كريتر نت – العرب
وجدت إسرائيل نفسها في وضع صعب تجاه روسيا بسبب مسعاها للإيحاء بأنها تدعم خيار الحرب الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفي نفس الوقت تريد التأكيد للولايات المتحدة على أنها في صفها، وأنها تدعم أوكرانيا في الدفاع عن أراضيها.
وقال مراقبون إن إسرائيل كانت تريد أن تكون مع الجميع فانتهت في خانة الأعداء بالنسبة إلى روسيا خاصة أن بوتين يطالب حلفاء بلاده بإظهار موقف واضح وعدم التحرك على الحبال مثلما هو الشأن مع إسرائيل التي تحتاج إلى التحالف مع موسكو لحسابات تتعلق بأمنها القومي.
وخلال السنوات الماضية نجحت إسرائيل في بناء تحالف متين مع الروس سهّل عليها مهمة مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، حيث دأبت القوات الإسرائيلية على تنفيذ عمليات خاطفة ضد قوات إيرانية وضد مواقع لميليشيات جلبتها طهران إلى سوريا للدفاع عن نفوذها.
ويرى المراقبون أن إسرائيل حرصت في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا على تقديم نفسها في صورة الحليف المتين لموسكو، وأنها على استعداد للعب دور الوسيط بما يرضي موسكو، لكن الذي حدث أنها تعلمت درسا بليغا مفاده استحالة التذاكي مع بوتين وخداعه.
تركي الفيصل: لسنا تلاميذ في المدرسة ليتم التعامل معنا بنهج العصا والجزرة
وفي آخر الردود قالت روسيا إن هناك “مرتزقة إسرائيليين” يقاتلون ضدها ضمن كتيبة آزوف في أوكرانيا، وهو كلام يضع إسرائيل كخصم لموسكو ويمكن أن يقود هذا التصنيف إلى تراجع روسيا عن كل التعهدات التي سمحت لإسرائيل بشن هجمات شبه يومية على مواقع إيرانية في سوريا.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الأربعاء “سأقول ما لا يرغب الساسة الإسرائيليون، الذين يؤججون هذه الحملة الإعلامية، سماعه، في الغالب. لكن ربما سيهتمون به. هناك مرتزقة إسرائيليون الآن، في أوكرانيا، ويخوضون المعارك جنبا إلى جنب، مع عناصر آزوف”.
وضمن الرسائل الروسية الجديدة إلى إسرائيل بخصوص إيران، كشف نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا الأميرال أوليغ جورافليف أن نظام الدفاع الجوي الروسي “بوك إم 2 إي” الذي تديره سوريا اعترض مؤخرا صاروخا موجها أطلق من مقاتلة إسرائيلية من طراز إف – 16 في الأجواء السورية.
وشكّل الكشف تحذيرا من أن روسيا قد لا تتسامح بعد الآن مع ضربات إسرائيلية مستقبلية ضد أهداف في سوريا، وأنها قد تتراجع عن موافقتها الضمنية على ضرب أهداف تابعة لإيران أو حزب الله. كما ألمحت إلى مراجعة الموقف من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
كما أن تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا قد قلب المزاج الرسمي في موسكو بالرغم من متانة التقارب مع تل أبيب في السنوات الأخيرة.
وتقف إسرائيل على خيط رفيع ما بين روسيا، التي تحتاجها لأهداف استراتيجية، وأوكرانيا التي تقول إنها تتعاطف مع شعبها وتقف إلى جانب العالم الغربي معها. ولكن، حتى الآن، فإن القرار السياسي الإسرائيلي هو الامتناع عن تزويد أوكرانيا بالسلاح، بما في ذلك منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ، والاكتفاء بتعاملها مع أوكرانيا عند حدود الجانب الإنساني مثل بناء مستشفى ميداني، أو إعلانها استقبال لاجئين أوكرانيين، ولاسيما من اليهود.
ومثلما أثار المسؤولون الإسرائيليون غضب روسيا، فإنهم لم يكسبوا رضا أوكرانيا، حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “لماذا لم توجه إسرائيل الضغوط إلى المصالح التجارية في روسيا؟ عليكم منح الإجابات، ومن ثم العيش مع هذه الإجابات. قبل 80 عاما نحن أنقذنا اليهود، ولذلك ثمة بيننا أنصار الشعب اليهودي. والآن لديكم أيضا في إسرائيل حق الخيار”.
