كتب : وضاح الأحمدي
ما إن يتبادر إلى الذهن هذا الاسم الاَّ ويحمل في طياته لكل من يعرفه، رجل وآزن المكانة والتاريخ الثوري والإجتماعي، كما والمهني، باعتباره واحدًا من اوائل من تقلدوا مناصبًا رسمية بعد الإستقلال الوطني ـ في فترة عصيبة للغاية، كان المسؤول فيها يعبر وعلى نحو جلي عن حقيقة المأثور السياسي الشهير، ” أنا خادمًا للشعب ولست سيدًا عليه”ـ، ذلك أن العمل كمسئولًا حكوميًا في بلد حديث الإستقلال من إحتلال دولة عظمى بحجم الإمبراطورية البريطانية لـ 129 عامًا، كمن يمضي في حقل ملغوم أو يقضي عقوبة شاقة. فمن منٌا في الأزارق والضالع لا يعرف سيف القطوي.. الحكيم المتزن حسن الحديث والهندام.
كانت السياسات البريطانية الممتدة منذ بدء الإحتلال، تعمد على إيجاد بلد مفكك سياسيًا وإجتماعيًا، متخمًا بالجهل والفقر والمرض والثأر، صفر اليد والعقل، في حالة تصعيب رهيبة لمن سيخلفها قيادة الدفة الوطنية جنوبًا، في إعتقاد منها أن الفشل الذريع سيكون العنوان الأبرز لتلك المرحلة، مرحلة ما بعد الإستقلال الوطني.. ولكن هيهات.
عملت القيادة الوطنية الشابة ـ قليلة الحيلة مقارنة بالدهاء المتجذر للإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس حينها ـ بحماسة منقطعة النظير مبنية على ولاء وطني ناضح وقدمت جهودًا مضاعفة هي أقرب في وصفها للتضحيات، إذ لا فرق حينها بين نزيف العرق والدم، في لحظة عناد وطني غير مسبوقة البتة، كان هدفها الخلاص أولًا، واللحاق بركب الأمم الحرة والمتطورة ثانيًا وأخيرًا، وهكذا رافق فقيدنا رفاق المرحلة، يسبرون أغوار الوطن بيد تبني وتتعلم، وأخرى تدافع عن الوطن وعن الفكرة.
بعد سقوط الوطن والفكرة ومصادرة كل أدوات الدولة، عقب حرب 94 الغاشمة، إنتقل فقيدنا الى مرحلة أخرى، تستدعي عملًا مجتمعيًا مكثفًا وحكيمًا في آن، بغية تجنيب المجتمع سياسات دخيلة لا تقل فتكًا عن مخلفات السيدة العجوز، فلا فرق بين مخلفات الماضي وبينها في الحاضر القادم من صومعة التحالف العسكري الديني القبلي المتخلف، ومرة أخرى يثبت فقيدنا أنه أحد أبرز رفاق المرحلة من الشخصيات الإجتماعية على مستوى الأزارق والضالع، حيث بدأ بمساعي الإصلاح الاجتماعي متنقلًا بين مناطق الضالع، بعقلية مزيجة من رجل الدولة تارة ورجل القبيلة بفطرته الفذة السليمة، وبعد أن تأكد له بأن لا وجود حقيقي للدولة، المنشود منها التحيز الكامل للمواطن وصون حقوقه الخاصة والعامة، وأنها لم تعد سوى يافطة للفساد والإختلاس والرشوة، أطلق فقدينا، عبارته الشهيرة “حكم قبلي أعوج افضل من حكم دولة سامح”، في إشارة واضحة إلى طبيعة النظام السياسي القائم حينها وفقًا لمصالح القائمين عليه وحمايتها، على حساب حقوق المواطنة والعدالة الإجتماعية.
رحل القطوي ليلحق برفاقه من المصلحين الإجتماعيين، بعد أن تركوا فينا ارثًا إجتماعيًا وافرًا ستظل الأجيال تنهل منه حنكتها في مواجهة الإختلالات، الى أن تشرق شمس الدولة وتستعيد السماء نقائها بعد غُمَم متلاحقة.
رحم الله سيف محمد القطوي وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا اليه راجعون.