أحمد عبد الحكيم / إبراهيم عبد المجيد
أثارت الحلقة الأخيرة في الجزء الثالث من مسلسل الاختيار أصداءً واسعة، بعد شهر من متابعة المصريين للمسلسل، الذي استعرض أزمات جماعة الإخوان خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، التي امتدت عاماً واحداً حتى عزله في 3 يوليو (تموز) 2013 في أعقاب ثورة 30 يونيو من العام نفسه. وكان ما يعرضه المسلسل يومياً من شرح لسياسات الإخوان، التي أدت إلى خروج الشعب المصري ضدهم، حديث المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاءت خاتمة المسلسل بـ”حلقة توثيقية”، ظهر خلالها عدد من الصحافيين والسياسيين منهم أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل، وجلال مرة النائب الأول لرئيس حزب النور، وعمرو فاروق الباحث في شأن الإسلام السياسي، ومحمد عبد العزيز، أحد مؤسسي حركة تمرد، وأحمد رجب كاتب صحافي، وسكينة فؤاد مستشارة رئيس الجمهورية للمرأة، وطارق الخولي عضو البرلمان المصري، وعصام زكريا كاتب صحافي، والمفكر السياسي سمير مرقص، الذي عمل مساعداً للرئيس في ملف التحول الديمقراطي، في عهد حكم الإخوان 2012.
شهادة للتاريخ
روى المفكّر السياسي سمير مرقص، الذي عمل مساعداً للرئيس محمد مرسي في ملف التحول الديمقراطي، خلال الحلقة 30 من مسلسل الاختيار الجزء الثالث، كثيراً من الكواليس التي عاصرها خلال وجوده في القصر الرئاسي بحكم منصبه آنذاك.
وقال مرقص، إنّ جماعة الإخوان عملت بطريقة المناورة، لحين الحصول على كل أهدافها، سواء عضوية البرلمان أو الدستور والرئاسة. موضحاً أنه بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الإخوان، كان هناك لقاء للقوى السياسية بأحد الفنادق، وكان خلال هذا اللقاء يوجد وسيط بين رموز الحركة الوطنية ورئاسة الجمهورية.
وأضاف مرقص، أنّه فوجئ برسالة في هذا الاجتماع، بضرورة قبول الإعلان الدستوري أو ستكون “الدماء للركب”، لدرجة أن بعض الحاضرين شعروا باستنفار تجاه هذه الكلمة، ولم يبق لحظة بعدها في الاجتماع. موضحاً أن عبارة الدم للركب تعكس تهديداً وترهيباً وتخويفاً في لحظة تاريخية.
تابع مرقص “عندما وجّه محمد مرسي، وهو من المفترض رئيساً للدولة، تحذيراً للمصريين باستخدام العنف، وإشهار السلاح ضدهم، فهذا إعلان أنه في خندق، وبقية المصريين في خندق آخر، وبهذا الأمر، فإن على المستوى العملي أسقط محمد مرسي الشرعية عنه”.
وتابع أنّ جماعة الإخوان “لم يتعاملوا خلال فترة حكمهم مع الفريق الرئاسي بشكل جاد، سواء على مستوى المساعدين أو المستشارين، وفي الحقيقة أن الفريق الرئاسي لم يُكلف بأي شيء”.
تسريبات خطرة
وعرضت الحلقة الوثائقية تسريباً جديداً بين رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل ونائب مرشد جماعة الإخوان خيرت الشاطر، حيث نصح مشعل الشاطر بمراجعة مواقفهم السياسية الداخلية، ليرد الشاطر، “إحنا بنراجع على طول حتى موضوع الاستئثار”، في إشارة إلى الاتهامات حينها بمحاولة الاستحواذ على كل المناصب و”أخونة” الدولة.
وتضمّن التسريب، الذي يوجد ضمن قضية التخابر الكبرى، التي حملت رقم 275 لسنة 2013 حصر أمن دولة عليا نصائح من مشعل للشاطر، إذ قال مشعل موجهاً حديثه إلى نائب مرشد الجماعة، “أنتم كقيادة للجماعة وقعتم في أخطاء ويجب رصدها والنظر فيها وتقييم أدائكم خلال الفترة الماضية ومراجعة أموركم”. مضيفاً “أنتم مثلاً في قضية الاستئثار ما زلتم لم تقتحموا الجهاز الإداري، على رغم قولكم بأنكم سيطرتم عليه”.
