كريتر نت – متابعات
ضمن مشروع تغولها الطائفي الذي يستهدف هوية الشعب اليمني ومعتقداته و أماكن عباداته، حوّلت مليشيا الحوثي الإيرانية المساجد خلال ليالي شهر رمضان المبارك وعلى مدى سنوات الانقلاب، إلى ساحة حرب بينها وبين اليمنيين.
وتُشير تقارير رصد حقوقية وإعلامية إلى اقتحام مليشيا الحوثي طوال السنوات الماضية مئات المساجد واختطاف عشرات الأئمة وتفجير عشرات من المساجد ودور القرآن وتحويل عدد كبير منها إلى أماكن لتحشيد المقاتلين ونشر الفكر الطائفي.
من عامٍ لآخر، تمضي المليشيا بخطىً متسارعة في نهجها العدائي ضد المساجد ودور العبادة بهدف السعي لهدم قدسيتها ومكانتها في نفوس الناس، كامتداد لفكر إمامي وسلالي قديم يُسّهل لها المضي في مشروعها التدميري لقيم وهوية ومعتقدات الشعب اليمني.
ومنذ مطلع شهر رمضان الجاري عمدت المليشيا الإيرانية إلى شن غزوات مسلحة للمساجد في العاصمة وعدد من المدن الخاضعة لسيطرتها، من أجل منع إقامة صلاة التراويح والاعتداء على المصلين وتحويل تلك المساجد إلى ملتقيات لتناول القات والاستماع للخطابات الطائفية التي يلقيها زعيم المليشيا بشكل ليلي.
هذه الإجراءات الحوثية قوبلت بممانعة كبيرة ورفضٍ شعبيٍ واسع، قابلته المليشيا بوحشية مفرطة تمثلت بالاعتداء والاختطاف للعشرات من المصلين والأئمة كما هو الحال في صنعاء وعمران ومحافظات يمنية أخرى.
وأدانت الحكومة الشرعية على لسان وزير إعلامها معمر الإرياني، “الحملات التي تشنها مليشيا الحوثي لمنع إقامة صلاة التراويح”.
واعتبر في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أن “هذه الممارسات الإجرامية امتداد لمحاولات المليشيا فرض أفكارها ومعتقداتها الطائفية الدخيلة المستوردة من إيران في مناطق سيطرتها بالإكراه وقوة السلاح”.
وأضاف الوزير اليمني أن “مليشيا الحوثي تستهدف التنوع المذهبي وتنسف مبدأ التعايش بين أطياف المجتمع اليمني والتي سادت لقرون من الزمن”.
انتهاك خطير لحرية التدين
هذه الأحداث دفعت منظمات حقوقية محلية ودولية إلى الخروج ببيانات إدانة واستنكار؛ ووصفت منظمة سام للحقوق والحريات، منع جماعة الحوثي عددا من السكان في العاصمة صنعاء من أداء صلاة التراويح في رمضان لاختلاف الرأي الفقهي، بأنه “انتهاك خطير لحرية التدين والمعتقد، وتضييق على حق السكان في ممارسة الشعائر التعبدية”.
وطالبت سام جماعة الحوثي بالتوقف عن مثل هذه الممارسات التي تنتهك النصوص والمعاهدات الدولية، وتعزز الانقسام المجتمعي في اليمن على أسس مذهبية.
من جانبه استنكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، منع مليشيا الحوثي السكان في مناطق سيطرتها من أداء صلاة التراويح، وقال في بيانٍ له: “خلال الأيام الماضية، منعت جماعة الحوثي عددًا من السكان من أداء الصلاة في عدة مساجد في العاصمة صنعاء دون أي ضرورة”.
وأضاف: “من غير المقبول تقييد ممارسة السكان للشعائر الدينية”، داعياً مليشيا الحوثي “بالتراجع فورًا عن جميع الممارسات التي تمس بحرية الدين أو المعتقد”.
امتداد لنهج إمامي
يرى الصحفي “فهد سلطان”، أن دوافع الحوثيين في استهداف المساجد ومنع المصلين من أداء صلاة التراويح بأنه أمر ليس بالجديد، “فهو سلوك سارت عليه الإمامة منذ قرون؛ كون ثقافة المذهب تقوم على شطب المخالفين وإذلالهم وتحطيم كل شيء يتعلق بهم”.
