كريتر نت – العرب
تسعى مصر لأن تصبح مركزًا إقليميّا للوقود الأخضر في منطقة الشرق الأوسط عبر الاستعانة بشركات عالمية لتدشين محطات الطاقة النظيفة، وكذلك المتخصصة في تصنيع مدخلات إنشائها، وتراهن على الصفقات التي يبرمها الصندوق السيادي ووزارة البترول.
وخطت القاهرة خطوة مهمة ضمن استراتيجيتها لتدشين صناعة محلية للطاقة الخضراء وسط اهتمام دولي متزايد بمصادر الطاقة مثل الوقود الأخضر، وجذبت الخطة لاعبين عالميين رئيسيين وفروا سُبل التمويل اللازمة للاستثمار.
وقررت شركة “هانيويل” الأميركية استثمار نحو 200 مليون دولار في مجالات البتروكيماويات وإنتاج الوقود الأخضر لتموين الطائرات في مصر، حيث تعمل الشركة مع وزارة البترول لتركيب أجهزة “أر تي جي” لمراقبة المستودعات وتصنيع معدات المشروع محليًا، ما يوفر ما بين 20 و30 في المئة من تكلفة التصنيع.
جمال القليوبي: القاهرة لديها بنية تحتية ملائمة لمشاريع الهيدروجين
وما يعزز موقف مصر ضمن خطتها الطموحة هو موقعها الجغرافي المتميز الذي يؤهلها لأن تصبح مركزًا محوريا يربط أوروبا بالشرق الأوسط في مشاريع الوقود الأخضر لتموين الطائرات والسفن وإنتاج الهيدروجين والأمونيا.
وأكدت الشركة أنها ترغب في زيادة دورها في قطاع البترول المصري والمشاركة في المشاريع الاستراتيجية، مع الاهتمام خاصة بالاستثمارات الخضراء، وتتطلع إلى توفير تقنيات متقدمة للحد من انبعاثات الكربون والمساهمة في المبادرات الصديقة للمناخ قبل مؤتمر المناخ الذي سيعقد في شرم الشيخ على البحر الأحمر خلال نوفمبر المقبل.
ويعد الوقود الأخضر أو الهيدروجين الأخضر من أهم المواد عديمة الانبعاثات الكربونية، وأقوى وأحدث أنواع الوقود، ويصل إلى “صفر كربون”، وتعد ألمانيا من أوائل الدول التي عملت به منذ 2014، وهو وقود سريع الاشتعال وقوي الاحتراق وسعراته الحرارية أشد بكثير من الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية الأخرى.
وتأتي مساعي الحكومة المصرية في هذا الصدد تنفيذًا لإطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في يوليو الماضي، وتتطلع السلطات إلى الشروع في مرحلة أولية من المشاريع التي تستهدف استثمارات تصل إلى 4 مليارات دولار.
وتراهن الحكومة في ذلك على الصفقات والاستثمارات التي يجذبها صندوق مصر السيادي، الذي تتمثل مهمته في تعزيز الاستثمار بالعديد من القطاعات ذات الأولوية من خلال الشراكة مع مستثمري القطاع الخاص المحليين والأجانب، بجانب الدور الحيوي لوزارة البترول مع الشركاء الأجانب.
وأصبح الهيدروجين الأخضر هو النجم الأبرز لتموين وسائل النقل بساحة الاقتصاد الأخضر عالميًا، لاسيما بعد أن أعلنت الكثير من الدول الكبرى والناشئة -مثل أستراليا وفرنسا وبلجيكا والهند والبرازيل- عن مبادرات لتوطين الهيدروجين الأخضر.
وانضمت مصر إلى هذه البلدان بعد توقيع مذكرة تفاهم منذ أيام مع كيانات عالمية لإقامة مشروع داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في منطقة العين السخنة لإنتاج 350 ألف طن من الوقود الأخضر سنويًا بهدف تموين السفن، كما تهدف إلى دمج ذلك الوقود في استراتيجية الطاقة 2035.
ويقف على طريق استخدام الهيدروجين الأخضر في أي دولة غياب البنية التحتية الملائمة والتمويل اللازم لإنشاء المحطات والمواد الخام المستخدمة فيها، لكن يبدو أن مصر قطعت خطوات فعلية للتغلب على تلك العراقيل بمساعدة الشركاء الأجانب.