وأضاف مشعل، “حصلتم على الرئاسة والبرلمان والحكومة والشورى واللجان في البرلمان ما زالت رئاستها غير خاضعة لكم”، ليرد الشاطر أن الجماعة “سيطرت على 9 لجان من 19 لجنة في البرلمان”. فيما رد مشعل، “ومع ذلك الناس ليسوا طوع أيديكم، وليسوا ضامنين لكم”. مشيراً إلى أن الجماعة “دخلت معتركاً، وهناك العديد من المتربصين بها والمتصيدين لأخطائها”.
وكانت محكمة النقض، وفي حكم نهائي وبات قد قضت العام الماضي بتأييد عقوبات السجن المؤبد والمشدد بحق محمد بديع مرشد جماعة الإخوان ونائبه خيرت الشاطر وآخرين من قيادات الجماعة في قضية التخابر مع “حماس”، وانقضاء الدعوى الجنائية لعصام العريان لوفاته.
وقضت محكمة جنايات القاهرة، في 11 سبتمبر (أيلول) 2019، بالسجن المؤبد لـ11 متهماً في القضية، وهم محمد بديع (المرشد العام للجماعة)، ومحمد خيرت الشاطر، وسعد الكتاتني، وعصام العريان، ومحمد البلتاجي، وسعد عصمت الحسيني، وحازم فاروق عبد الخالق، ومحيي حامد السيد، وخالد سعد حسنين، وخليل أسامة العقيد، وأحمد عبد العاطي.
كما تضمن الحكم معاقبة كل من عصام الحداد، وأيمن علي سيد، وأحمد محمد الحكيم بالسجن 10 سنوات، ومعاقبة كل من محمد رفاعة الطهطاوي، وأسعد الشيخة، بالسجن 7 سنوات.
وعرضت الحلقة أيضاً تسريباً غير مؤرخ ظهر في أدلة القضية المعروفة بـ”قضية التخابر الكبرى” يجمع القيادي الإخواني أيمن شوقي الخطيب، وخالد سعد مساعد خيرت الشاطر. وفي التسريب قال شوقي: “بص (انظر) يا خالد والنبي الله يكرمك أنا كنت بلغت الدكتور البلتاجي الصبح (يقصد الصباح) بالاحتشاد في ميدان النهضة والحمد لله ميدان النهضة تم احتشاده دلوقتي (الآن)”.
وتابع شوقي: “جيت (حاولت) أتصل بالدكتور البلتاجي موبيله (هاتفه) مغلق، لازم حالاً يتم التوليع (إحراق) في مقرات الأحزاب في المحافظات، زي (مثل) مقرات التيار الشعبي والنور والوسط، عايز (أريد) الدنيا كلها تنشغل ونعمل بلبلة عايز الكلاب المحتشدة في الميادين تسيبها وتجري”.
تهديد بالقتل
وكشفت الحلقة الوثائقية عن ردود فعل عدد من السياسيين على فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة في عام 2012، بينهم عضو مجلس النواب طارق الخولي، الذي كان أحد القيادات الثورية الشابة، حيث قال إنه بكى في هذه اللحظة، “لأن مجرد خروجنا للشارع سمح بفوز الإخوان”.
وأوضح الخولي أنه تعرّض للتهديد من أسامة ياسين، وزير الشباب والرياضة، في أثناء فترة حكم الإخوان، له بالقتل قائلاً له: “أنت على القوائم وديّتك (ثمنك) رصاصة، في التظاهرات ومحدش (لا أحد) هيحس (يشعر) بيك”، لافتاً إلى تحرك جماعة الإخوان في مسار تشكيل ميليشيات وجماعات قتالية في التظاهرات كانت تمارس كل أشكال العنف ضد القوى السياسية.
من جهتها، قالت الكاتبة الصحافية سكينة فؤاد، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون المرأة في بداية عهد مرسي، إن مشهد تواجد قتلة الرئيس الراحل أنور السادات في احتفال ذكرى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 كان بمثابة “إعلان نهاية” عهد الإخوان.
وعن دعوتها لاجتماع 3 يوليو (تموز) الذي أعلن فيه عزل مرسي، قالت سكينة إنها “عندما دعيت وهي في طريقها توقعت أن لا تستطيع الوصول لأنها عرفت لأول مرة معنى ما تكتبه عندما تقول: بحر من البشر”، مضيفة أنها كانت تدرك في هذا الوقت أن مصر على “مشارف حرب أهلية لو لم تتدخل القوات المسلحة الأمينة على هذا الشعب”.
6 أبريل والإخوان
وظهر خلال الحلقة أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل الثورية، التي كانت فاعلة في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك والأحداث التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وقال ماهر في ظهوره الأول منذ 10 سنوات إن جماعة الإخوان انقلبت على وعودها للقوى الوطنية والثورية، ولم ينفذوا أياً منها، وأضاف أن من انتظروا تنفيذ الإخوان بتحقيق توافق وطني، فوجئوا بإقصاء الإخوان للجميع والسخرية من “دماء الشهداء”.
