كريتر نت – متابعات
بعد مرور مئة يوم على بدء روسيا غزوها العسكري لأوكرانيا، وصلت تبعات الحرب إلى كل أصقاع العالم، خاصة وأن التوغل الروسي كان أول غزو لدولة أوروبية ذات سيادة منذ 80 عاما. غلاء، جوع، وتغيرات سياسية كبرى.
يمثّل الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 من فبراير/شباط الماضي وما زال مستمرا حتى الآن، أول حرب واسعة النطاق تعصف بأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وبينما بدت هذه الحرب في أسابيعها الأولى وكأنها حرب إقليمية ذات نطاق محدود، تبين لاحقا أنها أكبر بكثير من ذلك، فقد وصلت تبعات الحرب الروسية إلى كل أصقاع العالم على نحو غير متوقع.
الأمثلة الخمسة التالية تثبت كيف غيرت هذه الحرب العالم:
ملف اللاجئين
نجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا منذ بدايته فرار حوالي 6.8 مليون أوكراني من بلادهم بالإضافة إلى نزوح 7.7 مليون داخل البلاد.
وعقب فرار اللاجئين الأوكرانيين صوب دول الجوار، استكمل ثلاثة ملايين منهم على الأقل رحلتهم إلى الداخل الأوروبي، وفقا لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
بولندا أكبر المستقبلين للاجئين من أوكرانيا، تليها ألمانيا التي تستضيف قرابة 727 ألفا، فيما تستضيف التشيك 348 ألفا ما يشكل إجمالا أكبر عدد من اللاجئين الأوكرانيين.
وقد أشارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن قرابة مليوني لاجئ أوكراني قد عادوا إلى بلادهم، رغم أن هذا الرقم يتضمن العائدين ذهابا وإيابا.
وفي ظل هذا العدد الكبير من اللاجئين، اضطرت الدول الأوروبية إلى تقديم الدعم للأوكرانيين الفارين من أتون المعارك مما مثل عبئا على هذه الدول، خاصة مع اعتماد اللاجئين على شبكة الأمان الاجتماعي في البلدان المضيفة على الأقل لبعض الوقت.
أزمة الغذاء
تعد أوكرانيا من أهم سلاسل الغذاء في العالم: حيث تنتج حوالي نصف الاستهلاك العالمي من زيت دوار الشمس، وقرابة 15 بالمئة من الذرة، و 10 بالمئة من صادرات القمح على مستوى العالم، فيما أدى الصراع إلى توقف صادرات أوكرانيا من الحبوب خاصة مع استمرار حصار روسيا للموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود.
وقد تأثرت دول كثيرة بهذا الأمر، وخاصة البلدان التي تعتمد بشكل رئيسي على واردات الحبوب الأوكرانية مثل مصر والهند، بيد أن آثار الحرب على الأمن الغذائي العالمي تزايدت في الآونة الأخيرة إذ خرجت تحذيرات من أن الصراع قد يؤجج أزمة غذاء عالمية مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي واستمرار تداعيات جائحة كورونا، وخاصة أزمة سلاسل التوريد.
ففي مايو/أيار الماضي، حذرت الأمم المتحدة من ارتفاع مستويات الجوع في أنحاء العالم إلى مستوى عالِ مع تعرض عشرات الملايين إلى خطر المجاعة بسبب الحرب، بالتزامن مع وضع قرابة 25 دولة قيودا على تصدير الغذاء والطاقة والمواد الخام.
أمن الطاقة
قبل اندلاع الحرب، كانتروسيا مصدرا رئيسيا للغاز والنفط للعديد من البلدان الأوروبية فيما يعد الدب الروسي أكبر مصدر للغاز الطبيعي وثاني أكبر مورد للنفط الخام وثالث أكبر مصدر للفحم على مستوى العالم.
ويذهب ثلاثة أرباع ونصف إجمالي النفط الخام الروسي إلى القارة الأوروبية فيما شكل النفط الروسي حوالي ربع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام عام 2020.
