كريتر نت – متابعات
يجادل الخبراء بشأن الكلفة التي من المحتمل أن تدفعها روسيا وأوكرانيا بعد توقف الحرب. ورغم تواصل القتال والتحذيرات من توسعه إلى دول أخرى لا يزال الخيار الدبلوماسي لإيقاف الحرب الأكثر احتمالا والأقل كلفة للطرفين.
ويرى خبراء أن انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية أصعب كثيرا من بدئها، فيما يجادل هؤلاء بشأن الثمن الذي يجب أن يدفعه الطرفان المتحاربان بعد توقف الحرب.
وبعد أكثر من شهرين من القتال الذي يواجه طريقاً مسدوداً، يقوم المتحاربون بإعادة تجميع القوات لشن هجمات روسية رئيسية في منطقة دونباس. ومن المتوقع أن يكون القتال هناك كثيفا، وطويل الأمد، وباهظ التكاليف بالنسبة إلى الطرفين.
ويقول ستيفن جي. سيمبالا أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، ولورانس جي. كورب المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي إن روسيا تواصل قصف مدينة ماريوبول التي تم تدمير أكثر من 90 في المئة منها ورشق كييف بوابل من القذائف من حين لآخر في محاولة لصرف انتباه الحكومة الأوكرانية عن الهجمات في الجنوب والشرق.
وعلى الأقل يبدو أن أهداف حرب روسيا تشمل إقامة جسر بري إلى شبه جزيرة القرم و”تحرير” لوهانسك ودونيتسك من السيطرة الأوكرانية التامة، فيما تسعى أوكرانيا بدورها للحفاظ على نظام حكمها وسيطرتها على أراضيها، بما في ذلك التي تقطنها أغلبية من المتحدثين باللغة الروسية.
إذا لم يأخذ المتحاربون الروس والأوكرانيون والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا الدبلوماسية بصورة جدية سوف يستمر القتال
وحول كيفية إمكانية انتهاء هذه الحرب، يقول سيمبالا وكورب إن هناك أربعة بدائل يمكن أن يحققها القادة الروس أو الأوكرانيون، أو المجتمع الدولي.
ويتمثل البديل الأول في أن يفرض أحد الطرفين هزيمة عسكرية حاسمة على الطرف الآخر وإملاء ترتيبات ما بعد الحرب التي تدعم مصالحه. وأما البديل الثاني فيتمثل في حدوث جمود عسكري مطول، يشهد تزايدا تدريجيا في القوات وتزايدا في قوائم الخسائر في الأرواح، مما يؤدي إلى ضغط للتوصل إلى تسوية دبلوماسية.
وأما الخيار الثالث فيتمثل في حدوث تصعيد يغير من طابع الحرب بصورة كبيرة للغاية سواء كان تصعيدا أفقيا (انتشار الحرب إلى مزيد من الدول) أو تصعيدا رأسيا (استخدام أسلحة الدمار الشامل).
وأما الخيار الرابع فيتمثل في اندلاع أزمة في نفس الوقت في مكان آخر في العالم، تشمل مصلحة حيوية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي (على سبيل المثال توجيه الصين تهديدات وشيكة ضد تايوان أو شن هجوم فعلي ضدها).
وبالنسبة إلى الخيار الأول، وهو الاستسلام الكامل من جانب أحد الطرفين وتحقيق الطرف الآخر انتصارا حاسما، فإنه يبدو أمرا غير محتمل في الوقت الحالي. فمن الممكن أن يواصل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضخ الأسلحة لأوكرانيا إلى ما لا نهاية، كما لا توفر العزلة الدبلوماسية لروسيا قدرا كبيرا من الدعم الخارجي. ومن الممكن توقع تحسن تماسك المقاتلين الأوكرانيين ومهاراتهم القتالية مع اكتساب الخبرة.
ومع ذلك، ليس من المرجح أن تستطيع أوكرانيا فرض انتصار حاسم على روسيا يشمل طرد القوات العسكرية الروسية المنظمة من كل الأراضي الأوكرانية.
وسوف يضمن قرب روسيا من شرق أوكرانيا قدرتها على مواصلة الإبقاء على المنطقة في حالة اضطراب إذا ما اختارت دفع ثمن استمرار الحرب.
ومن ثم، يتضح أن الخيار الثاني وهو أن تكون هناك حرب مطولة تتبعها هدنة وتسوية سلمية عن طريق التفاوض، خيارا أكثر احتمالا من تحقيق انتصار تام أو هزيمة أي من الطرفين.
ومع ذلك، فإنه لكي يصبح هذا الخيار واقعيا، من الضروري أن تدخل الدبلوماسية البارعة معادلة الناتو وروسيا وأوكرانيا، والوسطاء الدوليين المؤثرين.