وأوضح ماهر أنه قرر الاستقالة من الجمعية التأسيسية للدستور التي سيطر عليها الإخوان، والعودة لصفوف المعارضة، بعد أن تبين له أن الإخوان نظام حكم فاشل ومستبد.
وتطرق إلى التسريب، الذي أذيع بالمسلسل وظهر فيه مرشد الإخوان محمد بديع يقول إن “أحد الإخوة سمع أحمد ماهر يقول دي (هذه) فرصتنا لكسر الإخوان” خلال إحدى التظاهرات بميدان التحرير، حيث أكد ماهر أنه قال ذلك بالفعل، وكان يقصد كسر غرور الجماعة، مؤكداً أنهم يدسون أتباعاً يتجسسون على المتظاهرين.
وكان لافتا في تلك الحلقة، التي عدّها القائمون عليها بــ”الوثائقية” عرض نماذج لأشخاص تابعين لجماعة الإخوان أعلنوا انشقاقهم وتبرؤهم من الجماعة.
ساعات حكم الجماعة الأخيرة
وفي الحلقة الختامية من المسلسل عرضت الساعات الأخيرة قبل عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي واجتماع وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالقوى الوطنية، حيث أظهرت الحلقة نصيحة الفريق السيسي للرئيس مرسي بالاستماع إلى مطالب الشعب وقتها، وهي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ووفقاً للحلقة، فقد عرض الفريق السيسي اقتراحاً على مرسي آنذاك بإجراء استفتاء شعبي على منصب رئيس الجمهورية “لنزع فتيل الاحتقان، والاستقطاب في الشارع المصري”، إلا أن الرئيس المنتمي للجماعة رفض الاقتراح قائلاً: “أنا رئيس مدني منتخب، والشرعية معي”، وأن “على المعارضة أن تنتظر وترشح اللي (مَنْ) يعجبها بعد نهاية مدتي”.
وطوال المسلسل حاول القائمون عليه الدمج بين المشاهد الدرامية لفترة حكم الرئيس الأسبق مرسي، وتحركات جماعة الإخوان المنتمي إليها، من خلال خطوط درامية عن أحوال البلد آنذاك وبداية تدشين حركة “تمرد” لإسقاط حكم الجماعة، وبين مشاهد وثائقية حقيقية لاجتماعات بين الجيش وقيادات من الإخوان قبل تولي الحكم أبرزهم محمد مرسي وخيرت الشاطر.
وتعليقاً على المسلسل، أوضح الرئيس المصري قبل أيام خلال حضوره احتفالية “إفطار الأسرة المصرية”، إن ما عرضه “الاختيار 3 هو ما حدث في الواقع في ذلك الوقت”.
ومن بين أكثر التسريبات التي أثارت الجدل في الشارع المصري، ما جرى عرضه في الحلقة الثامنة من المسلسل، الذي تضمن تلويحاً من المرشح آنذاك محمد مرسي، خلال لقاء جمعه بالمشير محمد حسين طنطاوي (وزير الدفاع آنذاك)، والفريق أول عبد الفتاح السيسي، بـ”حرق البلاد ما لم يتم إعلانه رئيساً”.
وجاء في التسريب، حديث مرسي للمشير طنطاوي، قائلا: “النتيجة ما تتغيرش لأن دي (هذا) إذا حصلت ليس لها من دون الله كاشفة.
الموجة اللي موجودة موجة إضرام نيران، لمن لا يقدر المسؤولية، وأنا لا أتمنى هذا ولا أوافق عليه”.
في المقابل، رد طنطاوي خلال التسريب، الذي يعود تاريخ تسجيله إلى 20 يونيو (حزيران) 2012 قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بأسبوع داخل مقر الاستخبارات الحربية بالقاهرة، بأنه “إذا حصل وجهة ما حاولت أن تضرم النار في البلد هتبقى (ستكون) مصيبة على البلد وعلينا”.
وأردف المشير طنطاوي بلهجة حاسمة، مخاطباً مرسي: “خد بالك مفيش داعي للحاجات دي”، في إشارة إلى جماعة الإخوان الإرهابية.
وفيما لم يتسنَ لـ “اندبندنت عربية”، الوصول لأحد قيادات الجماعة للرد على ما ورد من تسريبات بالمسلسل طوال حلقاته الثلاثين، فإن صفحات منتسبيهم على مواقع التواصل الاجتماعي زخرت بالانتقادات المستمرة للمسلسل، متهمين إياه بأنه زيّف الحقيقة ولم ينقلها كاملة.
المصدر : أندبندنت عربية