كريتر نت – متابعات
فجر الخميس الماضي تفاجأ اليمنيون بمشهد إسدال الستار على حكم الرئيس هادي بأحداث متسارعة بدأت بإعلان الرجل إقالة نائبه الجنرال علي محسن الأحمر، تلاها ظهوره على التلفاز وهو يتلو قراره بنقل صلاحياته إلى مجلس رئاسي مكون من رئيس و7 أعضاء.
اختتم المشهد بمقطع فيديو قصير لهادي وهو يصافح أعضاء المجلس وبقبلة على رأسه من خليفته في المنصب رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي انتقل بعدها برفقة أعضاء المجلس للقاء ولي العهد السعودي، كإعلان رسمي من الرياض بطوى صفحة هادي ونائبه.
مشاهد دراماتيكية لم تكن متوقعة أن تتم بهذه السرعة، رغم تزايد الإجماع داخل القوى المناهضة للحوثي بضرورة إحداث تغيير شامل داخل هيكلة الشرعية وقياداتها تحديداً لكون ذلك السبب الرئيسي في فشل حسم المعركة ضد جماعة الحوثي ذراع إيران في اليمن لـ7 سنوات.
ورغم أن مظاهر هذا الفشل برزت منذ العام الثاني للحرب واستمرت للخمس السنوات اللاحقة على مختلف الأصعدة وبخاصة في الجانب العسكري بتوقف الجبهات ثم سقوطها بيد الحوثي، إلا أن دعوات إصلاح أداء الشرعية لم تجد لها آذانا صاغية وكانت تواجه بحملة شرسة واعتبارها دعوات لشق الصف.
فمع حلول العام الثالث بدأت موازين القوى في التغيير على الأرض لصالح الحوثي مع توقف معركة الحديدة جراء اتفاق السويد لتبدأ معها مسلسل انهيار الجبهات التابعة للشرعية في الشمال بالتزامن مع تفجر الصراع في المحافظات الجنوبية المحررة بين الشرعية والانتقالي.
حاول التحالف بقيادة السعودية تلافي الأمر عبر اتفاق الرياض الموقع بين الشرعية والانتقالي أواخر 2019م، سعياً منها لإعادة توحيد الصف المناهض لجماعة الحوثي، إلا أن مساعي تنفيذ بنود الاتفاق فشلت لنحو عامين كاملين.
أسباب هذا الفشل أقر بها القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي محمد الغيثي في تصريح له أواخر مارس الماضي، بأن الفشل يعود إلى أن الاتفاق اقتصر على الشراكة في الحكومة ولم تتضمن نصوصه الشراكة في مؤسسة الرئاسة، مركز القرار داخل الشرعية.
ولم يقتصر الفشل على الجانب العسكري، بل كان الملف الأخطر هو الفشل الاقتصادي في وقف انهيار العملة المحلية أمام العملات الصعبة جراء حالة الصراع والتجاذبات التي تعيشها المناطق المحررة منذ سنوات، ما أوصل الأوضاع إلى مرحلة تهدد بالانفجار جراء تراكم الغضب الشعبي من تدهور الاقتصاد والخدمات.
لتأتي النقطة المفصلية مع حلول الذكرى الـ7 لسقوط صنعاء بيد الحوثي في سبتمبر من عام 2014م، لتحتفل بها الجماعة بتحقيق نصر عسكري مجاني أهدته لها الشرعية بتساقط مريب لجبهاتها في البيضاء ثم مديريات بيحان الغربية في شبوة لتجتاح مليشيات الحوثي مناطق قبائل مراد وتصل إلى آخر خطوط الدفاع عن مدينة مأرب وحقول صافر وهي جبال البلق.
احتمالية سقوط مدينة مأرب وحقول صافر برز كسيناريو كارثي في مسار الحرب في اليمن بالنسبة لخصوم الحوثي وللتحالف، بل إنه يمثل “خسارة الحرب وفقدان الأمن والاستقرار في المنطقة”، بحسب توصيف لمسئول سعودي لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وما زاد من تعقيد الموقف هو التعنت الذي أبدته جماعة الحوثي تجاه المبادرة التي طرحتها السعودية في مارس من العام الماضي لإنهاء الحرب في اليمن رغم الجهود التي بذلتها سلطنة عُمان لإقناعهم بها، ليخرج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، في نوفمبر الماضي ويصرح بأن الوضع في اليمن وصل إلى طريق مسدود سياسياً وعسكرياً.
انسداد الطريق كما وصفه وزير الخارجية السعودي، لم يكن من باب الإحباط، بل كان مؤشراً لتغيير شامل في التعامل مع الملف اليمني من قبل السعودية قائدة التحالف العربي، حيث تزامن التصريح مع خطوة عسكرية لافتة بقيام القوات المشتركة في الساحل الغربي بإعادة تموضعها وانسحاب من المناطق التي ظلت مقيدة بها بسبب اتفاق السويد.
ورغم السخرية التي قوبلت بها هذه الخطوة إلا أنه تبين لاحقاً هدفها بأنها تحريك للمشهد العسكري في اليمن ونقلت القوات التي قيدها اتفاق السويد إلى جبهات أخرى مفتوحة في مواجهة الحوثي، وهو ما تحقق مطلع العام الحالي بإطلاق عملية إعصار الجنوب من قبل قوات العمالقة الجنوبية وتمكنت خلال أقل من شهر من تحرير مديريات بيحان بشبوة وحريب بمأرب.
مثلت عملية إعصار الجنوب هزيمة مدوية لجماعة الحوثي أقر بها زعيمها وأطاحت بحلمها وحلم إيران التي توعدت عبر إعلامها بالاحتفال بالسيطرة على مأرب في رمضان الماضي، وأجبرتها أواخر مارس الماضي على القبول بمبادرة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بدون شروط رغم أن بنودها لا تختلف كثيراً عن المبادرة التي طرحتها السعودية قبل نحو عام.
وعلى الجانب الآخر فقد مثلت عملية إعصار الجنوب عودة للدور الإماراتي في اليمن ومؤشراً على تغيير في التعامل السعودي مع الملف في اليمن، وتوجهها نحو إحداث تغيير شامل في كيان الشرعية وإعادة ترتيب المشهد في المحافظات المحررة، وتجسد ذلك بالدعوة إلى المشاورات في الرياض من قبل مجلس التعاون الخليجي والتي اختتمت بمشهد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وإسدال الستار على حقبة هادي ونائبه الأحمر.