هند سليمان
صحفية مصرية
ممر إرهابي” مصطلح مطاطي تستخدمه تركيا لتبرير انتهاكها للأراضي العربية في سوريا والعراق واستباحة مجالها الجوي وسفك دماء سكانها في سبيل تغيير الواقع الديموغرافي، فقد واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استغلال ذريعة مواجهة عناصر حزب العمال الكردستاني ليرتع في الأراضي العربية كيفما شاء، ووقتما شاء.
ونقلت صحيفة “زمان” التركية عن أردوغان زعمه، في اجتماع التشاور والتقييم الـ30 لحزبه، الذي عقد، أمس، في منطقة كيزيلجاهامام في أنقرة: “المنطقة الممتدة بعمق (30) كم بمحاذاة حدودنا الجنوبية (الحدود السورية العراقية) هي منطقتنا الأمنية، ولا نريد أن يزعجنا أحد هناك، ونقوم بخطوات في هذا الخصوص”، مضيفاً: “نواصل بعناية الأعمال المتعلقة باستكمال خطنا الأمني على حدودنا الجنوبية عبر عمليات جديدة”.
وقد زعم أردوغان أنّ العملية العسكرية الجديدة في شمال سوريا غرضها تعويض “القصور الأمني على حدودنا الجنوبية”، تأكيداً إصراره على العملية العسكرية التي تعارضها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود “الناتو”، وتسعى على الدوام إلى إيجاد حلول فورية داخل الحلف حتى لا يتصدع، حتى لو كانت على حساب الدول العربية.
اعتراف أردوغاني
حملت تصريحات أردوغان، وفقاً لصحيفة “الزمان”، اعترافاً ضمنياً بأنّه قضى على ما أطلق عليه “ممر الإرهاب”، قائلاً: بعمليات “درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام ودرع الربيع والمخلب- القفل، حطمنا ممر الإرهاب على حدودنا الجنوبية”، ممّا يعني أنّه لن يتدخل بعد الآن في شمال سوريا، وأنّ انسحابه من الأراضي السورية التي احتلها في 2018 قد بات وشيكاً، غير أنّ ذلك يظلّ رهناً بأحلام أردوغان، الذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين.
وأمام عملية إرهابية واحدة في جيزي، قتل أردوغان آلاف الأبرياء في شمال سوريا، وبالتحديد عفرين، والعراق على مدار الأعوام القليلة الماضية، فقد قال: “بلادنا دفعت الثمن الباهظ من الخيانات التي بدأت بأحداث جيزي، لكنّنا اليوم في مكان مختلف تماماً بدخل قومي يبلغ (1.5) تريليون دولار”.
ازدواجية تركية
بدا أردوغان حريصاً كل الحرص على ألا يُمسّ “شبر واحد من أرضه”، في خطاب وعملية استعراضية، في سياق الدعايات الانتخابية التي بدأها الرئيس التركي باكراً قبل موعدها بنحو عام، قائلاً: “أولئك الذين يرفعون علم النضال لن يتمكنوا من تلويث شبر واحد من أرض البلاد حتى استشهاد آخر فرد من هذا الشعب”.
وأضاف: “نعلم أنّ الفاعلين الذين نواجههم هم أدوات حملات ومشاريع جهات أخرى، ونحن نحارب أصحاب تلك المشاريع الحقيقيين”.
أكراد سوريا
لم يُفرّق الرئيس التركي في خطابه بين مدني كردي وآخر من عناصر حزب العمال الكردستاني، فقد خاطب أكراد سوريا جميعاً قائلاً: “لن تتمكنوا من تنفيذ سيناريوهاتكم الخبيثة حتى يسقط آخر فرد من هذا الشعب”.
بعد (4) أعوام من الاحتلال التركي لشمال شرق سوريا، وجرائمه التي تتراوح بين القتل والتغيير الديموغرافي والتهجير القسري، وثّقت منظمات حقوقية سورية، خلال عام 2021 فقط، اعتقال الفصائل الموالية لأنقرة (726) شخصاً، من بينهم (185) امرأة، و(4) أطفال دون سن الـ18 بتهم مختلفة، ومقتل (66) مدنياً، بينهم (13) طفلاً، و(15) امرأة، بأساليب وأشكال متعددة، ضمن مناطق نفوذ القوات التركية والميليشيات المنضوية ضمن ما يُسمّى بعملية “غصن الزيتون” في ريف حلب الشمالي الغربي، وفقاً لبيان أطلق في آذار (مارس) الماضي.
وقد ناشدت (24) منظمة وجمعية حقوقية ومدنية، في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، في الذكرى السنوية الـ4 للاحتلال التركي لعفرين في 18 آذار (مارس) 2018، وحصلت “حفريات” على نسخة منها، ناشدت الأمين العام لإرسال فريق من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا إلى إقليم عفرين للوقوف على حقيقة ما يحدث هناك من جرائم وتوثيقها.
تهجير السوريين
ساق أردوغان خبراً وصفه بالـ “سار” للاجئين السوريين، ألا وهو ترحيلهم إلى سوريا مرة أخرى، بعد شهور وربما أعوام من التلاعب اللغوي، أبرز سمات الخطابات الأردوغانية في قضية اللاجئين السوريين، الذين أجاد الرئيس التركي توظيف قطاع عريض منهم واستغلال أصواتهم للوصول إلى منصبه، غير أنّ الظروف قد تغيرت، وباتت استضافة اللاجئين ورقة تستخدمها المعارضة التركية ضد أردوغان، والبديهي أنّ أردوغان لن يضحي ببعض مكاسبه من أجل أيّ كان، حتى لو كانت جماعة الإخوان المسلمين.
وفي هذا الشأن، قال أردوغان: “لقد أنشأنا مليوناً و(100) ألف منزل بمساعدة توكي، وأكملنا تحويل (3) ملايين منزل. سنبلّغ أمتنا قريباً بأخبار سارة جديدة بشأن هذه القضية”، في إشارة إلى قرب ترحيل اللاجئين السوريين، ولا سيّما قبل انتخابات 2023.
تحذير أمريكي
حذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنقرة من شنّ عملية عسكرية في شمال سوريا، قائلاً: إنّ مثل هذه الخطوة ستعرّض المنطقة للخطر، وفقاً لوسائل إعلام غربية.
ودعا بلينكن تركيا إلى الالتزام بخطوط وقف إطلاق النار المحددة في الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة في عام 2019، وقال: “هذا شيء سنعارضه فيما يتعلق بعملية محتملة. قلقنا هو أنّ أيّ عملية عسكرية جديدة ستقوض الاستقرار في المنطقة، وتخلق فرصة للأطراف الخبيثة للاستفادة من حالة عدم الاستقرار”.
وتهديد حزب العمل الكردستاني، الذي أنشئ في السبعينيات من القرن الماضي، ليس بجديد، غير أنّ العمليات العسكرية وانتهاك سيادة دول الجوار زادت وتيرتها منذ تولي أردوغان، على وجه التحديد، السلطة في 2014، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بمعزل عن سعي أردوغان ومخططاته شبه المعلنة لإحياء الخلافة العثمانية مصبوغة بنسخة مشوهة للإسلام، الذي يوافق الرئيس التركي وحلفائه من الإخوان المسلمين، الجماعة التي لم يُعرف إلى الآن رأسها على الرغم من الأسماء المعلنة والصراع الذي قد يبدو إلى حد كبير استعراضياً في سياق محاولاتها العودة إلى المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، ولا سيّما مصر.
المصدر : حفريات