حسن خليل
صحفي مصري
مع تزايد حدة الصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين، على إثر الانقسام التاريخي الذي ضرب التنظيم، حاولت كلّ مجموعة الاستئثار بما تحت يديها من موارد، فمع سيطرة مجموعة محمود حسين في إسطنبول على المنابر الإعلاميّة، وضعت مجموعة لندن، التي يقودها إبراهيم منير، خطتها لإطلاق مواقع إلكترونية، ومنصات وفضائيات جديدة، وسرعان ما احتدمت حرب البيانات بين الطرفين؛ لتكرس المزيد من الاستقطاب والانقسام.
جدير بالذكر أنّ المدة المحددة لعمل اللجنة المؤقتة، التي يرأسها مصطفى طلبة، والتي كوّنتها جبهة إسطنبول في كانون الأول (ديسمبر) الماضي؛ لتقوم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، سوف تنتهي في 17 حزيران (يونيو) الجاري، دون أن تنجز أيّ تقدم، أو تحقق أيّاً من أهدافها، في ظل استمرار الصراع مع جبهة لندن.
جبهة إسطنبول على حافة المتغيرات الإقليمية
من جهته، قال الباحث المصري المختص بشؤون الجماعات الإسلامية، هشام النجار، في تصريحات خاصّة لـ”البوابة نيوز”، إنّ اللجنة المؤقتة واجهت صعوبات تتعلق بتوجيهات الحكومة التركية بشأن تقليص نشاط الجماعة داخل تركيا، ما مَثَّل عبئاً على مجموعة محمود حسين، التي لم تجد أيّ إنجاز يمكن الاستناد إليه، الأمر الذي دفع الأخير إلى التخطيط لإنهاء عمل لجنة مصطفى طلبة؛ لتحميلها مسؤولية فشل الجبهة طيلة الشهور الماضية.
النجار لفت إلى وجود عامل آخر شديد الأهمية، أدى إلى فشل اللجنة المؤقتة، وهو “رغبة قيادات جماعة الإخوان في السجون، في تمكين إبراهيم منير من السيطرة على مقاليد الجماعة، وإنهاء حالة الانقسام، وهو ما وضح في البيان الخاص، الذي أُعلن خلاله انحياز محمد بديع لمنير، وتفويضه إياه لقيادة الجماعة”.
هذا وزعمت جبهة إسطنبول هي الأخرى، أنّها تلقّت رسالة تفيد دعم محمد بديع لمحمود حسين، باعتباره قائداً للجماعة، لديه القدرة على إنهاء حالة الانقسام الموجودة.
مكتب الإرشاد العالمي ينحاز إلى جبهة لندن
ضربة أخرى تلقّتها جبهة إسطنبول منذ أيام، في أعقاب اجتماع مكتب الإرشاد العالمي؛ حيث أفادت تقارير أنّ المكتب أقرّ بأحقية إبراهيم منير، في القيام بمهام المرشد العام، مع مطالبة كافة القيادات بتأكيد البيعة له باعتباره نائب المرشد العام، والقائم بأعماله.
من جهتها، وبحسب مصادر مطلعة لصحيفة “العين” الإخبارية، فإنّ جبهة إسطنبول رفضت تنفيذ قرار مكتب الإرشاد العالمي، وشنّت عبر لجانها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً حاداً على مكتب الإرشاد العالمي. وبدوره طعن أحمد محمود، أحد مسؤولي اللجنة الإعلاميّة التابعة لجبهة إسطنبول، على القرار، بزعم عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقد اجتماع مكتب الإرشاد العالمي، وهو ما يتطلب حضور 8 أعضاء من أصل 13 عضواً.
