هند سليمان
صحفية مصرية
في الوقت الذي ينفق فيه الغرب المليارات من الدولارات لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا منذ اندلاع الحرب بينهما في 24 شباط (فبراير) الماضي، تتزايد المخاوف بشأن احتمال إثارة الصراع الروسي الأوكراني لنعرات استعادة السيادة على بعض المناطق التي أصبحت لاحقاً دولاً مستقلة بفضل التدخل الأمريكي الساعي لتفتيت القوى الكبرى، ولا سيّما روسيا، والصين التي لطالما زعمت ملكيتها لتايوان وبحر الصين.
في الواقع، المخاوف ليست جديدة، فقد اتجهت الأنظار منذ الأسابيع الأولى للصراع الروسي الأوكراني لبحر الصين، حيث صعّدت بكين من وتيرة طلعاتها الجوية فوق جزيرة تايوان. وتقع جزيرة تايوان قبالة الجمهورية الشعبية الصينية في بحر الصين، وعلى الشمال الشرقي منها تقع اليابان، التي أعرب رئيس وزرائها فوميو كيشيدا، في نهاية آذار (مارس) الماضي، عن مخاوف بلاده من أنّ يؤدي غزو روسيا لأوكرانيا إلى تقويض “أسس النظام الدولي”، في إشارة إلى ملف جزيرة تايوان، وسعي الصين الدائم لاستعادة السيادة عليها.
غموض متعمد
على مدار عقود، ظلّت السياسة الأمريكية تتسم بـ”الغموض المتعمد” فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان في حالة الغزو الصيني، وفقاً لإذاعة “فرانس 24″، ولكن بينما أبلغت تايوان عن زيادة مقلقة في النشاط العسكري الاستفزازي من بكين، مع ارتفاع في تحليقات الطائرات العسكرية الصينية في منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة، أعرب كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي علناً عن دعمهم للجزيرة، التي أدت محنتها إلى مقارنتها مع أوكرانيا.
وفي نهاية أيار (مايو) الماضي، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن عن المألوف قائلاً: إنّ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتدخل “عسكرياً” إذا تعرضت تايوان- المتمتعة بالحكم الذاتي- لهجوم من البر الرئيسي، إلا أنّ البيت الأبيض سارع إلى نفي تصريحات بايدن، نافياً أن يكون هناك أيّ “تغيير في السياسة” تجاه ملف تايوان، قبل أن تثير تصريحاته غضب بكين التي أعربت عن “استياء شديد ومعارضة حازمة” في غضون ساعات بعد تصريحات بايدن.
حينها، بدا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وكأنّه يتراجع قليلاً عن موقف بايدن، وفقاً لموقع “ذا كونفرزيشن” الأمريكي، الذي نقل عن بلينكن إقراره بأنّ لدى واشنطن “قدرة محدودة على مواجهة الصين مباشرة”، لكنّه قال: “سنشكل البيئة الاستراتيجية حول بكين لتعزيز رؤيتنا لنظام دولي مفتوح وشامل”.
حرب كلامية
تصريحات بايدن فجّرت “حرب تصريحات” تقودها كالعادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشمل الصين وتايوان نفسها، وهي مستمرة حتى هذه اللحظة، غير أنّ صحيفة “بوليتكو” الأمريكية استبعدت أن يكون أيّ من الطرفين -الأمريكي والصيني- “صريحاً” في ضوء التوترات المتصاعدة بشأن تايوان، أو أن تمثل تايبيه “مشكلة كبرى” بين تلك الأطراف، فحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى مجالات المنافسة الرئيسية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على أنّها سياسية واقتصادية، أمّا مفهوم المواجهة الشاملة والحرب واسعة النطاق التي تنطوي على قوة نووية ضد جار أضعف، فقد اعتُبر “غير محتمل”، وفقاً لـ”ذا كونفرزيشن”، غير أنّ أوكرانيا أثارت أوجه تشابه مقلقة مع المخاطر الأمنية في شرق آسيا.