لكن عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، سعى الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء اعتماده على مصادر الطاقة الروسية ، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين في مارس/آذار الماضي على أن التكتل لا يمكنه “الاعتماد على مورد يهدده بشكل صارخ”.
وفي نفس الشهر، أعلنت المفوضية عزمها إنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية بحلول عام 2030 مع الإعلان عن خطط لخفض واردات التكتل من الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام الجاري.
ويرى كثيرون أن الحرب في أوكرانيا قد تمثل فرصة للاتحاد الأوروبي ليس فقط لإنهاء اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي وإنما أيضا لتسريع إجراءات الاعتماد على الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة.
ويبدو أن الطلب المتزايد على مصادر الطاقة من خارج روسيا قد أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع والمواد الأولية.
ارتفاع الأسعار والتضخم
فعلى وقع الحرب، ارتفعت أسعار المواد الغذائية حيث وصل مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” الذي يقيس السلع الغذائية الأكثر تداولا عالميا شهريا، في مارس/آذار إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.
تزامن هذا مع أفادت به منظمة العمل الدولية من ارتفاع معدل التضخم السنوي فى جميع أنحاء العالم منذ مارس/آذار الماضي فيما ارتفع التضخم في منطقة اليورو إلى 8.1٪ الشهر الماضي في معدل قياسي.
ورغم ذلك، يتوقع أن يثقل ارتفاع معدلات التضخم كاهل البلدان ذات الدخل المنخفض فيما قدر صندوق النقد الدولي مؤخرا أن يرتفع معدل التضخم بنسبة 5.7٪ في البلدان الصناعية وبنسبة 8.7٪ في الدول النامية.
وإزاء ذلك، يتوقع الخبراء استمرار أزمة ارتفاع الأسعار لسنوات مقبلة.
تزايد قوة الناتو
لم تتوقف تداعيات الحرب في أوكرانيا على القضايا المتعلقة بالطاقة والغذاء، بل ألقى الغزو الروسي لأوكرانيا بظلاله على القضايا الجيوسياسية، خاصة مع توقع الخبراء تزايد الانقسام بين المعسكرين الشرقي والغربي؛ إذ تصطف الصين إلى جانب روسيا فيما تقود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المعسكر الغربي.
يشار إلى أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949 تحت اسم “منظمة معاهدة أمريكا الشمالية” وتحول فيما بعد إلى ما يشبه مظلة تحمي الديمقراطية والاقتصاديات الحرة في أوروبا، خاصة مع توسعه شرقا عام 2004.
تعد المادة الخامسة من ميثاق الناتو ركيزة الحلف إذ تحدد مبدأ الدفاع الجماعي، حيث تنص على أنه إذا تعرض أي بلد عضو لهجوم مسلح، فسوف يعد هذا الاعتداء عدوانا على كافة أعضاء الحلف مع اتخاذهم إجراءات عسكرية انتقامية.
وقد صبت الحرب في أوكرانيا في صالح الحلف الذي اعتبره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2019 بأنه في حالة “موت سريري”، لكن الحلف – الذي يعد أقوى تحالف عسكري في العالم- يتصدر المشهد في الوقت الحالي.
وعلى وقع ذلك، أعلنت فنلندا والسويد مؤخرا عزمهما الانضمام إلى الناتو وسط مخاوف من أي تهديد من روسيا الذي يعتبر رئيسها فلاديمير بوتين الحلف يشكل تهديدا لبلاده بل وحذر من مغبة توسعه شرقا.
أما فيما يتعلق بالحرب، لا يزالالحلف يمضي قدما في تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات، لكنه رفض طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فرض منطقة حظر طيران فوق بلاده.
وحتى الآن، يواصل الناتو نهجه في البقاء صامدا مع التقدم بحذر، حتى لا يتسبب في اندلاع حرب عالمية ثالثة.