كريتر نت – متابعات
قالت أوساط سياسية ليبية إن مغامرة رئيس حكومة الاستقرار الليبية فتحي باشاغا بدخول طرابلس كانت خطوة غير محسوبة انتهت بإخفاق سياسي مدو تسبب بضربة معنوية لباشاغا وحلفائه داخليا وداعميه الإقليميين والدوليين.
واعتبرت هذه الأوساط أن باشاغا هو أكثر شخص يعرف ماذا تعني إخفاقة من هذا النوع سواء على المدى القريب أو على مستقبله السياسي، حيث سبق أن مر حليفه الحالي وخصمه السابق القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بمثل هذا الموقف وتحمّل تبعات فشله في السيطرة على العاصمة طرابلس.
واستغربت الأوساط قيام باشاغا بمثل هذه المغامرة حيث ساد انطباع أنه شخصية متزنة، ولم تستبعد أن يكون قد تأثر بالبعض من وزرائه وفريقه الاستشاري الذي قد يكون أوحى له بأن هناك ضوءا دوليا أخضر لدخول حكومته طرابلس.
لكن مراقبين ربطوا فشل باشاغا في البقاء في طرابلس وطرد خصمه رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة، برفض تركي لحكومته خاصة وأن من قام بفض الاشتباكات ووفر ممرا آمنا لباشاغا هو اللواء 444 قتال الذي تم تشكيله قبل نحو سنتين تحت إشراف وتدريب تركي. وانتشر اللواء بعدها في كامل طرابلس.
ووقعت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في نوفمبر 2019 اتفاقية تعاون عسكري مع تركيا قالت إن من بين بنودها التدريب العسكري، لكن معارضين للاتفاقية حينها قالوا إنها غطاء لتدخل عسكري تركي في البلاد وسط أنباء عن سيطرة أنقرة على عدد من القواعد الجوية غرب البلاد.
ويبدد تدخل اللواء 444 برئاسة محمود حمزة الانطباع السائد بأن تركيا تتخذ موقفا محايدا من الطرفين ويؤكد موقفها الأول الذي ظهر عقب انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في ديسمبر الماضي، حيث أصدرت بيانا أعلنت فيه رفضها لتشكيل “حكومة موازية”، مشددة على استمرار دعمها لحكومة الوحدة الوطنية.
ويرى هؤلاء أن القوات التابعة للدبيبة بدا عليها الارتباك ولم تكن مستعدة أو متوقعة لحدوث الهجوم في هذا التوقيت، ما يؤكد ضعف الحكومة استخباريا، لافتين إلى أنه لولا تدخل اللواء 444 -بالإضافة إلى تخاذل بعض الميليشيات التي عول عليها باشاغا- لتمكنت القوات المؤيدة له من السيطرة على العاصمة.
ويبدو أن الدبيبة قد اقتنع بهذا الضعف وحاول تداركه حيث قام بإقالة مدير إدارة الاستخبارات العسكرية أسامة الجويلي الذي تتواتر الأنباء بشأن توافقه مع باشاغا وأنه كان من ضمن القيادات العسكرية التي ساعدت على دخوله إلى العاصمة، كما أقال مصطفى قدور القيادي البارز في كتيبة النواصي من مهام نائب رئيس جهاز المخابرات العسكرية.
وينتمي الجويلي إلى مدينة الزنتان التي دخلت أكثر من مرة في مواجهات مع قوات من مدينة مصراتة التي ينتمي إليها باشاغا بسبب خلافات تاريخية – حديثة على النفوذ والسيطرة على غرب البلاد. ويرى مراقبون أنه لا علاقة للتوافقات التي حصلت مؤخرا بالتوافق بين الرجلين، مرجعين ذلك إلى انتمائهما السياسي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر غير مؤكد حيث لم يسبق أن أعلنا انتماءهما السياسي.
ودخل باشاغا طرابلس ليلة الثلاثاء بعد شهرين من الجمود بين الإدارتين المتنافستين في ليبيا، لكن مكتبه قال إنه انسحب بعد ساعات إثر اندلاع القتال في المدينة.
وتهدد الأزمة بإعادة ليبيا إلى قتال مطول بعد عامين من السلام النسبي أو إعادتها إلى التقسيم بين حكومة باشاغا المدعومة من الشرق وإدارة طرابلس بقيادة عبدالحميد الدبيبة.
وأدى الجمود السياسي بالفعل إلى إغلاق جزئي لمنشآت نفط ليبية، مما قلص المصدر الرئيسي للإيرادات الأجنبية بمقدار النصف. ولا تحقق الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة أو تمهيد الطريق لإجراء انتخابات جديدة تقدما يذكر.
وقال جلال حرشاوي، الخبير في الشأن الليبي، “لا أعتقد أن الأمور ستعود هادئة ساكنة”، موضحا أن الدبيبة سيحاول على الأرجح ممارسة المزيد من الضغوط على الفصائل المتحالفة مع باشاغا في طرابلس. لكنه أضاف أن من غير المرجح حدوث تصعيد على نطاق واسع، في ضوء انسحاب باشاغا سريعا من طرابلس عقب نشوب الاقتتال.
وأعلن باشاغا فجر الثلاثاء دخوله برفقة أعضاء حكومته إلى طرابلس في وقت متأخر من مساء الإثنين، لتشهد أجزاء من العاصمة اشتباكات مسلحة بين “القوة الثامنة” (وهي مجموعة مسلحة في طرابلس مؤيدة لباشاغا) وعدد من التشكيلات المسلحة في غرب ليبيا والعاصمة، حيث مقر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الرافض للتخلي عن السلطة.
وأوضحت الحكومة في بيان أن “رئيس الوزراء فتحي باشاغا وعدد من أعضاء حكومته، غادروا العاصمة (…)، حرصاً على سلامة وأمن المواطنين وحقناً للدماء”.
واعتبرت الحكومة مغادرتها طرابلس “إيفاءً بتعهداتها للشعب الليبي، بخصوص سلمية مباشرة عملها من العاصمة وفق القانون”.