كريتر نت – الشرق الأوسط
على وقع سلسلة لا حصر لها من سياسات القمع والتجويع التي يكابدها ملايين اليمنيين بفعل الانقلاب الحوثي، كشفت مصادر يمنية مطلعة عن تصاعد ملحوظ في معدل حالات الانتحار في أوساط السكان من مختلف الأعمار في عدد من المدن الواقعة تحت سيطرة الميليشيات.
وفي الوقت الذي عبرت فيه المصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن قلقها البالغ حيال ذلك التزايد في أعداد المنتحرين بمناطق سيطرة الحوثيين، ربط ناشطون حقوقيون يمنيون بين ذلك وبين مواصلة الجماعة ارتكاب مزيد من الانتهاكات وجرائم البطش والقتل والإفقار والتجويع والابتزاز.
ويقول أحمد وهو ناشط حقوقي في صنعاء اكتفى بذكر اسمه الأول لـ«الشرق الأوسط» إن «من لم يمت تحت التعذيب بمعتقلات وأقبية الجماعة أو برصاصات مسلحيها وألغامها وصواريخها ومسيراتها المفخخة سيموت قهراً وغبناً وحزناً وانتحاراً من بطشها وجورها وفسادها وعبثها».
ويشير إلى أن مدناً عدة تحت سيطرة الانقلابيين منها إب وعمران والحديدة وصنعاء العاصمة وغيرها، شهدت خلال الأشهر والأسابيع القليلة المنصرمة تسجيل العشرات من حالات الانتحار في أوساط المدنيين من مختلف الأعمار.
ويرى أحمد أن كثيراً من الحالات المسجلة ناتجة عن تدهور الأوضاع المعيشية والقمع والتنكيل وفرض الجماعة الإتاوات على السكان في ظل معاناتهم المتكررة وانعدام فرص العمل أمام الآلاف منهم بمن فيهم الذين فقدوا رواتبهم والكثير من حقوقهم.
وفي جريمة مروعة هزت هذا الأسبوع محافظة عمران الواقعة تحت سيطرة الجماعة، أقدم شخص يدعى يوسف أحمد عرار من أبناء السكيبات في مديرية عذر بعمران على الانتحار بإطلاق الرصاص من سلاحه على نفسه، وذلك عقب ارتكابه جريمة قتل بحق زوجته وابنته وإصابة والده بجروح، بحسب مصادر محلية.
وبينت المصادر أن المنتحر كان قد أصيب مؤخراً بحالة نفسية بسبب تردي وضعه المعيشي وانعدام مصدر الدخل لديه وعجزه عن إعالة أفراد أسرته، ولفتت إلى أن تلك الجريمة تعد الخامسة التي تشهدها المحافظة خلال أسبوع.
وسبق تلك الجريمة بيوم تسجيل حادثة انتحار مماثلة تمثلت بقيام طفل من مديرية ريدة في عمران بشنق نفسه على عمود خشبي حتى الموت في محل تجاري واقع بسوق الليل.
وفي حين لم يتم الكشف عن دوافع تلك الحادثة، فقد سبق الواقعة الأولى حادثة أخرى مشابهة كانت قد شهدتها محافظة الحديدة الواقعة تحت سيطرة الميليشيات قبل أشهر قليلة، وتمثلت بانتحار شخص يدعى محمد حسين (25 عاماً) بإطلاق النار على نفسه، وذلك بعد ساعات من قتله أفراد أسرته في مديرية باجل بنفس المحافظة.
وبالانتقال إلى محافظة إب التي تصدرت – وفق مصادر وناشطين – قائمة المدن تحت سيطرة الجماعة من حيث تسجيل أعداد المنتحرين فيها طيلة الفترة الماضية، كشف مصدر محلي في إب عن تسجيل المحافظة هذا الأسبوع حالة انتحار جديدة لطفل يدعى أحمد عبد العليم قاسم، عبر شنق نفسه داخل غرفته في منزلهم الكائن بقرية الحمادي بعزلة مذيخرة غرب المحافظة.
