د. ياسين سعيد نعمان
في موضوع رفع الحصار عن تعز ، الحوثيون يريدون أن يضعوا تعز مقابل صنعاء بفهم لا يختلف عن طبيعة علاقتهم غير المسئولة بالشأن اليمني عموماً ، وهناك من داخل الشرعية من يجاريهم بدون قصد في ذلك ، فيقول لقد أعطيناهم مطار صنعاء دون أن يرفعوا حصار تعز .
لا أيها السادة ، الحكومة الشرعية لا يجب أن يكون هذا منطقها في معالجة الأمر ، فهي سياسياً ودستورياً واخلاقياً مسئولة عن صنعاء كما هي مسئولة عن تعز ، ولا يجب التماهي مع المنطق الذي يتحدث به الحوثي ويمارسه ، يجب أن يتشكل منطق الحكومة الشرعية من واقع أنها مسئولة عن الجميع ، وأنها تحمي صنعاء وتعز من الحوثي ، وأنها لن تجلد أي منطقة من مناطق اليمن بأختها ، وأن الحوثي هو من تسبب في هذه المأساة التي مس ضرها الجميع ، وأن ليس من حقه أن يتحدث باسم صنعاء ويعاقب تعز باسمها ، وهو بذلك إنما يريد أن يغسل عبثة بهذا المنطق المشبوه ، ويمنحه مشروعية ومبررات لهذا العبث يقذف بها في وجه اليمنيين .
عمل وفد المليشيات الحوثية بكل إصرار على افشال المفاوضات الخاصة برفع الحصار عن تعز التي انتهت يوم السبت ٢٨ مايو الحالي في الاردن .
جاء من صنعاء وهو مبرمج على معادلة “تعز مقابل صنعاء” ، وأن رفع الحصار “التدريجي” عن مطار صنعاء يقابله رفع حصار تدريجي عن تعز .. ترجم ذلك بأكثر من تعبير وأكثر من صيغة أخذ يردد بعضها أثناء المفاوضات وهي أنه لن يكرر أخطاءه السابقة في المفاوضات ، بينما لا أحد يعرف أن هناك مرات سابقة قدم فيها أي مواقف جادة تدلل على أنه يريد السلام ، كل المرات السابقة التي جرى فيها التفاوض كان يمارس الابتزاز ، وكان هو المستفيد منها وأهمها الحديدة وموانئها .
وكان عندما يحاصر في النقاش ينسحب ولا يجد من يلومه أو يلقي عليه أي مسئولية .
هذه المرة عندما لم يجد ما يبرر به تعنته قام وفده بارتداء الزي العسكري في رسالة واضحة وهي اقبلوا عرضنا باستمرار الحصار وإلا فإنها الحرب .
أهمية مباحثات العاصمة “عمّان” الخاصة برقع الحصار عن تعز هي أنها تأتي ضمن جهود أممية لإنجاح الهدنة ، لا سيما وقد تم إعادة تشغيل مطار صنعاء رغم الصعوبات التي زرعتها المليشيات الحوثية بافتعال موضوع وثائق السفر ، كما تم تسهيل ادخال سفن الوقود الى موانئ الحديدة مع كل التعنت الذي تمارسه المليشيات برفضها استخدام الموارد المالية المتحققة من وراء هذا النشاط الهام لدفع رواتب الموظفين الذي نصت عليه اتفاقات الهدنة واتفاقات سابقة .
لكن المليشيات لم تلق بالاً للقيمة الحقيقية لهذه المباحثات التي يعطي نجاحها أو فشلها مؤشراً على مستقبل الهدنة التي راهن عليها العالم لخلق عملية تراكمية تفتح الباب أمام المزيد من الخطوات لتأسيس أرضية للسلام .
شخصياً قرأت تصريح المبعوث أكثر من مرة وحاولت أن أفهم منه شيئاً يدل على أن قدراً من النجاح قد تحقق حتى أجد تبريراً لتلك الصيغة الحماسية التي شملها البيان ، لكنني خلصت في نهاية المطاف على أن البيان تجنب أن يضع النقاط على الحروف فيما يخص الطرف المعرقل ، وأنه اقتنع بالتدرج الذي تمسك به الحوثيون ، في حين أن ما قدموه من عرض بشأن رفع الحصار عن تعز لا يعكس أي تدرج بأي حال من الأحوال بقدر ما أنه تكريس للحصار نحو مزيد من المعاناة .
على أي حال يدرك الحوثيون أن أوار الحرب التي أشعلوها أخذت تخبو بإجماع العالم على محاصرتها بالوضع الانساني ، وأن استحقاقات السلام ستعيد بناء معادلات على الأرض يعتقدون انهم لن يستطيعوا أن يكونوا جزءاً منها الا بالسلاح ، لكنهم يخطئون التقدير حينما لا يأخذون على محمل الجد أن اليمنيين لن يصبروا على معاناتهم طويلاً ، فقد تحركت الأمور نحو إخماد الحرب بها أو بالسلام الذي يعيد اليمن إلى مسار تكون فيه الكلمة للناس .
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”