وتتنافس الكثير من المؤسسات العالمية على تمويل المشاريع المتعلقة بالوقود الأخضر في مصر باعتبارها صديقة للبيئة، على رأس هذه المؤسسات بنك التنمية الألماني وبنك الاستثمار الأوروبي.
مشروع واعد لكن هل آليات نجاحه متاحة
وقال الدكتور جمال القليوبي أستاذ هندسة الطاقة بالجامعة الأميركية في القاهرة “توجد ثلاثة اتجاهات في استخدام الهيدروجين، هي: إنتاجه وتخزينه ونقله”، مشيرا إلى أن السلطات المصرية لديها القدرة على تنفيذ المراحل الثلاث بفضل وجود البنية التحتية للغاز الطبيعي ومصانع الإسالة، وتمتلك أدوات استخدام الوقود الأخضر (الهيدروجين) بتنوع استخدام البنية التحتية القوية للغاز، ويمكن استخدامها بتعديل بسيط في الهيدروجين.
وتستهدف مصر في مراحل لاحقة ليست بالقريبة توجيه الهيدروجين الأخضر إلى الاستخدام في وقود المنازل والسيارات وبعض المصانع وتصنيع الكهرباء، وهي استخدامات تتطلب استثمارات ضخمة وتوعية كبيرة بأهميتها خلال السنوات المقبلة.
وأوضح جمال القليوبي لـ”العرب” أن “مصر تستطيع الحصول على الهيدروجين من خلال مياه البحرين الأحمر والمتوسط باستخدام خاصيتي تحريك المياه وفصلها بالأكسجين والهيدروجين للحصول مرة أخرى على هيدروجين كعامل نظيف للطاقة يستخدم فى محطات الكهرباء بالمناطق الساحلية، وهي إحدى آليات الخطط الحالية”.
وتشمل خطة الحكومة المصرية المتعلقة بالطاقة الحصول على طاقة نظيفة من خليط الكهرباء النظيف والطاقة المتجددة وطاقة الهيدروجين بنسب تصل إلى 35 في المئة خلال 2030، وترتفع إلى 43 في المئة في عام 2035.
وأشار القليوبي إلى أن الوقود الأخضر أقل تكلفة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، لأنه عبارة عن هيدروجين ينتج من الطاقة الشمسية المباشرة، وتتراوح تكلفة إنتاجه بين 4 و5 سنتات، بينما تبلغ تكلفة الناتج من الطاقة النووية نحو 8.5 سنت ومن الرياح 8 سنتات.
محمد سعدالدين: خطوة تعزز جذب شركات أجنبية جديدة إلى هذا القطاع
وأصبح التوجه نحو الهيدروجين الأخضر ضرورة بالنسبة إلى مختلف البلدان، إذ تشير الكثير من الدراسات إلى أنه يحتوي على ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري، ما يجعله أكثر كفاءة، ويمكن اعتباره مضاعفًا للكهرباء، فمع بعض الماء والقليل من الكهرباء يمكن توليد المزيد من الكهرباء أو الحرارة (الوقود الأخضر).
وأكد محمد سعدالدين رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات المصرية أن الاستثمارات الأميركية الجديدة تعزز تحول مصر إلى مركز إقليمي للوقود الأخضر، لأنها تركز على تصنيع المواد الخام المستخدمة في تدشين محطات الطاقة النظيفة.
وأضاف لـ”العرب” أن “قيمة استثمارات ‘هانيويل’ ليست ضئيلة إذا تم تناولها بقطاع الهيدروجين الأخضر، لكنها جزء مهم للغاية يعد داعمًا أساسيًا للشركات الكبرى التي تعمل على إنشاء المحطات، كما أنها خطوة لجذب استثمارات عالمية جديدة لإنشاء محطات جديدة في مصر”.
وتأتي خطوة الشركة الأميركية بعد أيام قليلة من توقيع الحكومة المصرية اتفاقيات ضخمة مع شركات دولية لإنتاج الطاقة الخضراء، شملت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة “أي دي أف رينيوابلز” وشركة “مصدر” الإماراتية وشركة “إيميا باور” لإنشاء مصانع لإنتاج الوقود والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء لتموين السفن.
ولم تكشف الحكومة المصرية عن نسبة ملكيتها في هذه المشاريع المزمع تنفيذها، لكن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان أعلن في تصريحات إعلامية سابقة أن الصندوق قد يملك نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من مشروع تموين السفن.