كريتر نت – سوث24 | رعد الريمي
منذ 2014، توقفت شركة مصافي عدن (أكبر منشآت تكرير النفط في البلاد) عن العمل بصورة تامة. ومنذ ذلك العام، لم تعد الشركة للعمل رغم الوعود الحكومية بإعادة التشغيل وسط اتهامات بالفساد وتعمد تعطيل المنشأة، والاتهامات المتبادلة بين الحكومة وإدارات المصافي المتعاقبة.
رئيس مجلس اللجان النقابية للشركة، غسان جواد، قال لـ «سوث24»: “ما تعانيه المصافي شكل مصغر مما يجري في الدولة. إنَّ ذلك انعكاس لانعدام الإرادة السياسية في عودة الدور الريادي لمصافي عدن”.
وأضاف: “للمصافي مستحقات مالية عند الدولة وعند تجار الوقود الذين ليس من مصلحتهم عودة نشاط المصافي، حيث يستعملون خزانات المصافي لخزن الوقود الخاص بهم”. وبالنسبة لجواد، فإنَّ “قرار تشغيل محطة الطاقة للمصافي مرهون بتفاهمات سياسية”.
وتابع: “إقرار تشغيل محطة مصافي عدن تم من قبل الدولة قبل إقرار إنشاء محطة بترومسيلة للكهرباء؛ أنجزت محطة بترومسيلة اليوم بقدرة توليدية تجاوز 260 ميجاوات، بينما محطة طاقة المصفاة التي تبلغ قدرتها 15 ميجاوات لم يتم تشغيلها حتَّى الآن”.
المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن المُعين مؤخرا، أحمد مسعد سعيد، أقَّر لـ «سوث24» بوجود اختلالات مالية. وقال سعيد: “توجد مديونية ضخمة عند الدولة. مجمل هذه المديونية تُقدر تقريبا بـ 125 مليون دولار عند الحكومة فقط، بخلاف مديونية القطاع الخاص”.
وحمَّل سعيد وزارة المالية عرقلة تحصيل مديونية المصفاة.
وأضاف: “إن تعثر تحصيل تلك المديونية ليست عند الحكومة ككل، وإنما عند وزارة المالية. الحكومة داعمة لنا ممثلة برئاسة الوزراء ووزارة النفط. هم يدعمون عودة عمل المصفاة، لكنَّ التعثر يحدث في أروقة وزارة المالية. الجانب المالي يمثَّل أبرز مشاكل المصفاة اليوم”.
معضلات فنية
بدوره أرجع مدير مصافي عدن أسباب تأخر إعادة تشغيل المصفاة إلى “عدة عوامل، أهمها أسباب فنية تتعلق بمحطة كهرباء المصافي”. وأوضح سعيد: “المحطة لا تنتج كهرباء فقط، لو كان الأمر كذلك فقط لعمدنا إلى طلب عدد من الميجاوات من المحطة الكهرو حرارية بالبريقة وانتهى الأمر”.
وأضاف: “المحطة بحاجة إلى كميات كبيرة من بخار الماء، وكميات كبيرة من الضغط تصل إلى 600 رطل بالأنابيب التي تمتد إلى كل الوحدات. عقب ذلك، يتم تبريد كل المحددات بكميات من الماء تصل إلى مليون ومائتين جالون بالساعة، وهو الذي حتم علينا القيام بأعمال ثانوية مثل إنشاء جسر للسماح بوصول مياه البحر إلى موقع المحطة كون كل السخانات تغلي الخام وتخرج المواد بعد عملية الفصل لها بدرجة عالية من السخونة”.
وتابع: “لو عادت هذه المنتجات ذات السخونة العالية إلى الخزان لاحترقت الخزانات، ولذا لجأنا إلى بناء جسر دولي بلغت تكلفته أكثر من سبعة ملايين دولار، ودون هذا الجسر لن تصل المياه لتشغيل المصافي. المصافي قامت بأدوار هي من أدوار الدولة نظير ذلك بناء هذا الجسر”.
