كريتر نت – متابعات
يتساءل محللون سياسيون عن مآل المنشآت الكبرى التي أنشأتها قطر خصيصا لبطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة في شهر نوفمبر القادم، وهل ستقدر على استقطاب السياح مثلما تخطط لذلك الإمارات والسعودية، أم أن ناطحات السحاب والشقق السكنية الضخمة ستكون خاوية على عروشها بمجرد انتهاء التظاهرة العالمية الكبرى.
في درب لوسيل بالدوحة، حيث يكدح عمال البناء قبل بدء بطولة كأس العالم لكرة القدم لتحويل الصحراء إلى شارع تجاري يعج بالحياة على غرار الشانزيليزيه، وبتكلفة تبلغ 300 مليون دولار، يقبع متجر وحيد للسلع الغذائية وغيرها.
يقف مديره يونس خلف خزينة متجره يترقب ازدهار التجارة فور انطلاق صفارة بدء الحدث الكبير في نوفمبر في لوسيل حيث يقام الملعب الرئيسي وأربع ناطحات سحاب ووحدات سكنية صُمّمت لتسع حوالي 200 ألف شخص.
توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن عدد سكان قطر سينخفض في السنوات التالية للبطولة بنحو 1.2 في المئة سنويا إلى 2.5 مليون نسمة في 2027
أنفقت قطر 229 مليار دولار على الأقل على مشروعات البنية التحتية في 11 عاما منذ فوزها باستضافة كأس العالم لعام 2022 في محاولة منها لمواكبة التحول الضخم في بقاع خليجية منافسة مثل دبي وأبوظبي.
وقال مسؤول حكومي لرويترز إن تخطيط أغلب الأعمال تم بشكل منفصل مع سعي قطر لتنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة طامحة في أن تصبح مركزا إقليميا للأعمال وفي زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ ستة ملايين سائح سنويا بحلول 2030.
لكن المحللين والأكاديميين غير مقتنعين بأن إنفاق قطر الضخم من عائدات الغاز سيضمن لها تحقيق حلمها الاقتصادي فور انتهاء البطولة التي تستمر 28 يوما.
ولدى يونس شكوكه كذلك، حيث قال “بعد كأس العالم ماذا سيحدث؟ هل ستزدهر التجارة أم تنحسر؟ لا نعرف”.
وتواجه قطر منافسة ضارية من دول في المنطقة مثل السعودية والإمارات اللتين توفران أسواقا أكثر رسوخا وتنويعا وجذبا للسياح.
لكن هذا لم يثنِ قطر عن إنفاق المال لتحقيق مكانة على الساحة الدولية. وفي ذروة ازدهار أعمال البناء في عام 2016 أنفقت الدوحة 18 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على البنية الأساسية وهو مبلغ ضخم يتضاءل أمامه ما أُنفق على التحضير لبطولات كأس العالم السابقة.
فقد أنفقت جنوب أفريقيا 3.3 مليار دولار على البنية الأساسية أثناء التحضير لبطولة عام 2010، في حين أنفقت البرازيل 11.6 مليار دولار على البنية التحتية لاستضافة الحدث في 2014، رغم أن نصف المشروعات الموعودة لم تتجسد على أرض الواقع.
لكن هذا ليس هو الحال على الواجهة المائية لمدينة لوسيل حيث افتُتح الشهر الماضي مركز بلاس فاندوم للتسوق والذي يضم 600 متجر.
ويحاكي المركز مناطق التسوق في باريس وتصل إليه قناة مائية للمتسوقين الذين يصلون بالمراكب ويحوي مطعما في الهواء الطلق يطل على نوافير مياه راقصة وجناحا للمتاجر الفاخرة يضم فرعين عملاقين لكريستيان ديور ولوي فيتون.
وتضم قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية وبها أكثر القنوات التلفزيونية العربية تأثيرا. وهي لم تنفق بسخاء على ملاعب كرة القدم وحسب، بل أيضا على القطارات السريعة وشبكة مترو الأنفاق وعلى ميناء على مياه عميقة ومطار ضخم.
لكن البعض يخشى أن تصبح هذه المباني الجديدة خاوية بعد انتهاء البطولة مع رحيل الزوار المتوقع وانخفاض الطلب المحتمل وتباطؤ النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة.
وقال روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن “الأمر يتطلب تفكيرا عميقا وجهدا كبيرا لتشغيل الكثير من مكوّنات هذه البنية الأساسية كي تخدم أغراضا أخرى بعد بطولة كأس العالم”.
وقال المسؤول الحكومي لرويترز إن الدوحة ترى أن أول بطولة لكأس العالم تقام في منطقة الشرق الأوسط “قاعدة انطلاق تسويقية” للزوار في المستقبل.
وأنفقت الشركات الحكومية القطرية ومستثمرون من القطاع الخاص المليارات على مشروعات تجارية مثل مراكز التسوق والفنادق والعقارات والساحات الترفيهية.
وقالت كارين يانج الزميلة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن “إنها فلسفة ‘شيّد وسيأتون’ للتنمية في الخليج”.
وحلّت الأنفاق والطرق العلوية محل شوارع قطر المكدسة ذات الاتجاهين والميادين بريطانية الطابع، وزُرعت على جوانب الشوارع أشجار النخيل وأشجار المورينجا المزهرة والحشائش والجهنمية.
ويعمل بقطاع الإنشاءات نحو نصف القوى العاملة في قطر مما أسهم في زيادة عدد السكان بنسبة 67 في المئة منذ 2011.
عمال البناء يكدحون قبل بدء المونديال لتحويل الصحراء إلى شارع تجاري يعج بالحياة على غرار الشانزيليزيه
لكن مع انتهاء هيمنة قطاع الإنشاءات سيتباطأ النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة على الرغم من السعي لتنويع الاقتصاد الذي يهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي.
وتقول شركات عقارية ومحللون عقاريون إن الطلب الراهن على الوحدات السكنية قوي ومن المتوقع أن يزداد قوة مع بدء البطولة لأن العديد من الشقق والفيلات الجديدة تم تجنيبها لاستضافة المشجعين في 64 ألف غرفة على الأقل على مستوى البلاد.
لكن هناك مخاوف من أن تتكدس الوحدات الخالية في السوق لدى طرحها بعد البطولة.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن عدد سكان قطر سينخفض في السنوات التالية للبطولة بنحو 1.2 في المئة سنويا إلى 2.5 مليون نسمة في 2027.
ومن المتوقع كذلك مع انحسار ازدهار قطاع الإنشاءات أن يغادر الكثير من عمال البناء القادمين من جنوب آسيا والذين كان أسلوب معاملتهم وأجورهم محط الأنظار في إطار التحضير لبطولة كأس العالم.
ويقول أليكسيس أنطونيادس أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج تاون في قطر إن البلاد ستفقد كذلك مهندسين ومصممين ومشرفين وغيرهم من المهنيين من أصحاب الأجور العالية الذين يعملون على مشروعات توشك على الانتهاء الآن.
وفي حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد القطري بمعدل 3.4 في المئة هذا العام بفضل النشاط المرتبط بكأس العالم، تشير التوقعات إلى تباطئه إلى 1.7 في المئة في 2024.