كريتر نت – متابعات
قُتل 19 تلميذاً عندما أطلق شاب أميركي النار في مدرسة ابتدائية، يوم الثلاثاء، قبل أن ترديه الشرطة، في مأساة جديدة ضمن كابوس متكرر.
أغرق الهجوم على المدرسة الولايات المتحدة مجدداً في مآسي إطلاق النار، مع ما يرافق ذلك من مشاهد مروّعة لتلاميذ تحت تأثير الصدمة تعمل قوات الأمن على إجلائهم، وأهالٍ مذعورين يسألون عن مصير أبنائهم.
وقال حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، في مؤتمر صحافي، إنّ المهاجم “أطلق النار وقتل الضحايا بشكل مروّع ومجنون” في مدرسة “روب” الابتدائية في بلدة يوفالدي.
قُتل الشاب الجاني سالفادور راموس (18 سنة) في الحادث، وقال مسؤولون أمنيون إنّ الشرطة أردته. وأوضح الشرطي إريك إسترادا، عبر محطة “سي أن أن”، أنه كان يحمل بندقية على الأقل. واستهدف راموس، أميركي الجنسية، جدته أولاً، قبل أن يتوجه إلى المدرسة في سيارة لارتكاب المجزرة.
ولم تعرف بعد دوافع الهجوم الذي يُعدّ واحداً من الأكثر دموية التي تشهدها مدرسة في الولايات المتّحدة منذ سنوات، ويعيد إلى الأذهان مأساة مدرسة ساندي هوك الابتدائية في كونيتيكت، حيث قتل مختل عقلياً في العشرين من عمره 26 شخصاً، من بينهم أطفال تتراوح أعمارهم من 6 إلى 7 سنوات، قبل أن ينتحر.
وفي رثائه ضحايا المأساة، وجّه الرئيس الأميركي جو بايدن دعوة عاجلة لفرض قيود جديدة على حيازة الأسلحة النارية، وطلب البيت الأبيض تنكيس الأعلام في كل الإدارات الرسمية “تكريماً للضحايا”.
وقال بايدن في كلمة رسمية: “متى سنقف بوجه لوبي الأسلحة؟ أنا مشمئز وتعب من حوادث إطلاق النار المتكررة في المدارس”، وأضاف: “فقدان طفل يشبه اقتلاع جزء من روحك. إنه يوجِد فراغاً في صدرك. تشعر وكأنك غارق في هذا الأمر، ولا تستطيع الخروج منه”.
وتابع: “حان الوقت لتحويل هذا الألم إلى أفعال. نادراً ما تقع حوادث إطلاق النار الجماعي هذه في أي مكان آخر في العالم، وإن الدول الأخرى لديها أشخاص مشحونون بالكراهية، أو يعانون من مشاكل في الصحة العقلية، ولكن لا توجد دولة صناعية أخرى تعاني من العنف باستخدام الأسلحة النارية كما هو الحال في الولايات المتحدة”.
بدورها، ندّدت نائبة الرئيس كامالا هاريس بالمجزرة، وقالت: “كفى يعني كفى” مطالبة بـ”تحرّك” لتقييد حيازة الأسلحة النارية، ومضيفة: “قلوبنا تتحطّم بسبب تكرار إطلاق النار في المدارس. علينا أن نتحلّى بالشجاعة للتحرّك”، مناشدة الكونغرس إصدار تشريع يفرض قيوداً على بيع الأسلحة النارية وحيازتها.
ونددت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، في بيان، بهذا “العمل المقيت الذي سلب مستقبل أطفال أحباء. ما من كلام يصف الألم أمام هذه المجزرة التي ارتكبت بدم بارد، وذهب ضحيتها تلاميذ صغار ومدرس”.
ودعا السناتور الديمقراطي عن الولاية، كريس مورفي، زملاءه إلى التحرك، مؤكداً أنه “يمكن تجنب هذه المآسي”، وأن “هذه الحوادث تقع فقط في هذا البلد، وليس في أي مكان آخر. ما من بلد آخر يفكر فيه الأطفال عندما يتوجهون إلى المدرسة أنهم قد يتعرضون لإطلاق النار”.