ولفت إلى إنَّه “تمت التوصية من قبل الخبراء بضرورة استبدال محطة كهرباء المصافي التي أنشأت في 1982 أكثر من مرة في عامي 1990 و2000”.
“بسبب التعثر المالي، عملنا على الاستبدال الجزئي وكان ذلك في عام 2014″، قال سعيد، وأضاف: “بدأ ذلك على يد فريق صيني، غير أنَّ الأمر فشل وثبت ذلك عمليا حينما تسلمنا منحة وقود خام لتكريرها في عام 2017، وكانت النتيجة أنَّه في كل عملية تكرير تتفاقم المشاكل الفنية في محطة الكهرباء وتتوقف وحدة التبريد، الأمر الذي ترتفع معه احتمالية حدوث حرائق ضخمة”.
بالإضافة لذلك، قال سعيد إنَّ “المشاكل الأمنية التي عاشتها عدن تسببت بمغادرة الفريق الصيني أكثر من مرة إلى دولة جيبوتي المجاورة”.
نقص الكادر
إلى جانب محطة الطاقة، تعاني مصافي عدن من مشكلة أخرى لا تقل أهمية، وهي نقص أو انعدام الكادر الفني المتخصص في المصفاة، وفقاً للمدير العام للمصافي.
وبحسب نقابة عمال شركة المصافي، فإن “ما نسبته 90% من مديري الإدارات الفنية في المصفاة هم من متقاعدي المصافي”. وتحصَّل سوث24 على كشف بالمرتبات التي يتقاضاها بعض هؤلاء العاملين.
وحول ذلك، قال مدير المصافي: “هذه تعتبر كارثة حقيقية سببها أنَّه عقب حرب 1994 توقف التوظيف بشكل شبه كامل للخريجين والمهندسين في المصافي. لقد رافق ذلك إشكالات تمثلت بوجود تعيينات لأشخاص غير مؤهلين ولا يحملون شهادات. جاءت هذه التعيينات عن طريق المجاملة والمحاباة”.
وأضاف: “معظم الإدارات للصف الأول والثاني والثالث في المصافي لا توجد لهم بدائل، هذه كارثة حقيقية. سبب كل هذا أنَّه تم إيقاف توظيف المؤهلين لفتر طويلة، والأمر مستمر إلى اليوم”. ووفقاً له، دفع هذا قيادة المصافي إلى “الاستعانة بالكوادر البالغة الأجلين والمتقاعدين”.
إهمال
ووفقا لمدير شركة المصافي فقد “تمَّ إهمال المصفاة ونسيانها من قبل الحكومات مرتين، أولها عقب حرب 1994 والثانية عقب حرب عام 2015. المصفاة زودت المعدات العسكرية التي حررت عدن في الحرب الأخيرة بالوقود، واليوم يجب إنصافها ورد الجميل”.
وتابع: “من مظاهر الإهمال الذي تعرضت له مصفاة عدن هو رفض الحكومات السابقة دراسات تهتم بتحديث المصفاة. كان العمل بهذه الدراسات كفيلاً بالارتقاء بالمصفاة إلى مصاف عالمية وتكرير النفط بطرق حديثة”.
وطبقاً له، قدمت شركة صينية دراسة وعرضاً لتطوير مصفاة عدن تحصل بموجبه على بعض منتجات المصفاة، لكن كل هذا قوبل برفض حكومي.
وتابع: “واليوم تتم إعادة هذا العرض السخي مجددا على الحكومة وهي في انتظار موافقة الحكومة ولن تعمل الشركات هذه إلا بموافقة الدولة خاصة وأنَّ الجدوى الاقتصادية من الدراسة مضمونة وآمنة “.
