كريتر نت – متابعات
كما كان متوقعا من جميع المراقبين للشأن اليمني ومتتبعي تنفيذ بنود الهدنة الأممية التي أطلقت في الثاني من أبريل الماضي، وحدد زمنها بشهرين، بأن ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيا، ستكون المستفيد الأول منها.
اليوم، لم يتبق من عمر الهدنة إلا أيام قليلة، وأهم بنودها المتعلق بمصلحة السواد الأعظم من اليمنيين لم ينفذ، في حين نفذت البنود التي تخدم الميليشيات الحوثية فقط، حيث استفادت منها “عسكريا واقتصاديا وسياسيا” ؛ ومع استمرار مليشيات الحوثي في الأعمال العسكرية برزت العديد من التساؤلات وأبرزها هل الشرعية طرفاً في الهدنة ؟
فكل الوقائع على الأرض تقول بأن الهدنة بين التحالف ومليشيات الحوثي وان الطرفان ملتزمان ببنودها وتوقف الطرفان عن شن هجمات المتبادلة بينهما .
فعسكريا، من خلال وقف إطلاق النار ووقف غارات التحالف العربي، تمكنت خلالها الميليشيات من إعادة ترتيب صفوف عناصرها وجبهاتها، وحشدت العتاد والعدة، إلى الجبهات بكل حرية، حيث لم تكن هناك غارات لمنع نقل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية مع إطلاق منصاتها إلى جبهات كالجوف وصعدة وحجة ومحيط مأرب، ونقل العتاد القادم من إيران عبر ميناء الحديدة بكل حرية إلى صنعاء وصعدة وعمران.
كما تمكنت من استحداث مواقع، وحفر أنفاق وخنادق وإعادة بناء المتاريس، ونصب منصات صواريخ ومسيرات ونشر أسلحة تكتيكية نوعية، في مناطق تماس استراتيجية، في مأرب حيث منابع النفط والغاز، أو الساحل الغربي حيث الموانئ، والممر المائي الأهم للتجارة والملاحة الدولية.
اقتصاديا، استفادت الميليشيات من بند إدخال المشتقات النفطية والغاز إلى ميناء الحديدة، من خلال بيع تلك المشتقات بأسعار تم إعلانها من قبل مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتها في صنعاء، بلغت الضعف عما كانت قبل الهدنة، ما وفر عليها مبالغ تجاوزت 124 مليار ريال، وليس 90 مليار كما تعلن الحكومة اليمنية، بالنسبة لعائدات 12 سفينة دخلت إلى الميناء من أصل 18 سفينة نصت عليها بنود الهدنة.
كما استفادت الميليشيات بأن عززت سوقها السوداء بتلك المواد وخلقت أزمات جديدة في مناطقها، روجت من خلالها أن التحالف والحكومة اليمنية من تقف وراءها، وهكذا استفادت منها في خلق رأي عام محلي، محى معه كل التنازلات التي قدمتها الحكومة في سبيل إنجاح الهدنة.
ووفر بند دخول سفن النفط، وفرة في مخزون الوقود لدى الميليشيات لاستخدامها مستقبلا في تمويل عملياتها القتالية باستخدامها لتشغيل الآليات القتالية ومنصات إطلاق الصواريخ وغيرها من الأعمال اللوجستية الحربية.
وأظهرت بيانات آلية الأمم المتحدة للتفتيش والرقابة في اليمن ارتفاعا كبيرا في نسبة واردات الأغذية والوقود إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين خلال الشهر الأول من الهدنة بنسبة 40 في المائة فيما يتعلق بالواردات الغذائية، و284 في المائة فيما يخص الوقود، مقارنة بالمتوسط الشهري خلال العام الماضي.
فتح مطار صنعاء
وفيما يتعلق ببند فتح مطار صنعاء، فقد حققت الميليشيات نجاحا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا من خلال دفع الحكومة اليمنية والتحالف للخضوع لشروطها باستخدام المسافرين عبر الرحلات المقررة من المطار والتي بدأت مؤخرا فعلا، الجوازات الصادرة من مناطقها، رغم تبرير الحكومة الزائف بأنه سيتم منح العائدين من تلك الرحلات بجوازات سفر صادرة عن السفارات اليمنية في الأردن والقاهرة، وهو ما لم يتم فعلا.
وإلى جانب تحقيق نجاح بالنسبة للجوازات، فقد حققت عوائد مالية أيضا من خلال قيمة الجوازات التي صدرت من مراكز إصدار واقعة في مناطق سيطرتها، ويتم الاعتراف بها من قبل الدول المستقبلة للرحلات، الأمر الذي رفضته مصر، لكن هناك ضغوط تمارس حاليا ضد القاهرة للقبول بتلك الرحلات.
