كريتر نت – متابعات
انعكس الفتور الذي تمر به العلاقات بين الرياض وواشنطن على مزاج الشارع السعودي الذي يتابع بشكل حثيث مسارات هذه العلاقة، ويبدي تفاعلا كبيرا حيال السياسة التي تتبناها القيادة الحالية للمملكة والقائمة على الندية وعلوية المصالح السعودية.
ويرى الكثير من السعوديين أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من طريقة تعاطي إدارة الرئيس جو بايدن مع بلادهم، وهم لا يتوانون عن إعادة عرض شهادات لمسؤولين كبار تقلدوا مناصب رفيعة في الإدارات الأميركية السابقة يشيدون من خلالها بدور المملكة ومدى أهميتها كحليف موثوق لأميركا.
ومن بين الشهادات التي جرى تداولها على نطاق واسع داخل المملكة في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو من مقابلة أجراها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر في العام 2015، وتحدث فيها عن مكانة المملكة في العالم الإسلامي، وعن أهميتها كركن أساسي في استقرار المنطقة.
وقال الكاتب السعودي تركي الحمد “هذا جيمس بيكر، وزير خارجية أميركي سابق، من جيل الإدارات الأميركية القوية التي كانت تسير وفق بوصلة المصلحة الأميركية البحتة، وتحترم الحلفاء وإن اختلفت معهم.. جيل يبدو أنه انقرض مع هيمنة الشعبوية واليسار الطفولي الرث على الخطاب السياسي الأميركي، وتحكم ‘المؤدلجين’ بتوجه هذا الخطاب”.
وغرد المحلل السياسي المختص في الشأن الأميركي فيصل إبراهيم الشمري “جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق يتحدث عن حاجة الولايات المتحدة إلى السعودية. السياسة الخارجية الرصينة قبل العقيدة الأوبامية كانت مبنية على التحالفات القوية التي تسمح (بوجود) الاختلاف بين الحلفاء”.
وكان بيكر تحدث في مقاطع الفيديو المتداولة والمأخوذة من مقابلة أجراها مع قناة “سي بي أس” عن الدور الخاص للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي، حيث أن العاهل السعودي هو خادم الحرمين الشريفين.
وقال بيكر وهو سياسي جمهوري “تصادف أن تكون المملكة السعودية اليوم جزيرة استقرار. إذا نظرتم إلى ذلك الجزء من العالم، فإن الدول على كل جانب منها هي دول فاشلة الآن، العراق، سوريا، اليمن. البحرين لديها مشاكل. انظر إلى ليبيا. ما فعلناه في ليبيا كان خطأ فادحا. (…) -لذا سنكون- محتاجين إلى السعوديين”.
وأضاف “لقد كانوا (السعوديون) تاريخيا حليفا جيدا للولايات المتحدة. هل هناك أشياء لا نتفق معها؟ أنت تراهن على حياتك. لكنهم حليف جيد للغاية. وسيكونون حاسمين في التعامل مع المشاكل”.
وتشهد العلاقة بين واشنطن والرياض فتورا كبيرا منذ وصول إدارة جو بايدن الديمقراطية إلى البيت الأبيض، حيث عمدت هذه الإدارة إلى اتخاذ جملة من الخطوات اعتبرتها المملكة غير ودية تجاهها، وكان من بينها تعطيل صفقة سلاح مهمة، وسحب المتمردين الحوثيين الموالين لإيران في اليمن من القائمة السوداء.
وزاد الفتور مع إبداء إدارة بايدن رغبة شديدة في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران مهما بلغت أثمان هذه العودة، ودون أن تأخذ في الاعتبار هواجس حلفائها الخليجيين الذين طالبوا بضرورة أن يتضمن الاتفاق مع إيران تحجيم ترسانتها من الصواريخ البالستية ووقف دعمها للجماعات المتطرفة.
بالتوازي مع ذلك عمدت واشنطن في الكثير من الأحيان إلى الضغط على المملكة في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وتعمدت تجاهل وعزل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية، من خلال حصر التعامل فقط مع الملك سلمان بن عبدالعزيز في تعاط بدا من وجهة نظر الكثيرين “غير منطقي” ويعكس عدم فهم وإدراك لطبيعة سير الأمور داخل المملكة.
ومع تفجر الأزمة الأوكرانية بشن روسيا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي حملة عسكرية في البلد الجار، وما رافقه من صعود صاروخي في أسعار المواد الطاقية سارعت واشنطن إلى حث الرياض على زيادة إنتاج النفط على أمل ضبط الأسعار وأيضا توفير بديل عن النفط الروسي لزيادة الضغط على موسكو، لتصطدم بموقف رافض من المملكة، أربك البيت الأبيض.
ورغم جهود الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في إقناع السعودية بضرورة التدخل على مستوى أزمة أسعار النفط ظل الموقف السعودي على حاله، في رسالة تفيد بأن الرياض تغيرت وأنها باتت سيدة قرارها، ولن تقبل الخضوع إلى أي ابتزاز لتحقيق مطالب تتناقض مع مصالحها العليا.
وشكلت مواقف القيادة السعودية محل فخر وإشادة من السعوديين الذين اعتبروا أن ما أقدمت عليه قيادتهم هو تصويب لعلاقات المملكة الخارجية، وأن لديهم من المقدرات والإمكانيات والعلاقات ما يؤهلهم لأن ينتفضوا على السياسة الفوقية والمزدوجة للحلفاء الغربيين.