كريتر نت – العرب
يحيل الاهتمام المفاجئ لحركة طالبان الأفغانية المتشددة بتماثيل بوذا في ريف أفغانستان، الذي يقع فوق ما يُعتقد أنه أكبر مخزون من النحاس في العالم، إلى محاولة الحركة استغلال ذلك باستمالة الصين للاستثمار في استخراج النحاس لإنعاش اقتصاد البلد الذي يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة تفاقمها العقوبات الدولية.
ميس عينك (أفغانستان) – تُراهن حركة طالبان المتشددة التي استولت على الحكم في أفغانستان في أغسطس الماضي عقب الانسحاب الأميركي الفوضوي على تماثيل بوذا كوسيط مع الصين لاستقطاب استثماراتها.
وتجلس تماثيل بوذا في حالة تأمل هادئ في الكهوف المنحوتة في المنحدرات الصخرية في ريف أفغانستان الذي يقع فوق ما يُعتقد أنه أكبر مخزون من النحاس في العالم. ويُعلق حكام أفغانستان الجدد من طالبان آمالهم على بكين لتحويل هذا الكنز إلى إيرادات لإنقاذ الدولة التي تعاني من نقص في السيولة وسط عقوبات دولية خانقة.
وقد يكون مقاتلو طالبان الذين يقفون اليوم لحراسة التلال الصخرية قد فكروا في وقت سابق في تدمير تماثيل بوذا.
فقبل عقدين، وعندما كانت الحركة الإسلامية المتشددة في السلطة لأول مرة، أثارت غضب العالم من خلال تفجير تماثيل بوذا العملاقة في جزء آخر من البلاد، واصفة إياها ببقايا الوثنية. لكنها الآن عازمة على الحفاظ على آثار منجم النحاس. وقال حكيم الله مبارز، رئيس أمن طالبان في الموقع، إن القيام بذلك هو مفتاح لجلب المليارات من الاستثمارات الصينية “مما يجعل حمايتها مهمة بالنسبة إلينا وإلى الصينيين”.
مفتاح لمستقبل مزدهر
يعكس تحول حركة طالبان المذهل جاذبية قطاع التعدين غير المستغل في أفغانستان. وقد رأت السلطات المتعاقبة أن ثروات البلاد المعدنية، التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، تعدّ مفتاح مستقبل مزدهر.
لكن تطويرها لم يكن ممكنا بسبب الحرب والعنف المستمرين. واليوم تتطلع العديد من الدول بما في ذلك إيران وروسيا وتركيا إلى الاستثمار لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي.
لكن بكين تبقى الأبرز. ويمكن أن تصبح أول قوة عظمى تتولى مشروعا واسع النطاق في ميس عينك في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، مما قد يعيد رسم خارطة آسيا الجيوسياسية.
وفي 2008 وقّعت إدارة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي عقدا مدته 30 عاما مع شركة “إم.سي.سي” الصينية لاستخراج النحاس عالي الجودة من ميس عينك.
وتشير الدراسات إلى أن الموقع يحتوي على ما يصل إلى 12 مليون طن من المعدن. لكن المشروع ارتبط بمشاكل لوجستية وتعاقدية، ولم يتجاوز بعض مراحل الاختبار الأولية قبل أن يتوقف عندما غادر الموظفون الصينيون المنطقة في 2014 بسبب استمرار العنف.
وبعد أشهر قليلة من استيلاء طالبان على العاصمة في أغسطس، حث وزير التعدين والبترول بالإنابة الجديد شهاب الدين ديلاوار موظفيه على إعادة إشراك المؤسسات الصينية التي تديرها الدولة. وعقد اجتماعين افتراضيين مع “إم.سي.سي” في الأشهر الستة الماضية، وفقا لمسؤولي الشركة والوزارة. وحثهم على العودة إلى المنجم دون تغيير في شروط عقد 2008.
ومن المقرر أن تصل لجنة فنية من الشركة إلى كابول في الأسابيع المقبلة لمعالجة المعوقات المتبقية، حيث أن نقل القطع الأثرية هو المفتاح. لكن “إم.سي.سي” تسعى أيضا لإعادة التفاوض على الشروط، لاسيما لخفض الضرائب وخفض معدل العائدات البالغة 19.5 في المئة للعقد إلى النصف تقريبا، وهي النسبة المئوية المستحقة للحكومة لكل طن من النحاس المباع.
فرصة مثالية لبكين
ترى الشركات الصينية أن الوضع الحالي مثالي بالنسبة إليها. وقال زياد الرشيدي، رئيس وزارة العلاقات الخارجية، إن “هناك نقصا في المنافسين الدوليين والكثير من الدعم من الجانب الحكومي”.
وقال سفير الصين في أفغانستان إن المحادثات جارية لكن ليس أكثر من ذلك.
ويعد الحصول على المعادن النادرة أمرا أساسيا بالنسبة إلى بكين للحفاظ على مكانتها كقوة تصنيع عالمية.
أمّا بالنسبة إلى أفغانستان فيمكن أن يجلب العقد في ميس عينك 250 إلى 300 مليون دولار سنويا من العائدات للدولة بزيادة قدرها 17 في المئة، بالإضافة إلى 800 مليون دولار من الرسوم على مدى مدة العقد، وفقا لمسؤولي الحكومة والشركات. ويعدّ هذا مبلغا كبيرا في الوقت الذي تواجه فيه البلاد انتشارا للفقر.
لكن الأمور لن تكون هينة، حيث تقع مدينة بوذية عمرها ألفا عام إلى جانب محرك اقتصادي محتمل في ميس عينك.
