كريتر نت – متابعات
عاد المسلسل المصري “الاختيار 3” ليثير جدلا واسعا برفعه الغطاء عن شخصيات تعاونت وتعاملت مع جماعة الإخوان المسلمين مثل الناشر المصري ومالك جريدة الشروق إبراهيم المعلم ليعود بذلك أيضا شعار “أنا مش (ليس) إخوان” إلى واجهة الأحداث السياسية في البلاد في محاولة لرفع هذه “الشبهة” عن تلك الشخصيات.
ورفع المسلسل المصري “الاختيار 3” الغطاء عن بعض الأشخاص الذين أثير حولهم الجدل خلال السنوات الماضية، حيث يتعامل المشاهدون مع العمل الفني على أنه مشروع توثيقي يحوي تسجيلات لقيادات الإخوان وآرائهم المحجوبة عن مثقفين وسياسيين مصريين، ومن بين من ورد ذكرهم في إحداها الناشر المصري ومالك جريدة الشروق إبراهيم المعلم.
جاء ذكر المعلم على لسان الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي في سياق يوحي بنفاق الرجل للجماعة، وذكر أنه محتار فيه، لأنه يقول لقيادات الجماعة “انتو بابا وانتو ماما وانتو أنور وجدي” وهي إشارة ساخرة على ازدواجية في تعامله مع الإخوان للحفاظ على مصالحه، فبعد سردية الغزل التي يقولها كان ينشر كاريكاتيرا في صحيفته (الشروق) في منتهى السوء، بما يوحي بالابتزاز أو التوازن.
وفتحت الكلمات التي نطق بها مرسي في الحلقة 16 من مسلسل “الاختيار 3” الباب للحديث حول ما يكتنف رجل الأعمال المعلم من انقسام في توجهاته السياسية.
ففي الوقت الذي اعتبره البعض ناشرا ومثقفا وطنيا، قال آخرون إنه كان انتمى لجماعة الإخوان وربطته بها علاقة قوية، وحاول الاستفادة من العام الذي حكمت فيه البلاد، وجاءت التسجيلات التي أذيعت أخيرا لتعزز التكهنات بشأن علاقته القوية بالإخوان.
وتفاعلت القصة بشكل كبير عندما كتب الصحافي المصري حمدي رزق مقالا في صحيفة “المصري اليوم” بعد إذاعة الحلقة بعنوان “أنا مش إخوان” وتطرق فيه إلى حالة إبراهيم المعلم كنموذج للنفاق ومحاولته التنصل من علاقة ظلت تطارده فترة طويلة، وتصور الكثيرون أنها طويت بعد سقوط الإخوان وهدوء العواصف حولهم.
“الاختيار 3” رفع الغطاء عن الأشخاص الذين تجمعهم علاقات مع الإخوان، ومن بين هؤلاء مالك جريدة الشروق إبراهيم المعلم
كان يمكن أن يمر مقال رزق بلا ضجيج صحافي أو سياسي، غير أن قيام صحيفة “المصري اليوم” بحذف المقال من على موقعها الإلكتروني بعد نشره منحه ذيوعا أكبر، وأعادت حكاية المعلم وعلاقته بالجماعة وملابساتها وشعار “أنا مش (ليس) إخوان” إلى واجهة الجدل السياسي، وفقا لقاعدة “الممنوع مرغوب”.
وسحب المقال والحكاية وردود الفعل التي توقفت عند علاقة المعلم بالإخوان الحديث إلى فضاء أرحب، فقد ذاع صيت شعار “أنا مش إخوان” عقب سقوط حكم الجماعة، وتواتر الحديث حول من ارتموا في أحضانها من المثقفين، وانضموا إلى ذراعها السياسية (حزب الحرية والعدالة)، وفي محاولة للتنصل من أيّ علاقة معها ترددت العبارة السابقة وما تشير إليه من معان حول حال البعض من النخبة.
توارت العبارة – الشعار، وحاول من التحقوا بركب الإخوان أو تعاونوا معها واستفادوا من حكمها الاختفاء عن الأنظار وغسل أياديهم من الدماء التي ارتكبتها.
