كريتر نت – العرب
عزت أوساط سياسية تونسية نجاح المعارضة في الإمساك بالمبادرة إلى غياب مستشارين فاعلين لدى الرئيس قيس سعيد، ما جعله يتدخل في مختلف التفاصيل الصغيرة والتعليق عليها بنفسه والسقوط في مربع ردّ الفعل بدلا من أن تكون مؤسسة رئاسة الجمهورية هي المتحكمة في المشهد، وهي التي تختار اللحظة المناسبة للإدلاء بهذا التصريح أو ذاك وجر الأحزاب إلى التعليق عليه.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الرئيس سعيد صار ينجر يوما بعد آخر إلى رد الفعل بعد أن كان متحكما في الفعل، خاصة إثر نجاحه يوم الخامس والعشرين من يوليو في تغيير المشهد كليّا بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب.
لكن بعد ذلك النجاح اتسعت دائرة التحديات أمام رئيس الجمهورية. وبدلا من أن يعيّن شخصيات ذات قيمة إلى جانبه لتقوم بأدوارها، كل حسب اختصاصه وإشعاعه، صار قيس سعيد يرد على كل شيء بنفسه، وهو ما أغرقه في التفاصيل الصغيرة وشجع الأحزاب على رميه كل يوم بحكاية جديدة وتصريح مستفز ليظهر ليلا ويرد عليه ويبرئ نفسه ويتهم الآخرين بأنهم منافقون أو كاذبون.
دعوات إلى تعيين ناطق رسمي يردّ ويجادل باسم رئيس الجمهورية ومنحه كامل الصلاحيات، على أن يكون شخصية معروفة
ويشار إلى أن الكثير من المستشارين في محيط الرئيس سعيد قد استقالوا أو انسحبوا في صمت ولم يتم تعويضهم بشخصيات ذات إشعاع ميداني تكون قادرة على مواجهة اتهامات الأحزاب بالحجة والدليل ومنْح قيس سعيد الوقت الكافي ليهتم بالملفات الثقيلة بدلا من أن يحدّث الشعب بنفسه ليرد على تلك الاتهامات التي لا تتوقف.
وآخر هذه الاتهامات قوْل المعارض ورئيس جبهة “الخلاص” أحمد نجيب الشابي إن “أخبارا وردت علينا تفيد بأن السلطة تستعد لحل الأحزاب ووضع قياداتها تحت الإقامة الجبرية”. والمعلومة نفسها كررتها نائبة رئيس البرلمان المنحلّ سميرة الشواشي حين قالت إن قيس سعيّد كان ينوي “حلّ الأحزاب” ليلة عيد الفطر، وإن هذا “المخطط” تأجل إلى الثامن من مايو، وإن “الحرائق والتخريب في عدد من الجهات يدخلان في هذا المخطط”.
وفي ردّ فعل سريع على هذه الاتهامات ظهر الرئيس سعيد ليلقي خطابا سريعا من مقر وزارة الداخلية يؤكد فيه أن هؤلاء (قادة الأحزاب والوجوه السياسية المعارضة) “لا يريدون الحوار ولا الاستفتاء، فقط يحاولون العودة إلى الوراء والارتماء في أحضان الخارج وضرب الدولة وحرق البلاد ومؤسساتها”، مشددا على أن الحوار لن يكون مع “من باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان في سوق النخاسة”.
ودعا قيس سعيد القضاء إلى محاكمة من لا دين ولا أخلاق لهم، قائلا “القضاة يمتلكون ما يكفي لتجريم من بثوا الإشاعات وهتكوا الأعراض، وعلى النيابة العمومية أن تتحرك”.
وقال “يدّعون تحقيق مطالب الشعب وهم يحرقون قوته ويزرعون بذور الفتنة للوصول إلى الاقتتال الداخلي”.
