كريتر نت – متابعات
يدفع الغزو الروسي لأوكرانيا العالم نحو التوقف عند حقيقة إدمانه لحرق النفط والغاز رغم الجهود التي تبذلها عدة دول مثل فرنسا لفطم مواطنيها عن التدفئة التي تحتاج إلى النفط والتعويل على السيارات الكهربائية كبديل عن البنزين والديزل.
ووضع الهجوم الروسي على أوكرانيا العالم أمام حقيقة إدمانه لحرق النفط والغاز رغم أن المناقشات تتركز حول السبل المثلى للتخفيض من الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية.
وبينما تسلط الحرب في أوكرانيا الضوء على مخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، كانت فرنسا تبذل جهودا سريعة لفطم الأسر عن التدفئة التي تحتاج إلى النفط وتعويض البنزين والديزل باعتماد السيارات الكهربائية.
وركّزت مناقشات سياسة المناخ في السنوات الأخيرة على التخلص التدريجي من الفحم (الوقود الأكثر تلويثا بالكربون). لكن الأزمة الأوكرانية تدفع بعض الحكومات إلى مواجهة إدمانها المستمر للنفط والغاز الطبيعي أيضا.
وقالت وزيرة البيئة الانتقالية الفرنسية باربرا بومبيلي للصحافيين الأسبوع الماضي “مهما كانت العقبات التي تواجهنا، فإن الانتقال إلى عالم خالٍ من الوقود الأحفوري أصبح الطريقة الأكثر أمانا وفعالية لضمان مستقبلنا وسيادتنا على الطاقة أكثر من أي وقت مضى”. وأكّدت بومبيلي عند إطلاق خطة من 10 نقاط لخفض استخدام النفط من وكالة الطاقة الدولية، أن تعطل شحنات الطاقة وارتفاع الأسعار بشكل كبير بسبب الحرب جعلا الابتعاد عن النفط والغاز أكثر إلحاحا.
وتهدف فرنسا إلى إنهاء استخدام النفط لتدفئة المباني بحلول 2030، مما يزيد من الإعانات لجعل اختيار مضخات الحرارة أو غلايات الكتلة الحيوية خيارا ميسور التكلفة للأسر ذات الدخل المنخفض.
لكن بينما تسرع الدول لدعم إمداداتها من الطاقة في أوقات غير مستقرة، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن البعض قد يميل إلى “إهمال سياسات الحد من استخدام الوقود الأحفوري”.
وقال الاثنين إن هذا سيكون “جنونا”، مضيفا أن الإجراءات قصيرة المدى يمكن أن تؤدي إلى اعتماد طويل الأجل على الوقود الأحفوري وتغلق نافذة صغيرة كانت ستساهم في الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الدولي الأكثر طموحا.
ويريد غوتيريش من الحكومات الغنية أن تضع حدا لإنتاج الفحم واستخدامه بحلول 2030، على أمل أن تتبعها الدول الأقل نموا بحلول 2040. لكن عالم المناخ كيفين أندرسون قال إن المواعيد النهائية العالمية للتخلص التدريجي من النفط والغاز لم تحظ باهتمام كبير حتى الآن، خاصة بسبب الدول الغنية التي ترغب في الاستمرار في دعم اقتصاداتها بهذه الأنواع من الوقود.
ويقول تقرير جديد شارك في تأليفه أندرسون، وهو أستاذ الطاقة وتغير المناخ في جامعة مانشستر البريطانية، إنه لا مجال لكي تزيد أي دولة من إنتاج النفط والغاز ما دامت أمام العالم فرصة بنسبة 50 في المئة للإبقاء على نسبة احترار سنوية دون 1.5 درجة مئوية.
ويقول التقرير إنه يجب تقاسم الجهد المطلوب لخفض الإنتاج بشكل عادل، مع إعطاء البلدان الفقيرة وقتا أطول لاستبدال الدخل الذي تحصل عليه من النفط والغاز، حسب ما يتماشى مع أهميته لاقتصاداتها.
