الجزائر – صابر بليدي
تحاول الجزائر السيطرة على حالة الانفلات الديني التي تعيشها منذ سنوات مستعينة بتجربة الأزهر، حيث أطلقت الحكومة قرارا يقضي باحتكار الفتوى الدينية وتنظيمها، وذلك بتسمية أئمة مركزيين ومحليين يضطلعون بالمهمة. كما حصرت مهمة تكوين الكوادر في سلطة مؤسسة الجامع الأعظم، في خطوة لتوحيد الخطاب المسجدي وتحييد المؤسسات الدينية عن الاستغلال والتوظيف المذهبي والطائفي، وإنهاء حالة التضارب التي تهدد المرجعية الدينية للمجتمع.
ويبدو أن الجزائر تحاول الاستعانة بتجربة مصر في مسألة مرْكزة الفتوى وحصرها في جامع الأزهر بهدف التصدي للأفكار الدينية المتطرفة التي انتشرت خلال السنوات الماضية خاصة من قبل السلفيين، حيث بدأ وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي اتخاذ خطوات في هذا الصدد، وهي الخطوات التي جاءت بعد زيارة قام بها إلى القاهرة.
وكشف بلمهدي عن تسمية سبعة أئمة بدرجة مفتي في جامع الجزائر، فضلا عن تسمية إمام مفتي في كل محافظات (ولايات) الجمهورية، في خطوة غير مسبوقة تستهدف تنظيم القطاع والحد من الفوضى التي تسود الجبهة الدينية وتهدد استقرار وتماسك المجتمع، لاسيما في ظل التغلغل الزاحف لمختلف المذاهب والتيارات.
وذكر بلمهدي في تصريح صحافي أن “عملية تحضير التأسيس للأطر والآليات لمنصب الإمام المفتي، الذي يخول له دور حماية المرجعية الدينية والمحافظة عليها، مستمرة. وأن تنصيب لجنة تأهيل وانتقاء الأئمة والعلماء الذين سيختارون الأئمة المفتين بجامع الجزائر، الذي سيضم وحده سبعة مفتين بالإضافة إلى تعيين مفت واحد بكل ولاية من ولايات الوطن، قد تم”.
وأضاف “تضم اللجنة أئمة وعلماء ومشايخ وأساتذة وأعضاء اللجنة الوزارية للفتوى، بالنظر إلى العدد الكبير من الكفاءات الوطنية المرشحة، وذات القدرة على الإشراف على منصب الإمام المفتي”.
ولفت إلى أن اللجنة ستختار وتنتقي الأئمة المفتين في جلسات علمية، وفق معايير ومقاييس محددة توحد الفتوى ضمن الأطر المرجعية التي تحمي الوطن من الانزلاقات الفكرية والثقافية.
واعتبر بلمهدي أن المساجد بمثابة “مراكز للحياة وللإعمار، ولها دور وطني باعتبارها مؤسسة تعمل على ترقية وتربية وتعليم وتماسك المجتمع ككل.
وسبق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف أن زار القاهرة، أين أجرى مشاورات مع المسؤولين في المؤسسة الدينية الأولى بمصر، وبحث إمكانية الاستعانة بتجربة الأزهر، لاسيما وأن للبلدين مرجعية دينية واحدة.
وقال بلمهدي في هذا الشأن إنه “عقد جلسة مع مفتي مصر من أجل ربط جسور تعاون لتكوين الأئمة المفتين الجزائريين في مؤسسات الإفتاء بمصر، وإن وحدة المرجعية بين البلدين (المالكية) تسمح باستفادة الجزائر في هذا المجال من التجربة المصرية”.
وتسعى الجزائر إلى المسك بمقاليد المؤسسة الدينية وتحييدها عن التجاذبات المحتدمة بين مختلف التيارات والمذاهب، حيث لم يسلم تعيين محمد مأمون القاسمي ذي الخلفية الصوفية كعميد لجامع الجزائر من هجوم التيار السلفي الذي كان يأمل في الاستحواذ على المؤسسة بواسطة دوائره وخلاياه الناشطة.
