هند سليمان
صحفية مصرية
قد لا يجد تنظيم داعش فرصة أفضل من الاستثمار في الفوضى المصاحبة للانقلابات العسكرية في بعض الدول الأفريقية للنهوض مجدداً من بوابة أفريقيا، بعد هزيمته المنكرة في منطقة الشرق الأوسط نهاية آذار (مارس) 2019.
ووفقاً لدراسة نشرها الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب على موقع مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات، فإنّ كلّ المؤشرات تؤكد أنّ أفريقيا قد تكون وجهة “داعش” القادمة بعد سقوط دولته في مدينتَي الرقة والموصل قبل (3) أعوام، خاصة مع تراجع الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب داخل هذه القارة التي أصبحت جاذبة لتنظيمات العنف والتطرف؛ ربما بسبب وضعها الجغرافي الذي يسمح بذلك، وكذلك وضعها السياسي الهش وغير المستقر، فضلاً عن وضعها الاقتصادي الذي يتسم بالضعف، وكلها أوضاع تشكّل بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة.
تنافس مع القاعدة
اضطر التنظيم الإرهابي للبحث عن معقل جديد، ولا سيّما بعد الهزائم المتتالية التي مُني بها في 2014، بالتزامن مع انسحاب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائهما من أفريقيا، ممّا جعلها “فرصة” لداعش للعودة من جديد انطلاقاً من الدول الأفريقية.
ومنذ أن خسر تنظيم داعش وجوده وتبددت أحلام قيام دولته المزعومة في العراق وسوريا، تحولت توجهاته إلى محاكاة تنظيم القاعدة ومنافسته في نشر خلاياه في العالم لخلق دولة افتراضية عبر أنصاره، حيث تقوم فكرة داعش في الأساس على مفهوم الأممية القائمة على الانتشار والتوسع، هذه الفكرة كانت حاضرة منذ إعلان التنظيم دولته في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014، وقد صارت خياراً له بعد سقوط الدولة، وفقاً للباحث في دراسته المعنونة بـ ( ولاية “داعش” وسط أفريقيا.. إشكالية الصعود وآلية المواجهة).
خلافة على أنقاض الدول
في غمرة محاولاته للعودة من جديد، يسعى تنظيم داعش إلى إقامة دولة “الخلافة” على أنقاض الدول، ولا سيّما جمهورية الكونغو الديمقراطية التي لطالما كانت معقلاً لنشاط إرهابي امتدّ إلى جيرانها في رواندا وبوروندي وأوغندا.
وفي هذا الشأن، يرى الباحث أنّ اختيار داعش لهذه المنطقة الواقعة في وسط أفريقيا يرتبط بالعديد من الأسباب؛ ومن بينها “البحث عن انتصار جديد للتنظيم وسط ركام الهزائم التي مُني بها بعد سقوط دولته ومقتل (2) من خلفائه، فالتنظيم يحتاج إلى ما يرفع من خلاله معنويات أتباعه، ولو كان ذلك بشكل رمزي، من خلال إعلان ولاية جديدة في تلك المنطقة.”
وبحسب أديب، هناك نقطتان مفصليتان كانتا وراء إعلان هذه الولاية الجديدة، وهما سقوط دولة داعش في آذار (مارس) من العام 2019، فلولا سقوط الدولة، لما أعلن التنظيم قيام هذه الولاية، فأبو بكر البغدادي تحفظ على هذا الإعلان (3) أعوام كاملة حتى تمّ في نيسان (أبريل) من عام السقوط نفسه، أمّا النقطة الثانية، فهي تنامي نشاط داعش وسط أفريقيا بعد عشرات العمليات في العاصمة الأوغندية كمبالا، وربما ارتبط ذلك بتولي الهاشمي القرشي، وكنيته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، شؤون التنظيم بعد مقتل البغدادي، وهو ما استدعاه للبحث عن انتصار جديد، فكان ذلك من خلال تنفيذ عمليات نوعية في مناطق ربما لم يدخلها التنظيم من قبل.
النشاط الإرهابي في أفريقيا
كشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، الذي أعده معهد الاقتصاديات والسلام الدولي، في نهاية آذار (مارس) الماضي، أنّ منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تمثل 48% من إجمالي الوفيات العالمية بسبب الإرهاب.
وأوضح المؤشر أنّ (4) من البلدان الـ (10) التي شهدت أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب كانت في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي: النيجر ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.
