يوسف مبارك كاتب بحريني
تعزو موسوعة دائرة المعارف البريطانية الفضل في اختراع أو تطوير مزيج النفط والمواد الكيميائية المشتعلة والمقاومة للماء في آن، المعروفة بنار الإغريق، إلى مهندس يهودي يدعى كالينيكوس، عاش في القرن السابع الميلادي. درس العلوم “السكندرية” في هيليوبوليس، وفر من غزو المسلمين لمسقط رأسه في سوريا إلى القسطنطينية، وقادته الحاجة إلى اختراع “نابالم” ذلك الزمن لتأمين مياه البلاد التي قدمت له المأوى إلى حين.
كانت خراطيم “نار الإغريق” تنفث السائل المشتعل من سفن البيزنطيين، وتترك بحارة ومقاتلي المسلمين بين خيار الاحتراق والغرق مع سفنهم أو القفز من على متنها قبل انتشار اللهب المضاد للماء فيها. وتستمر تفاصيل موسوعة بريتانيكا في التشديد على سرية مزيج ذلك السائل في وقته، وأن معرفة تركيبته كانت حكرا على إمبراطور بيزنطة وأسرة كالينيكوس، وما زالت التركيبة مجهولة رغم التكهنات. لمع نجم السائل المدمر في معركة سيزيكوس البحرية، إذ جلب النصر للبيزنطيين.
تطور الاستخدام في فترة وجيزة، واستحدثت قنابل كروية من السيراميك، يصب فيها المزيج ويتم إشعاله على منصات المجانيق قبل قذفها على السفن من مسافات بعيدة. وتعلم الخصوم البقاء خارج مدى القصف والتحوط بوضع لفائف قماشية مبطنة ومبللة بالخل، تمتص وزن المقذوف وتؤخر انتشار النار للحظات كافية يبادر خلالها البحارة بإلقاء البطانات المتضررة في البحر.
طوال السنة الماضية 2021، أجرت الولايات المتحدة (فبراير) وفرنسا (يوليو) وبريطانيا (أكتوبر) تجارب منفردة لأشعة الليزر المضادة للمسيرات. قبلها بسنة، في 2020، شهدت رومانيا اختبار أشد درجات الليزر تركيزا: ليزر ماغوريلي المصنفة نبضاته المتقطعة بعشر حرارة الشمس، أجريت تجربته في مرفق الضوء الشديد للفيزياء النووية، وتمويل التجربة البالغ 875 مليون يورو بدأ جمعه من قبل الاتحاد الأوروبي منذ 2012، وتوقف العمل مؤخرا لمزاعم فساد جاري التحقيق فيها. وتتوزع البنية التحتية لتجارب الضوء الشديد على ثلاث دول هي رومانيا والتشيك والمجر، بتكلفة 950 مليون يورو. كل ذلك يوحي أن سلاح تحريم المناطق والدفاع عنها ضد المقذوفات المادية المتفجرة – صواريخ أو مسيرات – هو ضوء الليزر الحارق، بالإضافة إلى أن المضادات الحالية على هيئة صواريخ يوشك أن يستغنى عنها في الدول المصنعة لها، لتبقى خردة مربحة عند بيعها لمنطقتنا، مقارنة بما لديهم للدفاع عن دولهم.
تستدعي وتيرة وآثار هجمات المسيّرات التي شهدتها المنطقة منذ 2019 إلى اليوم أن تتضمن أولويات صناعة السلاح الوطني شراكات مع مختبرات الطاقة والبصريات، لأن الدفاع الصاروخي الكامل أو الهجين المصحوب برشاشات عالية السعة وغزيرة الزخات سوف يتطلب تطويرا مصاحبا ومكملا في منظومات الرادارات وتقنيات الترددات، واختبارات محلية وإقليمية للأشعة، لتحقيق تكامل الجهود التقنية بين المنظومات الدفاعية، بحيث تتمكن من صهر المقذوفات في الأجواء لحماية البنى التحتية الاقتصادية والبشرية.
أمام إسرائيل عدة سنوات لتفعيل منظومة كيرين بارزل أو الشعاع الحديدي، والتي بدأت تجاربها في 2014 بغية التمكن من إحراق المقذوف الصاروخي أو المسيّر في قرابة الخمس ثواني من تسليط الشعاع عليه باستمرار، فكم أمامنا بالجهد الذاتي، وكم أمامنا معهم بالجهد المشترك؟ أمام قوات الدفاع الإسرائيلية أداة تقارب سياسي تضاهي القوة الناعمة أو قد تتفوق عليها، إن اختارت على المستوى السياسي توفيرها تحت إشرافهم في بعض المواقع الإقليمية، أو على بوارج في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث إثبات النجاح الميداني يحجم العدو ويجتذب المشترين من الحلفاء.
نقلاً عن سكاي نيوز عربية