أن تحدث تحوّلات إقليمية ودولية في منظومات الأمن والتعاون.
وقال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي إيدان رول “نشهد بوضوح تعزيز محور يطرح رواية أخرى في الشرق الأوسط، وهي أننا يمكنا العمل والتعاون سويا في المسائل الاقتصادية والدفاعية”.
وذكر لإذاعة كان الإسرائيلية أن “إسرائيل ملتزمة بإقامة شراكة جيدة مع أيّ شخص في مواجهة محور إيران المتطرف”.
وتخشى الدول الثلاث على وجه الخصوص من اتفاق يتبلور لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، والذي تمّ بموجبه رفع العقوبات عن طهران مقابل كبح برنامجها النووي. ويخشى أعداء إيران أن تكون تسعى لتطوير أسلحة نووية.
وقال بينيت الشهر الماضي إن الاتفاق المتوقع لإحياء الاتفاق النووي أضعف من الترتيب الأصلي وسيؤدي إلى المزيد من العنف في الشرق الأوسط. وناشد الولايات المتحدة عدم حذف الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية الأجنبية مقابل “وعود جوفاء”.
وانتقدت الدول الخليجية المحادثات النووية بسبب عدم تناولها البرنامج الصاروخي لإيران ووكلاء طهران في المنطقة، خاصة في اليمن حيث أطلق الحوثيون صواريخ على السعودية والإمارات.
وقال مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير عزت سعد لـ”العرب” إن اجتماع شرم الشيخ جاء متزامناً مع قرب التوقيع على الاتفاق النووي، وهناك مساع جادة لاصطفاف خليجي – مصري – إسرائيلي لرفض صيغة الاتفاق.
ولفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن “اللقاء الثلاثي في شرم الشيخ موجه ضد إيران”، موضحة أنه تم التنسيق مسبقا والتأكيد على رفض إسرائيل ما رشح من معلومات حول اقتراب الولايات المتحدة من التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران.
وأكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” أن إيران كانت حاضرة في اجتماع شرم الشيخ من زاوية الاستعداد لما سيترتّب على الاتفاق النووي معها من نتائج، والذي سيصبّ في صالح طهران وقد يمكنها من الحصول على صيغة تزيد تمددها في المنطقة، وهو ما تتفق على رفضه الدول الثلاث (مصر والإمارات وإسرائيل)، ويستوجب الاستعداد له.
وأوضح أن وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعت بالإشارة إلى اجتماع شرم الشيخ قبل أن تصدر أيّ بيانات من مصر والإمارات، كعلامة على أهمية الاجتماع في حد ذاته، وما ينطوي عليه من رسائل إقليمية مقبلة، حيث تمر المنطقة بمرحلة مراوحة تتطلب التعامل مع سيناريوهات لم تكن متداولة من قبل.
وأحدث التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا أزمة في مجالي الطاقة والغذاء أثّرت على العديد من دول المنطقة، وفتحت الباب لمخاوف من حدوث تصاعد كبير في الأسعار وربما شُح في مواد مهمة بدول مختلفة، على رأسها النفط والغاز والقمح.
ورفضت الإمارات والسعودية دعوات أميركية وبريطانية الأيام الماضية لزيادة إنتاج النفط لاحتواء قفزة متوقعة في أسعاره جراء الصراع المحتدم بين روسيا والغرب.
وتواجه مصر ضغوطا اقتصادية كبيرة بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية، وقامت الحكومة الاثنين بخفض قيمة العملة المحلية (الجنيه) بنحو 14 في المئة مقابل العملات الأجنبية لاستيعاب روافد الصدمة الاقتصادية العالمية.
ويقوم رئيس وزراء إسرائيل منذ انتخابه بتحركات يحاول من خلالها أن يضفي دفئا على علاقات بلاده الاقتصادية والسياسية والأمنية مع كل من مصر والإمارات ودول عربية أخرى، والبحث عن قواسم مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية.
وزار بينيت مصر في سبتمبر الماضي في أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي منذ عشر سنوات، وقام أيضا بزيارة أبوظبي في ديسمبر في أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة الإمارات.
ونوهت مصادر مصرية لـ”العرب” إلى أن أمن الطاقة والغذاء هو “المدخل العملي المناسب للتعاون بين الدول الثلاث في هذه المرحلة لتمرير خطوة بدت القاهرة مترددة في الإقدام عليها، وهي أن يخرج تعاونها مع إسرائيل من الإطار الثنائي إلى الإقليمي”.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن اجتماع شرم الشيخ يمكن قراءته على أنه وضع البذرة الأولى لهذه المسألة ويقود إلى تغيير في التعاطي المصري مع مشروعات تعاون إقليمي جرى تداولها مؤخرا ولم تظهر القاهرة حماسا للتفاعل معها، وتحت ضغط الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لم يعد أمامها من مفر سوى التجاوب معها.