وجاءت واقعة إبراهيم المعلم لتعيد النقاش بشأن القضية وتصطحبها إلى ضوء جديد ازدادت كثافته بعد حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الخميس الماضي عن الحاجة إلى حوار سياسي شامل، وصعد حينئذ السؤال: هل يشمل الإخوان، وهل يسمح لفلولهم بالمشاركة فيه، وأين سيقف أصحاب شعار “أنا مش إخوان”؟
وربط مراقبون بين الحالة الإخوانية وحالة الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل) الذي كان في السلطة خلال فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، فبعد مرحلة من القسوة السياسية على المنتمين إلى الحزب واتهامات لاحقت قيادات لمعت في هياكل الحزب، وهو ما سمّي بـ”فلول الحزب الوطني”، عاد البعض من هؤلاء للاشتباك مع الحياة السياسية في فترة ما بعد الإخوان، منهم من جرت الاستعانة بهم كوزراء ومسؤولين في جهات عدة بالدولة واختفت صفحاتهم القاتمة وتلاشت عبارة فلول الوطني كتهمة.
في الوقت الذي غفرت فيه شريحة كبيرة من المصريين ما ارتكبه فلول الوطني من أخطاء وتسامحوا مع حماقاتهم السياسية لم يصفح هؤلاء عن فلول الإخوان ومن داروا في فلكهم، وبقيت لعنة “أنا مش إخوان” تطارد من اقتربوا من الجماعة، وتجلت مضامينها في حكاية إبراهيم المعلم التي جاءت ضمن أحداث مسلسل “الاختيار 3”.
ويقول متابعون إن “أرامل مبارك”، كعلامة على حالة الفقد واليتم بعد سقوط نظامه، ومن تنصلوا من العلاقة مع الحزب الوطني، كان الخلاف معهم ينصب حول الأطر السياسية ولم تكن أيادي “الأرامل والفلول” ملطخة مباشرة بدماء المصريين.
الكلمات التي نطق بها مرسي في الحلقة 16 من مسلسل “الاختيار 3” فتحت الباب للحديث حول ما يكتنف رجل الأعمال المعلم من انقسام في توجهاته السياسية
بينما الصورة مختلفة تماما في حال الإخوان ومن ركبوا سفينتهم، بحكم الانتماء القاعدي أو الانتهازية السياسية والاقتصادية، لأن العنف الذي ارتكبته الجماعة وجناحها المسلح ألحقت انعكاساته الضرر بكل من اقترب أو تمسّح بالجماعة.
ولم يفلح شعار “أنا مش إخوان” في إنقاذ سمعة الكثير من عناصر النخبة التي تعاونت مع الجماعة، في حين نجح شعار “أنا مش فلول الوطني” في إحداث أثر إيجابي لأصحابه، ولم تعد الوطني تطاردهم عكس لعنة الإخوان التي تأبى أن تتخلى عن أصحابها.
وتثير المقارنة وما لحق بها من فروق واضحة بين فلول الوطني وفلول الإخوان، مدى قدرة المصريين على الصفح والغفران هنا والرفض والممانعة هناك، فحوار قصير جاء على لسان الرئيس الإخواني محمد مرسي حول شخصية المعلم فجّر براكين من السخرية حول الرجل، فالذاكرة لا تستطيع نسيان من تحالف مع الجماعة أو تعاون معها.
ويقول مراقبون إن مصيبة أعضاء الحزب الوطني لا تقارن بالإخوان ولن تمحو شعارا أو تكفّر عن خطايا أقدم عليها الفريق الثاني، سواء أكانوا من الحلقة الضيقة المنخرطة في صفوف الجماعة أو على هامشها، وسوف تبقى اللعنة تطارد من حاولوا الوقوف في المنتصف، فقد كانت الصورة واضحة والاستمرار في دعم الجماعة نهايته الهلاك.
ويضيف المراقبون أن وسائل الإعلام لعبت دورا مهما في تخفيف الوطأة على فلول الوطني، حيث تعاطف البعض معهم أو تجاهلوا التركيز عليهم عقب صعود خطر الإخوان، وجرى استبدال ما هو أدنى بما هو أشد خطورة، وجاءت النتيجة ضد أصحاب شعار “أنا مش إخوان” ولن يفضي تنصلهم إلى محو ذنوبهم مهما طال الزمن، فذاكرة الشعوب تنسى الأخطاء السياسية لكنها لا تنسى الخطايا في حق الوطن.