وكان العدد الأخير من الجريدة الرسمية للدولة قد كشف عن هيكلة مؤسسة الجامع الأعظم بالعاصمة، ومن بين ما تضمنه إنشاء مركز للبحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، يقوم بإنجاز بحوث ودراسات متخصصة في مجال العلوم الدينية وحوار الحضارات.
وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أن المركز سيتولى “إعداد برامج البحث العلمي والدراسات المتعلقة بترقية قيم الوسطية والاعتدال وتطوير قيم التسامح والعيش بسلام وترسيخ المرجعية الدينية الوطنية، وإحياء التراث الديني، وكل ما تعلق بالحسابات الفلكية وضبط المواقيت الشرعية والصيرفة الإسلامية.. وغيرها من المسائل المتصلة والمختلفة”.
وتضمن التنظيم المعلن عنه تعديل القانون الأساسي للوكالة الوطنية لإنجاز الجامع وتسييره، وإنشاء المجلس العلمي، والمدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية (دار القرآن)، ومتحف عمومي وطني للحضارة الإسلامية، وفضاء المسجد ومكتبة الجامع.
وتتولى المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية تكوين الكوادر الدينية من أئمة المساجد والخطباء ومدرّسي التعليم الديني، ومختلف الفاعلين في القطاع، لتكون بذلك أول خطوة نحو توحيد البرامج والمرجعيات المعتمدة من طرف الدولة، خاصة وأن التعليم العالي لم يستطع الحفاظ على الوحدة التي تأملها السلطة في الخطاب الديني، كما أن باقي المؤسسات الأخرى تم اختراقها بشكل كبير من طرف التيارات المتنافرة.
وقطع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الطريق تماما أمام تلك التيارات، بعد تعيين مساعديْن جديديْن لعميد الجامع ينحدران من التيار الصوفي، ويتعلق الأمر بكل من عبدالله رقاني وحسان الشيخ، وهو ما بخر آمال التيارات المذكورة في اكتساب موطئ قدم داخل المؤسسة.
وتم في شهر مارس الماضي تعيين الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني، رئيس مشيخة الطريقة القاسمية، ورئيس الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، عميداً لجامع الجزائر، وصنف عميدا برتبة وزير.
ووجه عميد جامع الجزائر رسالة إلى القائمين على المساجد في البلاد، دعا فيها الأئمة إلى “التركيز في دعوتهم على ما هو متفق عليه وتحاشي مواطن الاختلاف لدرء الفتنة والانقسام والتمزق”.
وأكد في تصريح للإذاعة الحكومية أن “التيارات الدخيلة الغريبة التي غُذيت بالمفاهيم الخاطئة للإسلام ينبغي التصدي لها، والسعي لأن يبقى هذا المجتمع على تماسكه ووحدته”.
وأعرب عن حرص مؤسسته على “إعداد مواطن صالح يحسن فهم دينه ويعتز بانتمائه إلى الإسلام ويمقت العصبية والطائفية، ويلتزم بأداء الحقوق والواجبات، وهو ما يستوجب أن نتعاون عليه كي نحفظ للمجتمع أمنه الفكري ومقومات وحدته الجامعة”.
وأوضح أن رسالة جامع الجزائر هي الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته، وأن الوحدة تكون في المرجعية الدينية الجامعة.
ولفت إلى أن جامع الجزائر في طليعة أهدافه نشر الفكر الإسلامي الأصيل، وإبراز صورة الإسلام الصحيحة والرد على الدعوات المشبوهة وإبطال مخططات أصحاب الفتنة، والسعي بشكل حثيث لتسخير كل الوسائل، منها المراكز التي هي ضمن إدارة جامع الجزائر، مثل المركز الثقافي والمكتبة والمدرسة العليا التي يتطلع إلى أن تكون منارة علمية.
المصدر : العرب اللندنية