وقد أعاق تاريخ أفغانستان الحديث المضطرب استكشاف الآثار وتطوير المناجم. واكتشف الجيولوجيون الفرنسيون الموقع في الستينات، ويُعتقد أنه كان محطة مهمة على طول طريق الحرير منذ القرون الأولى بعد الميلاد.
وبعد الغزو السوفييتي في أواخر السبعينات حفر الروس أنفاقا على طول الجبل للبحث في رواسب النحاس. ولا تزال مداخل التجويف الكهفية مرئية. واعتُمدت لاحقا مخبأ لمقاتلي القاعدة، وقصفت الولايات المتحدة واحدة على الأقل في عام 2001.
ثم نهب اللصوص العديد من الآثار من الموقع. ومع ذلك، فإن علماء الآثار الذين جاؤوا في 2004 قاموا بحفريات جزئية وحققوا اكتشافات مذهلة.
وصدم ديلاوار التكنوقراط غير المنتمي إلى طالبان في وزارته، حيث التزم بإنقاذ الموقع. ورفض مخططات التعدين المفتوحة التي من شأنها أن تدمر الموقع بالكامل. واعتبرت “إم.سي.سي” الخيار البديل للتعدين تحت الأرض باهظ الثمن. وتقرر تكليف وزارة الثقافة بتقديم خطة لنقل الآثار، على الأرجح إلى متحف كابول. وقال ديلاوار لوكالة أسوشيتد برس “لقد نقلنا بعض القطع الأثرية إلى العاصمة بالفعل، ونعمل على نقل الباقي حتى يمكن بدء أعمال التعدين”.
وفي حين أن الوزارة متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق، يتوخى مسؤولو شركة “إم.سي.سي” الحذر ولم يتحدثوا بشكل رسمي، مشيرين إلى الحساسيات حول المحادثات الجارية بينما لا تزال العقوبات الدولية تحظر التعامل مع طالبان.
ويقف المستثمرون المتفائلون في طابور في أروقة الوزارة وهم يحملون وثائق للمجازفة بمطالبتهم بالثروات المعدنية غير المستغلة في أفغانستان.
ويطرق هذه الأيام روس وإيرانيون وأتراك وصينيون باب مكتب الرشيدي الذي قال إن الجميع “في عجلة من أمرهم للاستثمار”، مؤكدا أن الاهتمام الصيني كبير.
وارتفعت عائدات الوزارة بشكل كبير من 1.2 مليون دولار في العام الذي سبق عودة طالبان، إلى 67 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى منذ تولي طالبان السلطة، وفقا لوثائق اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس. ومن المفارقات أن حركة طالبان هي التي أعاقت العمل في ميس عينك لأكثر من عقد.
ويذكر مسؤول في “إم.سي.سي” كيف كان الطريق المؤدي إلى الموقع مليئا بالعبوات الناسفة التي تستهدف القوات الأفغانية وحلفاء الناتو. وعندما أخبره مضيفوه من طالبان أنهم أمّنوا المكان حتى يمكن استئناف العمل، أجاب مازحا “ألم تكن أنت من تهاجمنا؟”، فضحك الرجال الذين يحملون بنادقهم الرشاشة على أعناقهم.
ثم نهب اللصوص العديد من الآثار من الموقع. ومع ذلك، فإن علماء الآثار الذين جاؤوا في 2004 قاموا بحفريات جزئية وحققوا اكتشافات مذهلة.
وصدم ديلاوار التكنوقراط غير المنتمي إلى طالبان في وزارته، حيث التزم بإنقاذ الموقع. ورفض مخططات التعدين المفتوحة التي من شأنها أن تدمر الموقع بالكامل. واعتبرت “إم.سي.سي” الخيار البديل للتعدين تحت الأرض باهظ الثمن. وتقرر تكليف وزارة الثقافة بتقديم خطة لنقل الآثار، على الأرجح إلى متحف كابول. وقال ديلاوار لوكالة أسوشيتد برس “لقد نقلنا بعض القطع الأثرية إلى العاصمة بالفعل، ونعمل على نقل الباقي حتى يمكن بدء أعمال التعدين”.
وفي حين أن الوزارة متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق، يتوخى مسؤولو شركة “إم.سي.سي” الحذر ولم يتحدثوا بشكل رسمي، مشيرين إلى الحساسيات حول المحادثات الجارية بينما لا تزال العقوبات الدولية تحظر التعامل مع طالبان.
ويقف المستثمرون المتفائلون في طابور في أروقة الوزارة وهم يحملون وثائق للمجازفة بمطالبتهم بالثروات المعدنية غير المستغلة في أفغانستان.
ويطرق هذه الأيام روس وإيرانيون وأتراك وصينيون باب مكتب الرشيدي الذي قال إن الجميع “في عجلة من أمرهم للاستثمار”، مؤكدا أن الاهتمام الصيني كبير.
وارتفعت عائدات الوزارة بشكل كبير من 1.2 مليون دولار في العام الذي سبق عودة طالبان، إلى 67 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى منذ تولي طالبان السلطة، وفقا لوثائق اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس. ومن المفارقات أن حركة طالبان هي التي أعاقت العمل في ميس عينك لأكثر من عقد.
ويذكر مسؤول في “إم.سي.سي” كيف كان الطريق المؤدي إلى الموقع مليئا بالعبوات الناسفة التي تستهدف القوات الأفغانية وحلفاء الناتو. وعندما أخبره مضيفوه من طالبان أنهم أمّنوا المكان حتى يمكن استئناف العمل، أجاب مازحا “ألم تكن أنت من تهاجمنا؟”، فضحك الرجال الذين يحملون بنادقهم الرشاشة على أعناقهم.