قيس سعيد: يدّعون تحقيق مطالب الشعب وهم يحرقون قوته ويزرعون بذور الفتنة
ويعتقد المراقبون أن المعارضين استمكنوا من لعبة رمي الاتهامات التي تستهدف الرئيس سعيد، وهم يعرفون أنه لا يستطيع أن يصبر على هذه الاتهامات والمزاعم، وهدفهم هو استثمار صدقه وحماسه لإظهاره في صورة الرئيس المتشنج ضمن خطة أشمل للمس بصورته لدى الشارع بما يضمّه من شريحة واسعة تدعمه.
وحث المراقبون الرئيس سعيد على تعيين ناطق رسمي يرد ويجادل، بشرط أن يكون شخصية معروفة وذات خبرة وحضور في الساحة السياسية، ومنحه كامل الصلاحيات للتحدّث باسم رئيس الجمهورية دون الخوف من استثمار المعارضة لأخطائه، فهي أصلا تستثمر في التفاصيل الصغيرة وتنهك الرئيس بالاتهامات والتسريبات.
وكان يمكن لوجود شخص مكلف بالاتصال في مؤسسة رئاسة الجمهورية أن يرد على بيان نقابة الصحافيين الذي اتهم الحكومة بـ”التضييق على حرية التعبير وإعاقة الصحافيين عن أداء عملهم” و”ملاحقة الصحافيين أمنيا وقضائيا”.
ويعتقد متابعون للشأن التونسي أن الحادثة المقصودة هنا تخص صحافيا سرب معلومة أمنية، وأن التحقيق معه من مشمولات عمل أجهزة الأمن، مشيرين كذلك إلى أنه لا يوجد ما يلزم الإدارة الحكومية أو أي شركة أو مؤسسة بأن تسمح بحضور كل صحافي أو صحافية مؤتمرا صُحُفيّا أو مناسبة، وأن ذلك لا يمكن فهمه على أنه استهداف للإعلام أو مس بحقه في التغطية والحوار حتى لو كان الأمر خاصا برئيس الجمهورية.
وأشار المتابعون إلى أن الصمت الذي تعتمده مؤسسة رئاسة الجمهورية والمؤسسات المعنية بالاتصال والتواصل يجعل النقابة أو الأحزاب تتماديان في الاتهامات والضغط على الرئيس سعيد، ما يضطره إلى الرد على ذلك بنفسه ومناقشة التفاصيل التي هي في الأصل من اختصاص أشخاص آخرين، وهو ما يسقطه في دائرة رد الفعل.
ولاحظ هؤلاء المتابعون أن الأحزاب -وخاصة حركة النهضة الإسلامية- تحركت بسرعة لإصدار البيانات التي تهدف من خلالها إلى تبرئة نفسها من الشكوك التي تحوم حول ضلوعها في إضرام الحرائق، وهو ما يكشف عن وجود خطة اتصالية معدة مسبقا، في وقت لا تجد فيه الحكومة القدرة على التحرك لإظهار حقيقة ما يجري من حرائق وتهديد لأمن الناس ونقل الضغط إلى الخصوم بدل الانتظار حتى يتدخل قيس سعيد ويتهم الخصوم بأنهم يقفون وراء تلك الحرائق ضمن سياسة الأرض المحروقة.
وأعلنت النهضة في بيان لها أنها “تندّد بالمتسببين في موجة الحرائق التي انتشرت في عموم البلاد وتطالب السلط بتحمّل مسؤولياتها في فتح تحقيق جدّي وشفاف لكشف المتورطين في هذه الجرائم وحماية الممتلكات العامة والخاصة”.
وقال النائب في البرلمان المنحل بدرالدين القمودي، في رسالة وجّهها إلى الرئيس سعيّد، “إنهم يحرقون الأخضر واليابس، في عمليات تخربية منظمة”، داعيا من بيده كل السلطات إلى التدخل ومنع كل ما يدبّرونه من جرائم في حقّ تونس والتونسيين ورصّ الصفوف من أجل التصدّي للأيادي العابثة.