تحديث أم خصخصة؟
وعن الخطط لتطوير وتحديث عمل المصفاة، قال المدير العام للشركة: “طموحنا أن تتم عملية التحديث على عدة مراحل؛ وكل ذلك يتم بصحبة الدكتور محمد حسن وهو مستشار وزير النفط ومدير التحديث للمصفاة بعدن. نعمل على عرض هذه الرؤية على الحكومة ورئيس الوزراء والانتقالي على أن يتم بمشاركة الشركات الأجنبية مع إضافة ومنح القطاع الخاص مساحة في عملية التحديث تتمثل في ملحقات للمصفاة ومصانع للبترول”.
ورداً على سؤال سوث24 حول ما إذا كانت هذه خطوات نحو خصخصة المصفاة، قال: “ننفي ذلك جملة وتفصيلا. العمل مع القطاع الخاص في مصافي عدن سيكون بعملية تشاركية وأثر ذلك لن يلمسه فقط إدارة وموظفي مصافي عدن وإنما حتى المواطنين”.
وأضاف: “إذا اشتغلت المصفاة وعادت إلى موقعها الريادي سوف يتوفر الوقود، ولن يعاني المواطن من انقطاع الكهرباء. بالإضافة إلى ما تعكسه العملية برمتها من تحسن على أسعار الوقود كونه سوف يُكرر من خام البلد، ولا يشترى، وستتحكم به الدولة وليس التجار”.
فساد وضغوط
واتهم رئيس نقابة مصافي عدن الإدارات المتعاقبة على المصافي بممارسة “الفساد بكل أشكاله”. واستعرض مع سوث24 وثيقة تثبت سعي إدارة سابقة لمصافي عدن لتخفيض مستحقات مالية واجبة على شركة خاصة نظير رافعات وآلات خاصة بالمصافي قامت هذه الشركة بتأجيرها”.
وكانت وكالة سبأ الرسمية قد نشرت في 2016 خبراُ يفيد بتوجيه رئيس الوزراء السابق، أحمد بن دغر، إدارة شركة المصافي بمنع بيع أصول مصافي عدن دون علم الحكومة. ونقلت الوكالة على لسان بن دغر أن الحكومة لم يكن لديها علم بعمليات البيع هذه. [1]
وتحصل سوث24 على خطاب من نقابة عمال مصافي عدن في ديسمبر 2020 موجهة “إلى من يهمه الأمر” حول بيع أصول مصفاة عدن، والعديد من حالات الفساد.
لكن مدير المصافي قال إنَّه “لا وجود للفساد بالشكل الذي تدعيه نقابة المصافي”. وأضاف: “الفساد كلمة عمومية يرمونها على الجميع وكل اتهام بفساد يتحتم تجاهه وجود لجان تقص”. ومع ذلك، أقر المدير أيضاً بوجود “ضغوطات سياسية تقتضي بتخفيض سعر التخزين لتجار معينين، وضغوط بمنح مديونيات لتجار معينين، على أن تسدد لاحقاً”.
وأضاف: “غير أن ذلك لا يتم البتة. هي أمور أكبر من قدرتنا على الرفض”.
تجدر الإشارة إلى أنّ المصفاة في عدن أستكمل بنائها عام 1954 من قبل «شركة الزيت البريطانية» بي بي (BP) بطاقة 170 ألف برميل / اليوم (8.5) مليون طن متري سنوياً، آلت ملكيتها إلى الدولة عام 1977، وجرى تشغيلها لاحقا من قبل شركة مصافي عدن.
ورغم قدم المصفاة (54) عاماً فقد استمرت بالعمل بكفاءة جيدة، نظراً للصيانة المستمرة لها. قبل أن تنخفض طاقتها الإنتاجيها في تكرير حوالي (100) ألف برميل في اليوم، قبل أن تتوقف بشكل كامل مع اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن.
– تنويه: حاول مكتب سوث24 في عدن التواصل مع رئاسة الوزراء اليمنية للاستفسار حول الاتهامات التي وردت في التقرير، فتم إحالتنا إلى وزارة النفط والمعادن. تواصلنا مع وزير النفط والمعادن عبد السلام باعبود إلا أنه لم يتجاوب معنا.
رعد الريمي
صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات