إميل أمين
هل القارة الآسيوية على موعد مع معركة عسكرية اخرى بخلاف المواجهات الدامية الدائرة ما بين روسيا وأوكرانيا ؟
يبدو ذلك كذلك ، ولا يحتاج القارئ إلى بحث معمق ليدرك أن جزيرة تايوان ، هي الموقع والموضع المرجح لتلك المعركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
حملت الأسابيع الأخيرة توترا واضحا ما بين واشنطن وبكين من حول مستقبل تايوان ، توترا دبلوماسيا عالي الصخب ، قد يسبق الانفلات العسكري.
الصين تصر على أنه لا يمكن أن يمضي انفصال تايوان إلى الأبد ، وأنه لابد من عودتها سلما أو حربا أن تطلب الأمر ، وهي تستعد لكافة السيناريوهات ، وحتى لو تطلب الأمر مواجهة عسكرية مع واشنطن ، قد لا ترغب فيها ، لكن قد تفرض عليها .
في أوائل إبريل نيسان الجاري تم الإعلان عن أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي ستقوم بزيارة لتايوان .
كان هذا الخبر كافيا لأن يخرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ، تشاوليجيان ، ليصرح بأن مثل هذه الزيارة تنتهك مبدأ ” صين واحدة ” ، وتوجه رسالة خاطئة إلى من يدعمون استقلال تايوان .
جاء الموقف الصيني من زيارة بيلوسي ،حادا لا يصد ولا يرد ، إذ أكد ليجيان عينه على أنه إذا قامت بيلوسي بمثل هذه الزيارة ، فإن الصين سوف تتخذ إجراءات قوية وتتحمل الولايات المتحدة التداعيات.
لاحقا أعلن عن إصابة بيلوسي ب ” كوفيد -19 “، وعدم قدرتها على القيام بالرحلة المذكورة.
ربما كانت هذه هي الذريعة التي وفرتها الدبلوماسية الأمريكية للفكاك من استحقاقات المواجهة مع الصينيين ، لكن لا يعني هذا أن المعركة قد هدأت.
تتابع الصين ما يجري في أوكرانيا ، ويشعر الأمريكيون أن نجاحات الروس هناك سوف تدفع الصينيين إلى تكرار المحاولة في تايوان عما قريب.
الصين تستعد لمواجهة آتية لا ريب فيها مع الأمريكيين ، ولهذا عدلت مؤخرا من قانونها الخاص بحرس الشواطئ الذي أصبح يخول هذا الجهاز العسكري بالقيام بمهام هجومية واستخدام الأسلحة ضد ” التهديدات الانفصالية ” في إشارة إلى إقليم تايوان المتنازع عليه.
تبدو المعركة الدبلوماسية الصينية مع الأمريكيين قائمة بالفعل ، وليس أدل على صدق هذا الحديث من موقف الصين وردودها على ما جاء مؤخرا في خطاب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ، وليام بيرنز من أن ” الصين هي المنافس الهائل الذي لا يفتقر إلى الطموح ولا القدرة “، وأوضح كذلك أن ” الصين عازمة على أن تحل محل الولايات المتحدة بصفتها ” القوة الأبرز في منطقة المحيطين الهندي والهادئ “.
لم يفوت ليجيان تصريحات بيرنز ، فقد تصدى لها مؤكدا على عدة نقاط في مقدمها أن أمريكا مستمرة في نشر معلومات مضللة بشأن أزمة أوكرانيا ، وأنها تسعى جاهدة لتشويه الصين على نحو صارخ ، وإثارة الشقاق بين الصين وروسيا ، ولديها أجندة للاستفادة من تداعيات إلقائها اللوم على غيرها .
يلفت الانتباه هنا أن هناك توجها واضحا ولو براغماتيا يسعى في طريق دعم روسيا في مواجهتها مع أمريكا ، حتى ولو لم يعن ذلك أنها تشجع على غزو أوكرانيا.
المعركة الدبلوماسية الصينية ضد الولايات المتحدة والقائمة على قدم وساق ،ترفض ” نظرية التهديد الصيني “، التي تروجها واشنطن حول العالم ، وتعتبر أنها ضرب من ضروب الأكاذيب الأمريكية المتكررة.
هل يمكن لتصاعد الصراع الدبلوماسي أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية عند لحظة معينة، وكأن فخ ثيؤسيديديس الذي جرى بين اليونان وأسبرطة قبل الميلاد ، لابد له وأن يعود ليخيم على عالمنا المعاصر مرة جديدة؟
ربما نجد الجواب طي التقرير الذي صدر في فبراير شباط الماضي عن ” المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ” في لندن، وفيه نجد توجها صينيا نحو تعزيز القدرات في ميدان الدفاع ، وذلك من خلال التركيز على عملية تحديث الجيش، وتعديل القوانين الدفاعية ، إذ دعا الحزب الشيوعي الصيني الحاكم إلى زيادة الجهود في ثلاث مجالات رئيسية: الميكنة، أي استبدال الآليات العسكرية الموروثة عن العصور القديمة بأخرى ميكانيكية حديثة ، والحوسبة : فيما يخص الجانب التقني المرتبط بالإنترنت ، بالإضافة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة الدفاع الصينية.
وعلى الرغم من أن عامين من تفشي فيروس كوفيد في الصين ، قد أضعفا من قدراتها القتالية ، إلا أنها عادت مؤخرا وبقوة لإجراء تدريبات عسكرية تشبه الحرب ، فما بين نوفمبر 2021 ويناير 2022 أجرى الجيش الصيني نحو 230 مناورة في المجال الجوي التايواني باستعمال 886 طائرة جوية من مختلف الأصناف ، من مقاتلات ومروحيات وغيرها.
التقرير المشار إليه سلفا يؤكد وجود تعتيم إعلامي شديد في السنة الأخيرة حول طبيعة التدريبات العسكرية الصينية والامتناع عن تغطيتها إعلاميا ، كما كانت تفعل بكين خلال السنوات الماضية ، كما جرى حجب حسابات على مواقع التواصل الاجتماعية كانت مهتمة بمتابعة هذه التدريبات ، بعد أن كانت تلك الحسابات تحتفي بالتدريبات العسكرية الصينية وتروج لها.
ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن الصين تسعى في طريق حيازة قوى نووية تعادل الترسانتين الروسية والأمريكية معا، فقد رصدت الأقمار الاصطناعية الغربية ، ما يشبه السور العظيم تحت الأرض ، وفيه حاضنات لنحو عشرة آلاف صاروخ برؤوس نووية.
يقول الصينيون رسميا إنهم غير مهتمين بتحدي الآخرين أو الحلول محلهم، غير أن هذا حديث دعائي لكل القوى الدولية في مرحلة ما قبل استعلانها القطبي، وهو ما يدركه الأمريكيون جيدا.
واشنطن في مأزق عميق أمام بكين ، فلو تخلت عن تايوان ستفقد ما تبقى من حضور لها في عيون الحلفاء، لا سيما بعدما تركت أوكرانيا وحيدة في الميدان، وإن أقدمت على الدفاع عنها ستدخل في حرب مع الصين.
هل يتحتم على العالم العودة إلى سياسات الاحتواء عوضا عن الردع؟
نقلاً عن العربيه نت