وتوالياً لما تشهده المحافظة من تزايد ملحوظ في حالات الانتحار، فقد سجلت إب مطلع الشهر الجاري حادثتي انتحار منفصلتين في يوم واحد وكان الضحية شابين من نفس المحافظة.
وأفاد مصادر محلية بأن شاباً يقطن مديرية الظهار (مركز المحافظة) أقدم على الانتحار بسبب تراكم ديونه وتدهور أوضاعه المعيشية، كما أقدم الشاب الآخر وهو من أبناء عزلة السيف بمديرية ذي السفال (جنوب إب) على الانتحار شنقاً نتيجة ظروفه المادية الحرجة.
ويأتي تصاعد جرائم الانتحار في أوساط الشباب في المحافظة ذات الكثافة السكانية العالية متزامناً مع ما تشهده في الوقت الحالي من انفلات وفوضى أمنية عارمة.
وكانت منظمة «رايتس رادار» لحقوق الإنسان قد طالبت بوقت سابق بضرورة فتح تحقيق جاد للكشف عن ملابسات تزايد حالات الانتحار في إب.
وأشارت المنظمة في تغريدة على «تويتر» إلى تسجيل نحو سبع حالات انتحار بمناطق متفرقة من المحافظة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وكان مواطنون من مديرية حزم العدين (غرب إب) قد عثروا في الثامن من الشهر الحالي على جثة الشاب عبد الرقيب الفلاحي (29 عاماً) بعد إقدامه على الانتحار برمي نفسه من شاهق بعزلة بني سعد في ذات المديرية.
وكانت الميليشيات الحوثية قد اعترفت في تقرير سابق صادر عن الأجهزة الخاضعة لها بصنعاء بتسجيل نحو 340 حادثة انتحار من مختلف الأعمار في 10 مدن تحت سيطرتها خلال عام 2020، في وقت قدر فيه مراقبون أن العدد الحقيقي للمنتحرين يفوق ما ذكرته تقارير الميليشيات، خصوصاً في العاصمة صنعاء ومحافظة إب اللتين تتصدران سنوياً قوائم حالات المنتحرين.
ويشير أغلب المراقبين في مناطق سيطرة الجماعة إلى أن الممارسات القمعية والاضطهاد الذي تنتهجه الميليشيات هو السبب الأول لانتشار الانتحار في أوساط سكان المناطق الخاضعة للانقلاب.
ويعتقد حقوقيون يمنيون، أن تزايد حوادث الانتحار نتيجة طبيعية للعنف والفقر وسوء المعاملة والفساد الإداري من قبل الميليشيات، حيث يشعر السكان في مناطق سيطرة الجماعة بفقدان الأمل والعزلة والتمييز والعنصرية.
وحمل الناشطون والحقوقيون الميليشيات مسؤولية تدهور الوضع المعيشي بسبب تفشي البطالة وانقطاع الرواتب والنهب الممنهج، وهي الأمور التي زادت من حجم الضغوط والالتزامات المعيشية في الوقت الذي يتنعم فيه قادة الحوثي بالمزيد من الأموال والعقارات. وتحدث باحثون اجتماعيون بوقت سابق مع «الشرق الأوسط»، عن أن دوافع حالات الانتحار سببها الظلم الذي تمارسه جماعة الحوثي تجاه المواطنين اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً؛ إذ تعمدت الميليشيات قطع رواتب الموظفين، وهو الأمر الذي خلف مشاكل أسرية وضغوطاً اقتصادية أوجدت اختلالات نفسية.
ويؤكد الباحثون أن حالات الانتحار في مناطق سيطرة الميليشيات في تصاعد مستمر جراء الممارسات الابتزازية للجماعة التي نهبت كل مقدرات الدولة وأثقلت كاهل المواطنين بالجبايات والضرائب والتحصيلات المالية التي لا تنتهي.