كتب / د محمد محسن عسكر
رحل الرجل الحر الشجاع الأبي ،تاركاً فينا روحاً نقية طاهرة تأبى الرحيل ، وغصة وحرقة ستظل ذكراها محفورة في صميم الوتين .. اللواء محمد صالح عبد الكريم طماح ، أعده من القيادات العسكرية والكفاحية التي فرضت ذاتها بقوة ، كما وعاشت حياة البساطة والتواضع فأستحقت محبة الناس . لقد عرفته مناضلا ً جسوراً إبان انطلاقة الحراك الجنوبي قبل عقد ونيف ، وخلال هذه السنوات زادت علاقتي به كقائد سياسي وعسكري يشار له بالبنان ، كما ووجدته شخصاً استثنائياً عركته الحياة ، وانضجته المعاناة ، واضفت عليه المعرفة الإنسانية اشياء لا تقدر بثمن . ولأن الناس أحبته ، فهو الآن هناك عند ملك مقتدر ، ينعم برفقة الانبياء والشهداء والصادقين .
احبه الله ، فرفعه عالياً وبعيداً عنا نحن محبوه وصحبه ورفاقه ممن عرفوه رجلاً ذو عزيمة لا تقهر ومروءة لا تنضب . فمحمد طماح رحمة الله عليه من هذا الصنف النادر ، الذي لا تعثر عليه بغير ايام الشدائد ، لكأنما هو خليقة لكبرياء وشموخ جبال يافع الشاهقة . ففي الخطوب العظيمة تظهر معادن الخلق ، وطماح تجلى معدنه الاصيل في الأخطار العظيمة التي مرت بهذه البلاد ، فلم يكل أو يسأم ومهما كانت الظروف والمحن قاهرة وقاسية . فالرجل القوي يعمل ، والرجل الضعيف يتمنَّى ، وهذه الحكمة اجدها خير تجسيد لنضال وكفاح اللواء طماح الذي لم تنل منه النوازل ، أو تهزه الملمات ، أو تقهره الاهوال ، فلقد ظل قوياً شامخاً ، ديدنه الفعل والتأثير والبذل وحيثما كان ووجد ..
حتماً ، لن ارثيك يا صديقي النبيل ؛ لأنك حي فينا ، فان رحلت عنا سيبقي وجهك لا يفارقنا للحظة ، وستبقي شهامتك ونبلك فينا الى ان يشاء الله . فالابطال يموتون واقفين دائماً ، واحسبك من هؤلاء الرجال الصناديد ، فروحك الطيبة المرحة تسكننا ، ونضالك سيبقي حاضراً فينا ، كما وروحك الطيبة الأصيلة ستظل مسكونة في ذاكرتنا وحياتنا ونضالنا لأجل وطن تسوده العدالة والكرامة والحرية .
ومثلما قيل بأن اشرف الموت هو موت الشهداء ، فأول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس وفق قولة شهيرة .. نعم ، شاءت الأقدار لأن انعيك اليوم ، رغم انك حياً في ضمائرنا ، وسيرتك عطرة تكلل هامتنا واين ذهبنا وحللنا ، فسحقاً لأولئك القتلة الجبناء ، فحين عجزوا عن النيل منك ، كانت اداتهم خسيسة غادرة ، وكان فعلهم دنيئاً حقيراً .. ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل احياء عند ربهم يرزقون ” .