مسرحية الأسرى
وفي بند الأسرى، فقد حققت الميليشيات العديد من المكاسب منها، أنه تم إطلاق سراح 163 أسيرا من قبل السعودية، عمدت الميليشيات على رفض استقبالهم واتهمت السعودية بأنها زورت في أسماء الأسرى، أي أنها دمرت المبادرة السعودية، بحجة أنها أطلقت يمنيين تم اعتقالهم بسبب مخالفتهم الإقامة بالمملكة، رغم أن العملية أشرفت عليها الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.
كما حاولت إنكار أسراها لتبرير إعلانات بوفاة العديد منهم سابقا، وقامت بتزويج نساء أسرى قالت إنهم توفوا في المعارك، اتضح أنهم أحياء ضمن الأسرى المطلق سراحهم، وهكذا تنصلت عن التزاماتها أمام الأسر والأهالي في مناطق سيطرتها، إلى جانب أنها ستطالب التحالف والحكومة مستقبلا بأسماء أسراها ممن تم إطلاق سراحهم وبذلك تكون لديها حجة لعرقلة أي عملية تسوية بهذا الملف.
بند الطرق.. حجر الزاوية
وفيما يتعلق بتنفيذ بند فتح الطرق والمعابر أمام تنقل المدنيين والبضائع والسلع، وهي أكثر البنود إنسانية في الهدنة التي منطقها ومنطلقها إنساني بحت، حيث أنكرت الميليشيات على لسان ناطقها ورئيس وفدها المفاوض محمد عبدالسلام، أنها وافقت على هذا البند عند عرض بنود الهدنة عليها قبل إطلاقها في مطلع أبريل الماضي.
وقال عبدالسلام، في تغريدة على تويتر، “إن بنود الهدنة واضحة ولا لبس فيها، تنص على وقف العمليات العسكرية، وفتح ميناء الحديدة لعدد معين من السفن، وفتح مطار صنعاء لرحلتين أسبوعيا وإلى وجهتين الأردن ومصر.
وأضاف: “من يختلق أي شروط أخرى فهو من يعرقل تنفيذ الهدنة، ويفترض بما هو إنساني التعامل معه دون أي تسييس”.
ورغم ذلك التصريح المستفز والواضح بأن الجماعة تنصلت عن تنفيذ هذا البند بشكل صريح، فإن القيادي في الميليشيات وعضو ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي وضع ثلاثة شروط لتنفيذ فتح الطرق.
وأشار في تغريدة له على تويتر، أنه يتوجب، إنهاء القتال، ورفع المواقع العسكرية من الجانبين، ومن بعدها فتح الطرقات من الجانبين.
شروط تعجيزية أخرى
وفي هذا الصدد، كشفت مصادر مطلعة ومقربة من الحوثيين، عن شروط أخرى تعتبر تعجيزية بالنسبة لتنفيذ بند فتح الطرق والمعابر في جميع المناطق اليمنية، منها، أن تكون الطرق التي سيتم فتحها تحت إشراف عناصرها، من خلال وضع نقاط تفتيش فيها، وأن تقتصر عملية التنقل فيها على العائلات والحالات الإنسانية، وأن تكون عملية التنقل خلال فترة زمنية معينة في اليوم، نهارا، فيما يتم فرض ضرائب على أي بضائع ستنقل عبرها لصالح الحوثيين، الأمر الذي لن يتم القبول به من الجانب الرسمي، حسب توقع المصادر.
لكن وما هو معروف عن الميليشيات وبات واقعا لدى الجميع داخل اليمن وخارجه، بأن الحوثيين لم يلتزموا بأي اتفاق منذ حروب صعدة، في حين تنفذ الحكومات اليمنية كل التزاماتها، لذا لا يتوقع أن تنفذ الميليشيات اتفاقا لا يخدم مصلحتها أولا، فهي لا تهتم بأي التزام تجاه الشعب اليمني.
وأوضحت المصادر، أن المليشيات تريد مساواة معابر وطرق المدن اليمنية المغلقة من قبل عناصرها، بما تم فرضه عليها من شروط بالنسبة لإعادة الملاحة لمطار صنعاء الدولي، مشيرة إلى أن الحوثيين اشترطوا تقييد حرية الحركة في الطرق والمعابر خاصة تلك التي تتجه إلى تعز، كما تم تقييد حركة الملاحة في مطار صنعاء برحلتين إلى مصر والأردن، وللحالات الإنسانية.
حراك مقيد بالتخادم
وفي حين كان متوقعا أن تشهد الأيام التي تلت فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، حراكا شعبيا واسعا من أبناء المحافظات المحاصرة، خاصة تعز، للمطالبة والضغط على المجتمع الدولي بما فيها الأمم المتحدة لإجبار الحوثيين على تنفيذ بند فتح الطرق والمعابر، شهدت تلك المناطق حراكا لأشخاص وناشطين لا يتجاوز عددهم المائة من أمام معابر تعز.