قطع الطلب
تقرير للأمم المتحدة يقدر أن الدول الغنية بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية يجب أن تنهي إنتاج النفط والغاز بحلول 2034
يقدر التقرير الذي صدر الثلاثاء أن الدول الغنية (بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وكندا وأستراليا والإمارات العربية المتحدة) يجب أن تنهي إنتاج النفط والغاز بحلول 2034 وخفضه بنحو ثلاثة أرباع بحلول 2030، والمحافظة على المسار الصحيح لهدف 1.5 درجة مئوية.
ويجب منح الدول الأقل قدرة على إجراء ما يسمى بـ”الانتقال العادل” بعيدا عن الوقود الأحفوري مثل العراق وليبيا وأنغولا وجنوب السودان حتى 2050 لإنهاء الإنتاج، لأن فرض ذلك بشكل مفاجئ قد يهدد استقرارها السياسي والاقتصادي.
وقال أندرسون إن البحث اكتمل قبل غزو روسيا لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، لكن ارتفاع أسعار النفط والغاز المرتبط بالحرب يدعم حجة التخلي عن الوقود. وأضاف في تصريحه “لو أمضينا الأعوام
العشرين الماضية في إرساء استخدام فعال ومعقول للطاقة جنبا إلى جنب مع الانتشار الواسع لمصادر الطاقة المتجددة، لما كنا نبحث الآن عن إمدادات بديلة من النفط والغاز ونواجه آثار تقلب الأسعار”.
ويجب أن يكون خفض الطلب على النفط والغاز أمرا محوريا لجهود السياسة وفقا لمحللي المناخ والطاقة. ويمكن أن يشمل الحل خفض حدود السرعة أو تقليل استخدام السيارات الخاصة أو خفض درجة حرارة التدفئة بمقدار درجة مئوية واحدة، إلى جانب جعل المنازل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وتعزيز سوق السيارات الكهربائية.
في غضون ذلك، قال باحثون من معهد الموارد العالمية غير الربحي ومقره الولايات المتحدة، إن ارتفاع التكاليف يعني دفع المزيد من المستهلكين إلى فقر الطاقة، وهو ما سيتطلب من الحكومات تقديم دعم مالي للتخفيف من آثاره. وقالت المديرة الإقليمية للمعهد في أوروبا ستينجي فان فيلدهوفن إن الاتحاد الأوروبي يدفع ثمن الاعتماد على الوقود الأحفوري من الخارج. ويمثل الغاز الروسي حوالي 45 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي، وربع شحنات النفط الواردة و45 في المئة من مشتريات الفحم.
واختلف وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الاثنين بشأن ما إذا ستفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي وكيفية فرضها، حيث قالت ألمانيا إن الاتحاد يعتمد بشكل كبير على النفط الروسي لاتخاذ قرار بشأن حظره.
وقالت فان فيلدهوفن إن أفضل حل هو زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث من المرجح أن تحشد الأزمة الحالية المزيد من الأموال لمشاريع جديدة. وصرّحت للصحافيين “على المدى القصير، نحتاج إلى حل مشاكل أوروبا في الشتاء المقبل وليس من المؤكد كيف سيحدث ذلك. وقد يعتمد هذا على مقدار توفير الطاقة الذي تستطيع أوروبا تحقيقه بالفعل”.
تضحية كبيرة
وقال أندرسون إنه مع تفكير البلدان في خفض إنتاج النفط والغاز ستحتاج الحكومات الغنية إلى زيادة تمويل خطط الدول الفقيرة لتخطي النمو الاقتصادي مرتفع انبعاثات الكربون واعتماد التقنيات النظيفة. وأضاف أن أغنى أغنياء العالم يجب أن يضحوا بعادات الرفاهية مثل الطيران المتكرر والإنفاق الاستهلاكي الباهظ، مما يتيح توزيعا أكثر عدلا لموارد الطاقة المحدودة وتحرير العمالة اللازمة لبناء اقتصادات خضراء.
وأشار إلى أن إعادة تجهيز المنازل لاستخدام طاقة أقل وأنظف، وإنشاء البنية التحتية للطاقة المتجددة وتوسيع أنظمة النقل العام، ستوفر فرص عمل لائقة. وأضاف أندرسون “هذه أجندة رائعة لجيلين أو ثلاثة أجيال للقيام بكل ذلك وتحسين جودة الهواء أيضا. إنه سيناريو يفوز فيه الجميع”.