كريتر نت – العربية نت
أثار تصريح روسي بخصوص السيطرة على جنوب أوكرانيا وتوفير ذلك لمخرج في منطقة ترانسنيستريا مخاوف مولودوفا تلك الجمهورية الواقعة في شرق أوروبا.
فقد صرح قائد عسكري روسي يوم الجمعة بأن “السيطرة على جنوب أوكرانيا ستوفر مخرجاً في ترانسنيستريا التي تشهد اضطهاداً للسكّان الناطقين بالروسية”.
الأمر الذي أدى لاستدعاء السفير الروسي لدى مولدوفا للاحتجاج على خلفية التصريح، وسلط الضوء على تلك الجمهورية المنسية التي قد تكون أحد أطماع روسيا بعد أوكرانيا، لكن ما أهمية تلك المنطقة وعلاقتها تاريخياً بروسيا؟
خلفية تاريخية
تقع مولدوفا بين رومانيا وأوكرانيا، وهي دولة صغيرة حيث يقل عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة، وهي ممزقة منذ قرون بين قوى أكبر في البداية العثمانيون وروسيا، والآن أوروبا وروسيا.
وأعلنت مولدوفا استقلالها عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وبالتزامن مع ذلك، أعلنت ترانسنيستريا استقلالها عن مولدوفا من جانب واحد.
ترانسنيستريا (شترستوك)
عقب ذلك، اندلعت اشتباكات بين مولدوفا وترانسنيستريا، حيث انتهت بهدنة أبرمت عام 1992، فيما تتواصل منذ العام 1993 محادثات لحل أزمة المنطقة تحت مظلة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ومنطقة ترانسنيستريا غير معترف بها من قبل أي دولة عضو في الأمم المتحدة، إلا أن لديها كيانها السياسي وبرلمانها وجيشها وجهاز شرطتها الخاص بها.
في حين تطالب مولدوفا بضم المنطقة إلى أراضيها حيث تعدها جزءا منها، فيما يطالب الطرف الآخر المدعوم من روسيا بالاعتراف بها كدولة.
تحت النفوذ الروسي
أما في الوقت الحاضر، فتتلقى مولدوفا كل ما لديها من غاز من شركات تسيطر عليها روسيا.
وعلى الرغم من أن قادة مولدوفا تحدثوا عن نيتهم التخلي عن الغاز الروسي والحصول على الطاقة من دول أخرى مثل أذربيجان وتركيا ورومانيا، إلا أنه لا يمكن لأي من هؤلاء، في الوقت الحالي الحديث عن ذلك.
هكذا تواصل روسيا استخدام نفوذها على أسعار الغاز لدفع مولدوفا إلى الأمام، حيث ألمحت، على سبيل المثال، إلى أنها ستخفض الأسعار إذا وافقت مولدوفا على تقديم تنازلات في ترانسنيستريا، وهو ما رفضته مولدوفا.
معضلة مولدوفا
إلى ذلك، يمكن تلخيص معضلة مولدوفا بمشكلتين رئيسيتين لا يمكن الفصل بينهما، الأولى هي الطاقة والثانية ترانسنيستريا. ففي الحقبة السوفيتية، تم بناء أكبر محطة للطاقة في مولدوفا وأكبر محطتي ضخ الغاز في ترانسنيستريا.
بدوره، قال فيكتور بارليكوف، محلل طاقة ومسؤول حكومي سابق لصحيفة “نيويورك تاينز” أنه تم بناء المحطة بهذه الطريقة في حال حاولت مولدوفا السير في طريقها الخاص”.
منطقة شبه مستقلة
وترانسنيستريا لها علمها الخاص، المكون من مطرقة ومنجل على الطراز السوفيتي، وهوية منفصلة عن بقية مولدوفا.
كما، تعود جذورها إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما أنشأ الاتحاد السوفيتي جمهورية صغيرة في نفس المنطقة، قبل دمج أجزاء منها في جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية خلال الحرب العالمية الثانية.
وأوضح بارليكوف أن هذا يتناسب مع نمط قيام السلطات السوفيتية بإعادة تشكيل حدود الجمهوريات ضد الحقائق التاريخية، مما أدى إلى احتمال نشوب صراع.
كذلك، يعكس وضع ترانسنيستريا الوضع في منطقة دونباس الأوكرانية، حيث تمرد الانفصاليون المدعومون من روسيا بعد تمرد عام 2014 المناهض لروسيا، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى الحرب.
الناتو والاتحاد الأوروبي
وتعقّد ترانسنيستريا تطلعات مولدوفا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفق سيرغي دياكونو، نائب وزير الداخلية المولودوفي.
في حين سيكون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أمراً يحتاج إلى وقت أطول، فالحيادية منصوص عليها في دستور مولدوفا، الذي كان قائماً منذ أوائل التسعينيات، عندما حاولت الوقوف بمفردها دون استعداء روسيا.
لماذا تهتم بها روسيا؟
وأوضح أنطون بارباشين، المحلل السياسي في ريدل، وهي مجلة على الإنترنت للشؤون الروسية، أن فكرة سعي روسيا لإنشاء رابط جغرافي مع ترانسنيستريا كانت “في الخطاب منذ التسعينيات على الأقل”.
كذلك، لطالما سعت روسيا إلى الاحتفاظ بجيوب نفوذ في أوروبا الشرقية. وتواصل موسكو دعم ترانسنيستريا بالغاز الطبيعي مما يبقي الجمهورية الانفصالية واقفة على قدميها، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
لكن بارباشين قال إن المنطقة نفسها ليس لها قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة لموسكو.
وإرسال قوات إلى هناك من شأنه أن “يخلق مشاكل أكثر مما تحل” لروسيا، ومن المرجح أن يؤدي إلى عقوبات دولية إضافية ويدمر علاقة موسكو مع مولدوفا.
لكن حتى لو سارت القوات الروسية نحو ترانسنيستريا، فقد لا يتم الترحيب بهم بأذرع مفتوحة.
وعلى الرغم من أن سكان الجمهورية الانفصالية يعتمدون على دعم موسكو، إلا أن البعض يحمل جوازات سفر مولدوفية ومعظم صادرات ترانسنيستريا تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب الصحيفة.
يذكر أن ترانسنيستريا، شريط حدودي يمتد على طول حدود مولدوفا مع أوكرانيا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 500000 نسمة.
فيما لا تعترف بالمنطقة على أنها منطقة مستقلة ولا دولة ولا حتى روسيا. لكنها تعمل كدولة منفصلة، حيث تعترف سلطات مولدوفا بأنها لا تسيطر عليها.