وأظهرت مقاطع فيديو عرضت عبر وسائل التواصل أطفالاً يجري إجلاؤهم على عجل، وهم يركضون ضمن مجموعات صغيرة إلى حافلات مدرسية.
في السنوات الأخيرة، صُدمت الولايات المتحدة بعملية إطلاق نار وقعت داخل مدرسة ثانوية في باركلاند في ولاية فلوريدا، في عام 2018، حين قُتل 17 شخصاً غالبيتهم من المراهقين برصاص طالب سابق.
وتثير عملية إطلاق النار الجديدة صدمة مضاعفة، كون الضحايا من الأطفال، كما تجدد الانتقادات للانتشار الواسع لحيازة الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، مع غياب الأمل في إقرار الكونغرس لقانون طموح يهدف إلى تقييدها. وتشهد الولايات المتحدة عمليات إطلاق نار شبه يومية في الأماكن العامة، وتسجّل المدن الكبرى ارتفاعاً لمعدل الجرائم التي ترتكب بواسطة أسلحة نارية منذ بدء جائحة كورونا.
ملايين من قطع الأسلحة تباع سنويا في الولايات المتحدة
وأظهر تقرير نشرته وزارة العدل الأميركية في 17 مايو/ أيار الجاري، أنّ شركات تصنيع الأسلحة النارية في الولايات المتّحدة أنتجت خلال السنوات العشرين الماضية أكثر من 139 مليون قطعة سلاح ناري مخصّصة للبيع للأفراد، من بينها 11.3 مليون قطعة أنتجت خلال سنة 2020.
وأضاف التقرير أنّه في الفترة نفسها، استوردت الولايات المتحدة 71 مليون قطعة سلاح ناري، في حين صدّرت 7.5 ملايين قطعة فقط، في أرقام تعكس الكمّ الهائل للأسلحة النارية المتوفّرة في البلاد، والذي يساهم في تصاعد أعمال العنف المسلّح، وجرائم القتل، والانتحار. وأظهر أنّه إذا كان الأميركيون يفضّلون الأسلحة نصف الآلية، وهو النوع الذي استُخدم في تنفيذ العديد من جرائم إطلاق النار الجماعية، فإنّ الغالبية العظمى منهم اشترت مسدسات نصف أوتوماتيكية، وهو سلاح زهيد الثمن سهل الاستخدام، ويشبه الأسلحة التي تستخدمها الشرطة.
وتواجه السلطات الأميركية زيادة في الأسلحة “الشبحية”، وهي مسدسات أو بنادق تباع مفكّكة، ويمكن صنعها في المنزل مقابل بضع مئات من الدولارات، كما يمكن شراء أجزائها عبر الإنترنت، أو إنتاجها بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد. وخلافاً للأسلحة النارية التي تنتجها مصانع السلاح، فإنّ الأسلحة الشبحية لا تحمل أرقاماً تسلسلية، الأمر الذي يجعل تقفّيها مهمة شبه مستحيلة، كما أنّ بيعها وشراءها لا يحتاجان إلى ترخيص، وبالتالي لا يخضع مشتروها للقيود المفروضة على مشتري الأسلحة التقليدية، مثل صحيفة السوابق، والأهلية العقلية والنفسية.
وفي عام 2021، بلغ عدد “الأسلحة الشبحية” التي صادرتها الشرطة 19344 قطعة سلاح، مقابل 1758 قطعة فقط في 2016.
عام 2008، أقرت المحكمة العليا أن التعديل الثاني للدستور يحمي حقوق الأميركيين في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها، لكنها اعترفت أيضاً بأن فرض شروط على بيع الأسلحة يمكن أن يكون متماشياً مع التعديل الدستوري.
وعرض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، على الكونغرس، في عام 2016، إجراءات لتشديد القيود على حمل الأسلحة النارية، بيد أنّه وُوجه بمعارضة قوية من قبل لوبي تجارة الأسلحة.
وفي عام 2019، عبّر الرئيس السابق دونالد ترامب عن دعم غير مشروط للجمعية الوطنية للأسلحة النارية (إن آر إيه)، واعداً بحماية حق الأميركيين في حمل السلاح، وكانت الجمعية أحد المساهمين في تمويل حملته الانتخابية بنحو 30 مليون دولار.