وفي 17 شباط (فبراير) أعلنت فرنسا وكندا و(27) دولة شريكة من أوروبا وأفريقيا عن التنسيق فيما بينها لنقل مواردها العسكرية – من بينها الوحدة الأساسية المكونة من (2200) جندي فرنسي – من مالي إلى دول مجاورة.
جاء الإعلان بعد أيام من طرد السفير الفرنسي في مالي، وأسابيع من الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو، وهي دولة أخرى في الساحل بقيت بعد الاستقلال في الفلك الفرنسي لفترة طويلة، لكنّها أظهرت في الأعوام الأخيرة عدم تسامح واستياء تجاه وجود باريس.
ويأتي الإعلان بعد نحو (8) أعوام من إطلاق فرنسا لعملية “سرفال” في 2013، استجابة لطلب مالي الدعم لمنع تنظيم “القاعدة” والجماعات المتحالفة معه من الاستيلاء على العاصمة باماكو.
وفي عام 2014 استُتبعت “سرفال” بـ “عملية برخان” التي كانت أهدافها أوسع نطاقاً، وتمثّلت في استهداف تنظيمي “القاعدة” و”داعش” والجماعات الإرهابية المحلية.
وفي تموز (يوليو) 2021 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ الجيش الفرنسي سيغلق قواعده في شمال مالي، وكان الدافع وراء هذا التحول هو تطور التهديد نفسه، مع انتقال القادة الإرهابيين في الغالب من الشمال إلى “المثلث الحدودي” بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ وقد نتج ذلك أيضاً عن قيام الجهات العسكرية الأخرى -أي “فرقة العمل الأوروبية تاكوبا” و”المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل”- بزيادة عدد فرقها، ممّا سمح لفرنسا بتقليص نطاق وجودها، وفقاً لدراسة حديثة نشرها “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” في 13 آذار (مارس).
بحسب مركز “تريندز”، تُعدّ قارة أفريقيا من أهمّ القارات التي تشهد نشاطاً ملحوظاً لجماعات العنف والتطرف، وذلك لأسباب عديدة تتعلق بأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما سبقت الإشارة، فهناك أكثر من (5000) أفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية في القارة وفي مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، التي يصل عددها إلى نحو (64) منظمة وجماعة إرهابية ينتشر معظمها في شرق القارة.
داعش في وسط أفريقيا
يعود جزء مهم من العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية إلى تنظيم داعش والجماعات المسلحة المحلية التي أعلنت مبايعتها له، ولعلّ أبرز هذه الجماعات “قوى تحالف الديمقراطية” التي تنشط في أوغندا والكونغو، وحركة الشباب الموزمبيقية، حيث أسهمت مثل هذه الجماعات في ترسيخ وجود داعش في القارة الأفريقية، وجعلته قادراً على تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية، وخاصة في وسط القارة، على حدّ قول الباحث منير أديب.
يضاف إلى ذلك أنّ هناك بعض المجموعات التي انشقت عن جماعات إرهابية أخرى على صلة بتنظيم القاعدة قد انضمت لـ”داعش”، حيث يوجد في القارة العديد من الجماعات والتنظيمات، أبرزها جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي”، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.
وقد لعب “تحالف القوى الديمقراطية” دوراً مهماً في تنامي قوة تنظيم داعش وسط القارة الأفريقية، فهو من أهم التنظيمات التي تنشط في أفريقيا عموماً وفي منطقة الوسط على وجه الخصوص، ولعله مصدر قوة داعش وسط أفريقيا وأحد أهم الأسباب التي دفعت التنظيم للاعتراف بالولاية له وسط القارة، حيث يُشكّل عمود الولاية ومركزها الرئيسي، وفقاً للدراسة.
ويعود تأسيس التحالف إلى تسعينيات القرن الماضي في أوغندا، حين قامت جماعة التبليغ بزعامة جميل موكولو بمحاولة الاستيلاء على مسجد كمبالا القديم، وعلى الرغم من أنّ هذه الجماعة لم تكن تتبنّى فكراً جهادياً عنيفاً في ذلك الوقت، كانت ميولها نفسها سلفية أصولية.