وسجل الحراك في مواقع التواصل، حضورا أكبر من الحضور على الأرض في تعز وغيرها، حيث كان متوقعا أن تشهد تعز مظاهرات ووقفات واعتصامات كما هو مشهود لأبنائها خروجهم في “مناسبة وبدون مناسبة” في مثل تلك التظاهرات.
وأرجع العديد من المراقبين عدم تسجيل أي احتجاجات واسعة في هذا الإطار من أبناء تعز، بأنها مقيدة بالمصالح والتخادم بين الحوثيين وحزب الإصلاح المسيطر على المشهد في تعز، حيث توجد مصالح بين الجانبين بالنسبة لإغلاق المنافذ والطرق في المحافظة، فضلا عن التخادم المشترك بين الجماعتين الإرهابيتين بالنسبة لمحاربة الحكومة الرسمية والتحالف تنفيذا لأجندة خارجية.
الجانب الحكومي
وفي هذا الإطار ظل الجانب الحكومي المطالب الوحيد من المجتمع الدولي للضغط على الميليشيات تنفيذ بند فتح الطرق والمعابر وفك الحصار عن تعز، حيث قال وزير الإعلام معمر الارياني، إن الميليشيات تواصل وضع العراقيل والعوائق أمام تنفيذ بنود الهدنة، واختلاق الأعذار للتنصل من التزاماتها في رفع الحصار عن تعز.
وطالب الإيراني في تصريح صحفي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوث الأممي بالضغط على الميليشيات، لتنفيذ بنود الهدنة، ووقف خروقاتها في مختلف جبهات القتال، ورفع الحصار بشكل فوري وغير مشروط عن مدينة تعز.
من جانبه، أكد وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، أن الميليشيات الحوثية ما زالت حتى اليوم تماطل في تنفيذ ما يخصها من التزامات الهدنة وخاصة تلك المتعلقة برفع الحصار عن مدينة تعز، وتسهيل تنقل المدنيين والتخفيف من الأزمة الإنسانية في المحافظة المحاصرة لأكثر من سبع سنوات.
ودعا خلال لقائه نظيره الأمريكي انتوني بلينكن، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى القيام بواجبهم تجاه المدنيين المحاصرين في مدينة تعز والضغط على المليشيات الحوثية لفتح معابر المدينة.
وأكد ابن مبارك أهمية الاستفادة والبناء على ما قد تحقق والعمل على عدم إفشال الهدنة.. محذراً مما سيحمله ذلك من عودة إلى مربع الصراع مرة أخرى وهو الأمر الذي ستتحمل مسؤوليته الميليشيات الحوثية.
تحركات دولية
من جانبه أكد وزير الخارجية الامريكي، التزام بلاده العمل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، والعمل على تخفيف المعاناة الإنسانية على كل اليمنيين..
من جانبه قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “هانس غرندبيرغ”، إن اليمن لا يحتمل العودة إلى التصعيد العسكري والجمود السياسي اللذين كانا سائدين قبل إعلان الهدنة الإنسانية مطلع أبريل الماضي.
وافاد خلال مشاركته في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام “ستيفان دوجاريك”، عقب جلسة مجلس الأمن المغلقة بشأن اليمن، الثلاثاء، مؤكدا استمرار العمل مع الأطراف والتحاور معهم لتخطي التحديات القائمة وضمان تمديد الهدنة المقرر انتهاؤها بعد أسبوعين.
وأكد جرندبيرج أن الهدنة الإنسانية “التي تتكون من مجموعة إجراءات مؤقتة واستثنائية تمثل لحظة تاريخية بحد ذاتها”، مستدركاً لكنها “تحتاج أن تدعّم بعملية سياسية تساعد على استمراريتها”.
وتطرق إلى الالتزام بعقد اجتماع ثنائي حول فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى، وقال إن “الحكومة قد حددت مسؤولين للتواصل من جهتها لحضور اجتماع ترعاه الأمم المتحدة حسب بنود الهدنة”، في الأردن، ونحن ننتظر من الحوثيين تعيين ممثليهم في الاجتماع المرتقب.
وكانت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، دعت الأطراف اليمنية لاستكمال تنفيذ بنود الهدنة الأممية، بما فيها فتح الطرق والمعابر خاصة في تعز، وأكدت دعمها لجهود الأمم المتحدة الهادفة لاستمرار الهدنة والانتقال نحول السلام الشامل في اليمن.
أخيرا.. يجب أن تتصاعد الاحتجاجات والدعوات في الداخل اليمني، للمطالبة بفتح الطرق والمعابر، في تعز، ومنفذ “حرض” البري الرابط بين اليمن والسعودية في محافظة حجة، وطريق صنعاء مأرب، وعقبة ثرة في البيضاء، والضالع، وشمال لحج، وغيرها من المناطق التي تعيق حركة المدنيين بحرية، دون قيد أو شرط.. باعتبار ذلك مطلبا إنسانيا.