محمد علي محسن
بالروح بالدم نفديك يا زعيم ، نفديك يا شرق ، نفديك يا غرب .. ثورة ثورة يا شمال ، ثورة ثورة يا جنوب ، الشعب يريد اسقاط النظام ، لا جمهورية ولا حزبية ولا ديمقراطية ولا حكومة بعد اليوم ، وهكذا دواليك من الهتافات الجمعية .
هذه هي سيكولوجية الجماهير ، وفق توصيف الفيلسوف الفرنسي ‘ غوستاف لو بين ‘ في مؤلفه ” سيكولوجية الجماهير ” .
وبكلمة مقتضبة البشر يتصرفون بحسب منطق ” لو بين ” بلا شعور وبجموح عدواني ، فيكفي أن تكون فردًا في القطيع ، ستجد ذاتك منساقًا ضمن الجموع ، وبهم ومعهم تفعل أشياء مجنونة غير واعية وغير مألوفة لك .
فماذا يعني أن تلهج وبحماسة زائدة لأجل حاكم فاسد أو مستبد ؟ وماذا يعني أن تنذر دمك ومهجتك لأجل وطنك وفي ملعب كرة أو ساحة عامة وليس في جبهة قتال ؟ فكيف إذا ما كان الهتاف هنا موجهًا لجهة جغرافية كي تثور وتحقق فعلًا بشريًا ؟.
وإذا كان العالم يدين الفضل للطبيب النفسي العبقري ” ادموند فرويد “الذي يحسب له تحليل النفس البشرية للفرد وإبراز أثرها وخطرها على السلوك الجمعي ؛ فإن عالمنا ينبغي أن لا يغفل الفيلسوف الفرنسي لو بين .
فبفضل اكتشافه العبقري صرنا نعي ونفهم كيف أن إعتلال النفس الواحدة أقل خطر وضرر من اعتلال النفس الجمعية ، فحالة الفرد وأيًا كان جنونها أو تصرفها يبقى أثرها محدودًا وفي نطاق ضيق .
أما إذا ما أصيب مجتمع ما بأزمة نفسية جمعية فإن النتائج تكون كارثية ومأساوية ؛ فلم يكن ادولف هتلر ، موسوليني ، بينو شيه ، بول بوت ، ستالين ، بشار ، القذافي ، عبد الملك الحوثي والقائمة طويلة ؛ سوى تعبيرًا صارخًا لتلك الانفعالات والرغبات الجامحة في أعماق الجماعات الإنسانية المحيطة بالفرد .
وهذه مجرد نماذج لحالات إعتلال نفسية عانت منها المجتمعات في لحظات إنكسارها ، والتاريخ الإنساني زاخر بمثل هذه الإرتكاسات الجمعية التي تكون نتائجها وخيمة وكارثية على مجمل الحياة والبشر .