انتهاء الحرب أصعب كثيرا من بدئها
وحتى الآن، لم تكن الدبلوماسية ذات تأثير بالنسبة إلى الحرب، حتى على الرغم من أن خسائر الحرب أثارت غضب المراقبين الدوليين. ومع ذلك، فإنه إذا لم يأخذ المتحاربون والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا الدبلوماسية بصورة جدية، سوف يستمر القتال.
ويجب أن يكون الهدف الأول للاتصالات الدبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا والناتو والوسطاء المناسبين التوصل إلى ترتيب لتحقيق هدنة مؤقتة، تعقبها صيغة متفق عليها لعقد اجتماعات دبلوماسية متخصصة بين ممثلي أوكرانيا وروسيا والناتو والأطراف الأخرى التي يوافق عليها الجميع.
وأما الهدف الثاني للدبلوماسية فينبغي أن يكون التوصل إلى اتفاق حول الأوضاع النهائية السياسية والعسكرية المقبولة من جانب الناتو وروسيا وأوكرانيا.
وأما الخيار الثالث فإنه يتم اللجوء إليه إذا ما قام أحد الطرفين بتصعيد الحرب بتوسيع نطاق القتال ليشمل المزيد من الدول أو بإدخال أسلحة الدمار الشامل أرض المعركة. فأي هجوم روسي على دولة أخرى، مثل مولدوفا، أو على دولة عضو في الناتو سيؤدي إلى رد عنيف من جانب الناتو. حينئذ سوف تصبح الحرب حربا بين الناتو وروسيا، وسيكون الوضع في أوكرانيا مجرد جزء منها.
وسيتمثل التحدي بالنسبة إلى الناتو في التأكيد في هذا الموقف على وحدته السياسية والاتفاق الجماعي على استراتيجية عسكرية في وجه قتال ممتد باستخدام أسلحة تقليدية طويلة المدى.
وسوف يكون هناك المزيد من الغموض في الاختيار الثالث إذا ما قررت روسيا استخدام سلاح نووي في أوكرانيا. وحتى إذا ما استخدمت روسيا سلاحا محدود القوة يتم إطلاقه من منصة قصيرة أو متوسطة المدى، سوف تكون التأثيرات السياسية والنفسية على أوكرانيا، والناتو والمجتمع الدولي عميقة، ولا يمكن التكهن بها تماما.
أوكرانيا تسعى بدورها للحفاظ على نظام حكمها وسيطرتها على أراضيها، بما في ذلك التي تقطنها أغلبية من المتحدثين باللغة الروسية
ولكن كيف ينبغي أن يكون رد فعل الناتو إزاء بدء روسيا باستخدام سلاح نووي محدود؟ ومن الناحية النظرية سوف تكون هناك ثلاثة خيارات متاحة.
ويتمثل الخيار الأول في انتقام عسكري واسع النطاق ضد أهداف في روسيا باستخدام أسلحة تقليدية فقط، مصحوبا بدبلوماسية عالمية تصور روسيا كدولة شريرة تاريخيا ذات طابع لم يسبق له مثيل، بالإضافة إلى تحذير بأن استخدام روسيا لأي أسلحة نووية سوف يلقى ردا نوويا من الناتو.
وأما الخيار الثاني سيكون ردا نوويا متناسبا ضد أهداف في روسيا مماثلة للأهداف التي دمرها استخدام روسيا لسلاح نووي. وأما الخيار الثالث فسيكون ردا نوويا غير متناسب ضد مجموعة أكبر من الأهداف العسكرية وغيرها في روسيا.
وإذا افترضنا إمكانية تجنب الخيار الثالث، يمثل الخيار الرابع لكيفية إمكانية إنهاء الحرب في أوكرانيا عرقلة محتملة أخرى لجهود إنهاء الحرب على أساس شروط مقبولة من روسيا وأوكرانيا.
وأي تحرك صيني ضد تايوان مع احتمال فرض تغيير نظام الحكم من شأنه أن يخلق أزمة كبرى أخرى بالنسبة إلى صانعي السياسة الأميركيين ومستشاريهم العسكريين.
ومن الواضح أن الإمكانيات العسكرية الأميركية تتيح إدارة أكثر من تحدّ عسكري إقليمي في آن واحد. لكن مواجهة موقف تهاجم فيه الصين تايوان، بينما روسيا تشارك في نفس الوقت في تصعيد أفقي أو رأسي في أوروبا، سوف يشكل ضغطا على إدارة الولايات المتحدة للأزمة وقدراتها العسكرية إلى حد كبير.