وأشاد الرئيس الأوكراني بالقبة الحديدية كأفضل نظام دفاع صاروخي في العالم، واشتكى من أن إسرائيل لا تزود أوكرانيا بأسلحة دفاعية. وقال “نحن نتوجه إليكم ونسأل ما إذا كان من الأفضل تقديم المساعدة أو الوساطة دون اختيار جانب، سأترك لكم الإجابة عن السؤال، لكني أريد أن أشير إلى أن اللامبالاة تقتل”.
ويحمل التدهور السريع في العلاقات بين إسرائيل وروسيا رسالة إلى قوى الشرق الأوسط الأخرى مفادها أن محاولة البقاء على هامش الصراع في أوكرانيا لن تمثّل حلاّ، فهي لن ترضي الأميركيين بالتأكيد، كما أنها بذلك تفتح على نفسها أبواب الغضب الروسي.
فولوديمير زيلينسكي: نحن نتوجه إليكم ونسأل ما إذا كان من الأفضل تقديم المساعدة أو الوساطة دون اختيار جانب
وقال محللون سياسيون إن النأي السعودي والإماراتي عن التشعبات السياسية للحرب في أوكرانيا أثبت جدواه، فقد نجحت الدولتان في فصل قضية النفط عن الصراع السياسي بين روسيا والغرب حتى وإن بدتا بهذه الخطوة أقرب إلى روسيا، مشيرين إلى أن أبوظبي والرياض وضعتا مصالحهما كأولوية قبل حساب مصالح الآخرين، ما جعل أميركا تتقرب منهما بالسعي لإقناعهما بتغيير موقفهما المعارض لزيادة إمدادات النفط، وروسيا تراهما معها لحفاظهما على ارتفاع الأسعار عند مستوى معين.
ويعتقد المحللون أن نجاح السعوديين والإماراتيين في نقل الموقف من الحرب في أوكرانيا من دائرة الانحياز (إلى هذه الجهة أو تلك) إلى الحياد وربط الأمر بقضية النفط دون سواها قد أثبت حجم التطور الذي باتت تمتلكه مواقف هاتين الدولتين المؤثرتين في تحالف أوبك+. كما مكّن البلدين من التأكيد مجددا على أن التعاون مع أيّ جهة لن يكون سوى على قاعدة الندية.
وردا على اقتراح وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بأنه يجب على الولايات المتحدة استخدام نهج الجزرة والعصا لحمل السعوديين على زيادة إنتاج النفط، قال رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير السابق لدى واشنطن الأمير تركي الفيصل ساخرا “لسنا تلاميذ في المدرسة ليتم التعامل معنا بنهج العصا والجزرة. نحن دولة ذات سيادة، وعندما تتم معاملتنا بعدالة وإنصاف، فإننا نرد بالمثل”.
ومن الدول الشرق أوسطية التي تحتاج إلى التحرك بحذر في الملف الأوكراني نجد تركيا التي تريد أن تحتفظ بعلاقات مميزة مع روسيا وفي نفس الوقت تبيع أوكرانيا المسيّرات. ورغم صعوبة هذه التوليفة التي قد تغضب الروس، فإن أوكرانيا لم تخف انزعاجها من ازدواجية الموقف التركي.
وانزعج الرئيس الأوكراني بعد أن أعلنت تركيا عن خطط لتشجيع أكبر عدد ممكن من السياح الروس على زيارتها. وجاء الإعلان في وقت قال فيه مسؤول روسي كبير في مجال السياحة إن أقل من نصف 4.7 مليون روسي سافروا إلى تركيا في 2021 من المرجح أن يزوروا البلاد هذا العام.
وقال زيلينسكي بعد يوم من اجتماعه في كييف مع السياسي التركي البارز المقرب من الرئاسة إبراهيم قالين “هذا ليس عدلا. ولهذا السبب، ألفت انتباه تركيا إلى مثل هذه العمليات. هناك حاجة إلى الاختيار”.