كريتر نت – العرب
أرسل تغير المزاج في العلاقة بين روسيا وإسرائيل بسبب الحرب في أوكرانيا رسالة واضحة إلى دول الخليج بأن تحافظ على خطها الحالي القائم على الوضوح وألا تسعى إلى مواقف متذبذبة لإرضاء روسيا والولايات المتحدة في نفس الوقت، وهو أمر غير ممكن.
وقال متابعون للشأن الخليجي إن محاولة إرضاء الولايات المتحدة بإطلاق تصريحات فيها انتقاد للحرب أو لعب على المصطلحات في وصف التدخل الروسي قد تقود إلى خسارة روسيا وقيادتها السياسية التي لا تقبل أنصاف المواقف، مشيرين إلى أنّ ما يقود الخليجيين في تحديد المواقف هو عامل المصلحة الذي هو الآن إلى جانب روسيا في ضوء التحالف المتين معها في أوبك+ خاصة بالنسبة إلى السعودية والإمارات.
وإلى حد الآن رفضت الرياض وأبوظبي محاولات تسييس ملف النفط والضغط الأميركي من أجل زيادة إمدادات النفط بهدف خفض الأسعار وتوجيه ضربة لروسيا التي تراهن على تغطية تكاليف الحرب من فائض عائداتها من النفط والغاز.
◙ تغير المزاج الروسي بشكل شبه كامل تجاه إسرائيل سيكون بمثابة رسالة للدول التي لديها مصالح مشتركة مع موسكو من أجل أن تقرأ حسابها وتوازن مواقفها
وعبّرت روسيا عن انزعاجها من تغيّر مواقف إسرائيل في الأيام الأخيرة. وكانت إسرائيل رفضت طلبات أوكرانية لشراء الأسلحة والوصول إلى تكنولوجيا المراقبة التي تصنّعها تل أبيب، لكنها بالتوازي قدمت مساعدة إنسانية لأوكرانيا وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة الذي يدين الغزو الروسي، وصوتت كذلك لفائدة تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
كما أن تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا قد قلب المزاج الرسمي في موسكو بالرغم من متانة التقارب مع تل أبيب في السنوات الأخيرة.
واعتبرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن تصريحات لابيد تعتبر محاولة للاستفادة من الوضع في أوكرانيا لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد أقدم النزاعات (الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي).
وقال سفير روسيا في إسرائيل أناتولي فيكتوروف بعد ذلك بوقت قصير لمحطة تلفزيون إسرائيلية إن صداقة إسرائيل وروسيا ما زالت مستمرة، لكن موسكو تتوقع موقفا أكثر توازنا من تل أبيب.
ولاحظ الصحافي الإسرائيلي تسفي بارئيل أن اعتماد عبارة “ما زالت” يضع إسرائيل في معضلة معقدة بشأن مسألة أوكرانيا.
واعتبر مراقبون أن إسرائيل سعت لاستثمار ورقة الوساطة، التي كانت تعتزم القيام بها بين روسيا والغرب في الملف الأوكراني، من أجل الاقتراب أكثر في موقفها من الولايات المتحدة تجاه الحرب، وهو ما رفضته موسكو بشكل علني، مشيرين إلى أن الروس يمتلكون ورقة ضغط قوية في علاقتهم بإسرائيل، وهي ورقة سوريا.
وخلال السنوات الأخيرة سمحت روسيا لإسرائيل بالتصرف بحرية دائما في سماء سوريا، حيث ضرب الطيران الإسرائيلي في مواقع مختلفة من خلال استهداف الوجود الاستخباري والعسكري الإيراني وسط تقارير عن أن ذلك كان يتم بتوافق تام مع روسيا التي تحولت إلى قبلة لزيارات المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت وسلفه بنيامين نتنياهو.
وضمن الرسائل الروسية الجديدة إلى إسرائيل بخصوص إيران، كشف نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا الأميرال أوليغ جورافليف أن نظام الدفاع الجوي الروسي “بوك إم 2 إي” الذي تديره سوريا اعترض مؤخرا صاروخا موجها أطلق من مقاتلة إسرائيلية من طراز إف – 16 في الأجواء السورية.
جيمس دورسي: الإمارات والسعودية تراقبان إدارة إسرائيل للتوتر مع روسيا
وشكّل الكشف تحذيرا من أن روسيا قد لا تتسامح بعد الآن مع ضربات إسرائيلية مستقبلية ضد أهداف في سوريا، وأنها قد تتراجع عن موافقتها الضمنية على ضرب أهداف تابعة لإيران أو حزب الله.
وتمتلك روسيا ورقة ضغط أخرى على إسرائيل، وتخص الملف الفلسطيني، حيث انعكست التهدئة الروسية – الإسرائيلية حول سوريا بشكل لافت على مواقف موسكو في مجلس الأمن بما سمح لإسرائيل أن تتجنب الإحراج بسبب مخلفات الحروب في غزة.
لكن الأمر قد يختلف بشكل جذري الآن.
وأدان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع التصعيد الإسرائيلي للعنف في المسجد الأقصى في مكالمة هاتفية جمعته بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكدا أن بلاده ستدعم الفلسطينيين في المحافل الدولية.
كما طالب الرئيس الروسي في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنقل ملكية الأرض التي تقع فوقها كنيسة ألكسندر في مدينة القدس إلى الحكومة الروسية، حيث كان من المفترض تسليم الكنيسة الواقعة في البلدة القديمة في القدس إلى روسيا كجزء من صفقة قبل عامين مقابل إطلاق سراح إسرائيلي – أميركي محتجز في روسيا بتهم تتعلق بالمخدرات.
ويعتقد المراقبون أن تغير المزاج الروسي بشكل شبه كامل تجاه إسرائيل سيكون بمثابة رسالة للدول التي لديها مصالح مشتركة مع موسكو من أجل أن تقرأ حسابها وتوازن مواقفها، والأمر يبدو أكثر إلحاحا بالنسبة إلى دول الخليج.
ويقول جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، إنه من المؤكّد أن الإمارات والسعودية تراقبان عن كثب كيفية إدارة إسرائيل لما يمكن اعتباره حقل ألغام جيوسياسيّا، حيث سعت الدولتان الخليجيتان، مثل إسرائيل، إلى رسم مسار مستقل، ورفضتا مطالب الولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار وواصلتا التعبير عن غضبهما من السياسات الأميركية المختلفة. لكنّهما قد تتوصّلان في النهاية إلى استنتاج مفاده أن خياراتهما ليست عديدة بالقدر الذي تتصوّرانه.