وكشف أحمد محمود عن أنه لم تتم دعوة محمود حسين، لحضور الاجتماع، على الرغم من عضويته في مكتب الإرشاد العالمي، وأكدت الصحيفة من خلال مصادرها، ووفقاً لتقارير عدة أنّه: “خلال الأيام الماضية، رفض مكتب الإرشاد العالمي طلب حضور محمود حسين لاجتماعاته؛ قبل إعلان بيعته الواضحة لإبراهيم منير، بصفته نائباً للمرشد وقائماً بأعماله”. وأضافت: “إزاء استمرار النزاع، أصدر مجلس الشورى العالمي توجيهاً؛ بعدم اتخاذ أيّ من الطرفين إجراءات جديدة، أو إصدار أيّة بيانات، أو تنظيم فعاليات باسم الجماعة، لحين التوصل إلى حل نهائي للأزمة”. إلّا أنّ جبهة إسطنبول أصرت على مخالفة التعليمات، بتنظيم حفل إفطار رمضاني، الأمر الذي ردّت عليه جبهة لندن بتنظيم حفل مماثل.
الدكتور سامح مهدي، الباحث المصري المختص بالفكر السياسي، وشؤون الجماعات الإسلاميّة، خصّ “حفريات” بتصريحات، قال فيها إنّ مكتب الإرشاد العالمي، هو أبرز أذرع التنظيم، وكان يرأسه المرشد العام محمد بديع، وبعد اعتقال الأخير، كانت هناك مطالبات داخل الجماعة بإعادة تشكيل المكتب، قبل أن يتم تجميد الأمر.
وبحسب مهدي، يتكون مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، من 13 عضواً، بالإضافة إلى المرشد العام، وذلك وفقاً للمادة 24 من لائحة النظام الداخلي للتنظيم، ويتشكل المجلس عن طريق انتخاب 8 أعضاء، عن خلال مجلس شورى الجماعة، من مصر؛ باعتبارها مكان إقامة المرشد، بالإضافة إلى 5 أعضاء يمثلون مناطق مختلفة حول العالم، أمّا مدة ولاية مكتب الإرشاد العالمي، فهي 6 أعوام.
مهدي لفت إلى أنّ انحياز مكتب الشورى العالمي إلى جبهة إسطنبول “لم يكن مفاجئاً”، حيث تعتبر قيادات الجماعة التاريخية، من أمثال يوسف ندا، أنّ ما حدث من محمود حسين، يُعد “انقلاباً على مبادئ الجماعة، ومفهومي البيعة والولاء والبراء”، وسبق وأن أصدر ما يعرف بـ”مجلس علماء الإخوان”، بياناً ظهر فيه مدى الانحياز إلى جبهة لندن، باعتبارها تمثل في نظر هذه المجموعة، الغطاء الشرعي للجماعة. كما كشف القيادي الإخواني الداعم لجبهة لندن، جمال حشمت، منذ أيام، عن وجود محاولات جديدة لرأب الصدع داخل التنظيم، بأقل الخسائر، مؤكداً في الوقت نفسه، دعم محمد بديع لإبراهيم منير بشكل رسمي.
وتبدو المتغيرات الإقليمية، بحسب مهدي، شديدة الحضور، فيما يتعلق بانحسار دور جبهة محمود حسين، وفشل اللجنة المؤقتة في تحقيق أهدافها، مع التغير الملحوظ في السياسة التركية، وانحسار الدعم الإقليمي للإخوان، في ظل محاولات تركيا التوجه نحو مصر ودول الخليج، وهو الأمر الذي يجري وسط اتهامات طالت جبهة إسطنبول بتبديد نحو مليون ونصف المليون دولار، خُصصت للإنفاق على أسر المعتقلين، ومقرات الجماعة وأنشطتها؛ حيث كشفت جبهة لندن أنّ أسر المعتقلين لم يتقلوا أيّ أموال منذ فترة طويلة، واتهمت مجموعة محمود حسين بسرقة المبلغ المذكور، والذي تمّ تحصيله من اشتراكات وتبرعات الأعضاء.
المصدر : حفريات