كريتر نت – العرب
تقول أوساط سياسية إن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران يتطلب قيام طهران باتخاذ خطوات عملية تضيّق فجوة الثقة، ومن بين هذه الخطوات الضغط على المتمردين الحوثيين للتوصل إلى تسوية سياسية واقعية للأزمة اليمنية المتفجرة منذ ثماني سنوات.
ويعد الصراع في اليمن أحد أبرز الملفات الحارقة بالنسبة إلى السعودية، لأن هذا الملف يرتبط بشكل وثيق بأمنها القومي.
وتدرك الرياض أن طهران تتخذ منه ورقة ضغط لابتزازها وتهديدها، وبالتالي إن كانت إيران راغبة فعلا في تطبيع العلاقات فيتوجّب عليها الكف عن استخدام هذا الملف وتسهيل جهود تحقيق السلام.
ولأكثر من سبعة أشهر توقفت المباحثات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين. واستؤنفت في العاصمة العراقية بغداد مؤخرا الجولة الخامسة من هذه المباحثات، في إطار مساعي العراق لإعادة تطبيع العلاقات بين جارتيه في ظل قطيعة مستمرة منذ مطلع عام 2016.
وكان قد استبق هذه الجولة لقاء جمع في الحادي والعشرين من أبريل الجاري رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بغداد ومساعد الشؤون الدولية للأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني ورئيس الاستخبارات العامة السعودية الفريق خالد الحميدان.
ووفق مصدر في الأمن القومي الإيراني تحدث لصحيفة “الجريدة” الكويتية، فإن لقاء بغداد كان بحضور مسؤولين كبار من مجلس الأمن القومي ومن “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، بجانب مسؤولين كبار من جهاز أمن الدولة السعودي.
الصراع في اليمن يعد أحد أبرز الملفات الحارقة بالنسبة إلى السعودية، لأن هذا الملف يرتبط بشكل وثيق بأمنها القومي
وبحسب المصدر ذاته اتفق الجانبان على سلسلة من الخطوات العملية لمواصلة المباحثات في بغداد بهدف تحسين العلاقات بين البلدين، كما جرى الاتفاق على عقد جولة سادسة من المباحثات قريبا في سلطنة عمان على مستوى وزاري.
وتوجه المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمود عباس زادة مشكيني بالشكر إلى عمان لجهودها المبكرة في خلق منصة مناسبة للمحادثات بين إيران والسعودية.
وكانت وسائل إعلام إيرانية تحدثت عن استضافة مسقط عدة اجتماعات بين وفود أمنية رفيعة المستوى من إيران والسعودية قبل الإعلان عن الجولة الخامسة من المباحثات.
ووصف مسؤولون إيرانيون ووسائل إعلام محلية أجواء الجولة الخامسة من المباحثات بأنها “إيجابية” وتزيد الأمل باستئناف العلاقات بين البلدين بعد قطيعة دامت ست سنوات.
وكانت السعودية ودول خليجية أخرى قد قطعت في يناير من العام 2016 علاقاتها مع إيران التي لم تتخذ حكومتها آنذاك أي إجراءات لمنع اعتداء إيرانيين على مبان دبلوماسية سعودية في طهران، خلال احتجاجهم على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر بتهمة “الإرهاب”.
وما يزيد من أهمية استئناف مباحثات بغداد بين الرياض وطهران أنها جاءت في أجواء نجاح جهود الأمم المتحدة في إقرار هدنة لشهرين بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من جارتها السعودية، التي تتحمل معظم أعباء الحرب منذ قيادتها التحالف العربي لدعم الشرعية عام 2015.
وبحسب وسائل إعلام إيرانية من المتوقع أن تخرج مباحثات البلدين من التشاور واستكشاف المواقف إلى خطوات عملية، مثل تبادل الزيارات تمهيدا لإعادة فتح مكاتب تمثيلية دبلوماسية قد تبدأ بالملحقيات التجارية أو الثقافية بما يهيّئ لإعادة فتح القنصليات والسفارات.
ومنذ جولة مباحثات سبتمبر 2021 سمحت السعودية لمسؤولين إيرانيين بالدخول إلى المملكة لأغراض تتعلق بتمثيل بلدهم في منظمة التعاون الإسلامي (مقرها جدة غربي السعودية)، كما جرى اتفاق على منح حصة أكبر لحجاج إيران في موسم حج هذا العام.
وعلى العكس من أجواء التفاؤل في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، لا يزال نظراؤهم من الجانب السعودي يعبرون عن خيبة أملهم من الدور الذي تلعبه طهران في اليمن وعدم ممارستها ما يكفي من الضغوط على الحوثيين لوقف الحرب وإحلال السلام عبر مفاوضات بين أطراف الصراع المحلية تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن سلوك إيران وحلفائها الحوثيين سيشكل اختبارا حقيقيا لمدى جدية طهران في المضي قدما في تطبيع العلاقات مع الرياض.