ويضيف في حديث خاص لـ “يمن شباب نت”، أن ذلك حصل عبر التاريخ الطويل في اليمن، بل حصلت جرائم وانتهاكات لا تعد ولا تحصى، وكانت المساجد والأربطة ودور العلم والمدارس مسرحا لتلك الهجمات.
من جهته يرى الإعلامي “وليد الجعور”، أن المليشيا الحوثية تنطلق في مشروع استهداف المساجد وفق خطة طويلة الأمد لتغيير هوية المجتمع وإعادة صبغه بصبغة مذهبية أحادية وبشكل قسري.
ويضيف “يبدو أن المليشيا تمضي كل عام وبشكل متدرج، لكن مخططها ينكشف كل يوم لتظهر للمتابع حقيقة سلاليتها ومشروعها الطائفي البغيض”.
استهداف قدسية المسجد ورمزيته
وعن دوافع استهداف المساجد ومنع الصلاة فيها وتحويلها إلى مواقع لنشر الخطاب الطائفي وملتقى للقات واللهو واللعب يرى “أحمد الصباحي” مدير مركز المنبر للدراسات والإعلام، “أن الاستهداف الحوثي للمساجد ودور القرآن نابع من محاولة الحوثي اسقاط رمزية وقدسية المساجد وحكرها في إطار خطاب ديني واحد تابع لهم”، مُرجعاً ذلك إلى الخوف لدى المليشيا “من التأثير الكبير للمساجد وحلقات التحفيظ التي تعد إحدى عوامل المقاومة الفعلية للحوثي من الداخل”.
وفنّد الصباحي محاولات الحوثي إرسال رسائل للمجتمع المحلي والدولي بأنه يتعايش مع من يختلفون معه في الرأي كالسلفيين مثلاً؛ مؤكداً أنه على أرض الواقع “يعمل الحوثي على تكريس النهج الطائفي ويفرض خطباء وأئمة على المساجد بالقوة ويفرض الشعارات والأفكار الدخيلة على الشعب اليمني من خلال خطب الجمعة والدروس التي يبثها عبر المساجد”.
ويضيف أن “الحوثي لا يقبل التنوع في الفكر والخطاب الديني ويعلم جيداً أن أي حرية فكرية في مناطق سيطرتهم ستنعكس سلباً على الرفض الشعبي المتصاعد ضده ولذلك يحاول أن يفرض فكره بالقوة”.
ماذهب إليه الصباحي أكده الصحفي “فهد سلطان”، وزاد: أن المليشيا تسعى لتحطيم قدسية المساجد من خلال استهدافها والتقليل من شأنها، معتبراً أن تلك الطريقة تساعد المليشيا في تسيير مسلحيها وأتباعها لتنفيذ مايطلب منهم.
ويضيف أن ذلك امتداد لنهج إمامي حيث “تقوم الفكرة العامة في الإسلام على احترام بيوت الله بعيدا عن الجهة القائمة عليها، وبالتالي كان اليمني يحافظ على المساجد ودور العبادة والمدارس والحصون والآثار ويعتبرها جزء من هوية البلد، على عكس الإمامة التي كانت تشق لها طريقا آخر يقوم على التدمير والاستهداف لكل شيء، تدمير على الواقع وتدمير داخل عقول الأتباع”.
ويؤكد سلطان “، أن المقاومة الحضارية القائمة على الرفض هي الحل الأنسب لمواجهة المشروع الحوثي، مشيداً بـ “المقاومة الحضارية والرائعة والشجاعة” التي ينتهجها اليمنيون في مواجهة الصلف الحوثي والمتمثلة بخروج الناس من المساجد.
ولفت إلى أن خروج المصلين من المساجد هو رسالة بالغة الأهمية للحوثي: “بأنكم إذا استطعتم السيطرة على هذه المساجد فإننا لن نقبل بخطابكم”.
وختم سلطان: المليشيا على عجل من أمرها، وهي تريد أن تستفيد من الوقت في تشييع اليمنيين، ومحاولة تطيفهم وكل هذا سيزول بمجرد أن تضعف هذه الجماعة أمام وعي وإرادة الشعب اليمني الأقوى على المقاومة والقادر على الانتصار.