وقد استطاع موكولو التحالف مع جناح مسلح يُسمّى “المسلمون الأوغنديون المقاتلون من أجل الحرية”، بيد أنّ هزيمة هذه الجماعة على يد الجيش الوطني عام 1995 اضطرها إلى اللجوء إلى الكونغو.
وبرعاية من نظام الإخوان المسلمين الحاكم في السودان تمكّن موكولو من العودة والتحالف مع “الجيش الوطني لتحرير أوغندا” وإعادة تسمية الجماعة المسلحة لتصبح “تحالف القوى الديمقراطية”.
وقد حمل التحالف السلاح ضد الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بدعوى مواجهة اضطهاد الحكومة للمسلمين، وهو ما كان بمثابة التحول الحقيقي للحركة.
وقد ظهر بقوة في عام 2014، وأصبح موسى سيكا بالوكو قائداً لهذا التحالف في العام 2015 بعد اعتقال سلفه موكولو. وفي العام 2016 أعلن التحالف مبايعته لتنظيم “داعش”، الذي لم يقبل هذه البيعة إلا بعد (3) أعوام، وتحديداً في شهر نيسان (إبريل) من العام 2019، بعد أن ثبت لدى التنظيم ولاء التحالف التام له، فضلاً عن حاجة التنظيم في هذا التوقيت للتمدد بعد سلسلة من الخسائر التي مني بها بعد سقوط دولته في آذار (مارس) 2019، كما سبقت الإشارة.
وتتبلور الأسباب التي دفعت “التحالف” إلى مبايعة “داعش” في حاجة التنظيم إلى الموارد المادية للتحرك وتنفيذ العمليات، فالتنظيمات المحلية والإقليمية في أفريقيا تجد معاناة في ظل الوضع الاقتصادي الذي ربما لا تستطيع معه تنفيذ عملياتها الإرهابية، ومن ثم يوفر لها الارتباط بتنظيم كبير لديه إمكانات مادية ولوجستية القدرة على التحرك وتنفيذ العمليات الإرهابية.
وقد وفر انضمام التحالف لداعش مورداً مالياً مستقراً، وقدرات إعلامية كبيرة استفاد منهما كثيراً في تنفيذ العشرات من العمليات الإرهابية تحت راية تنظيم “داعش”، سواء في أوغندا أو في جمهورية الكونغو المجاورة، إذ أوضح مؤشر الأمن في شمال كيفو بالكونغو أنّه منذ عام 2018، وهو العام نفسه الذي تحدث فيه أبو بكر البغدادي لأول مرّة عن ولاية وسط أفريقيا، حتى عام 2021، شنّت عناصر تحالف القوى الديمقراطية حملة متصاعدة من العنف ضد المدنيين، حتى أنّه خلال الفترة بين كانون الثاني (يناير) 2019 وحزيران (يونيو) 2020، قُتل نحو (793) مدنياً، على الرغم من أنّ جماعات المجتمع المدني المحلية تشير إلى أنّ العدد الفعلي للضحايا أعلى من ذلك بكثير.
ولعبت حركة الشباب الموزمبيقية، التي تُعرف محلياً باسم “أنصار السنّة والجماعة” دوراً مهماً في دعم تنظيم داعش في وسط أفريقيا، وترفض هذه الحركة علمانية الدولة، وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وخلال الفترة ما بين عامي 2010 و2015 تأثرت الحركة بالأفكار الإسلامية المتشددة من قبل الدعاة القادمين من شرق أفريقيا، ولا سيّما من تنزانيا وكينيا والصومال، فتبنّت نهجاً عنيفاً ابتداء من عام 2015 وقامت بأول عمل إرهابي كبير في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 عندما هاجمت مركز الشرطة والمباني الحكومية الأخرى في موسيمبوا دي برايا؛ ممّا أسفر عن مقتل (17) شخصاً، على أنّ هدف الحركة الخاص، وهو الإطاحة بالحكومة وتأسيس دولة الخلافة الإسلامية، لم يتضح إلا في كانون الثاني (يناير) 2019 .
ويبلغ عدد مقاتلي داعش في موزمبيق التابعين لحركة الشباب ما بين (600 و1200) عنصر، وتعتمد الحركة في التجنيد أساساً على السكّان المحليين، وتجنّد أيضاً المقاتلين من تنزانيا وجزر القمر، حيث تمتلك إمكانات هائلة في تنزانيا التي يستخدمها الإرهابيون ملجأ في مناسبات عدة.
المصدر حفريات