انضم لحرب التصريحات كذلك أندرس فوغ راسموسن الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، الذي نقلت عنه “نيوزويك” قوله: إنّ “ردّ الغرب الجماعي على الغزو الروسي لأوكرانيا ربما أخر خطط الصين لمهاجمة تايوان.”
ورأى راسموسن أنّ الغرب ردع كذلك الصين بشكل غير مباشر، مشيراً إلى أنّ “الصين علمت أنّ الغرب يمكنه، في الواقع، أن يتحد عند تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، وفرض عقوبات شديدة ومعوقة ضد روسيا. ويدرك الصينيون أنّهم يمكن أن يخضعوا للمعاملة نفسها بالضبط، إذا هاجموا تايوان.”
تحذير صيني: “ممنوع الاستقلال”
في حين بدأ وزير الدفاع الصيني وي فنغي حديثه في منتدى “حوار شانغري- لا” الأمني أمس بسنغافورة، بالقول: إنّ “الصين لم تشن أبداً حرباً ضد دولة أخرى”، وحذّر من أنّ الصين سوف “تسحق” أيّ محاولة تايوانية لتحقيق الاستقلال.
وتابع وزير الدفاع الصيني: “الولايات المتحدة خاضت حرباً أهلية من أجل وحدتها. الصين لا تريد أبداً مثل هذه الحرب الأهلية”، في إشارة إلى أنّ الخلاف بين بكين وتايبيه ترجع أصوله إلى الحرب الأهلية الصينية التي جلبت الحزب الشيوعي إلى السلطة في عام 1949، وفقاً لـ”فاينانشال تايمز”.
وجاءت تصريحات وزير الدفاع الصيني بعد يوم من اجتماعه مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، بعد أشهر من انقطاع التواصل على تلك المستويات منذ تولي بايدن منصبه في كانون الثاني (يناير) 2021. وكان الوزيران يحضران المنتدى في وقت تمرّ فيه العلاقات الصينية الأمريكية بأسوأ حالاتها منذ تطبيع العلاقات في عام 1979، ومع تزايد القلق بشأن عمل عسكري صيني محتمل ضد تايوان.
وفي حضور وزير الدفاع الصيني، هاجم أوستن، خلال منتدى سنغافورة، النشاط العسكري الصيني الأخير في تايوان، قائلاً: إنّه “يهدد بتغيير الوضع الراهن”، ونقلت وكالة “اسوشيتد برس” الأمريكية عن أوستن إشارته، خلال المنتدى الأمني، إلى “زيادة مطردة في النشاط العسكري الاستفزازي والمزعزع للاستقرار بالقرب من تايوان”، بما في ذلك الرحلات الجوية العسكرية شبه اليومية بالقرب من الجزيرة من قبل جمهورية الصين الشعبية.
جذور الخلاف والصين الواحدة
تعود جذور الخلاف إلى عام 1949، عندما فصلت تايوان نفسها عن حكم الجهورية الشعبية الصينية وعن البر الرئيسي الصيني كذلك، الأمر الذي اعتبرته بكين “انشقاقاً”، متعهدة بـ”توحيد” تايوان مع البر الرئيسي مرة أخرى، وفقاً لموقع “كاونسيل” المتخصص في العلاقات الخارجية.
وتايوان، المعروفة رسمياً باسم جمهورية الصين، هي جزيرة يفصلها مضيق تايوان عن الصين، تقودها حكومة منتخبة، وتضم (23) مليون شخص. وتصاعدت التوترات عبر المضيق منذ انتخاب الرئيسة التايوانية تساي إنغ-وين، في عام 2016، ولا سيّما في ضوء رفض الأخيرة قبول الصيغة التي أقرها سلفها، ما ينج جيو، للسماح بزيادة العلاقات عبر المضيق أي مع الصين.
وتؤكد بكين أنّه هناك “صين واحدة”، وأنّ تايوان جزء منها، فهي تنظر إلى جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في الصين، وهو نهج يطلق عليه مبدأ “الصين الواحدة”، ويسعى إلى “توحيد” تايوان في نهاية المطاف مع البر الرئيسي.
وتشير بكين إلى أنّ تايوان ملزمة بتفاهم يُعرف باسم “توافق 1992″، الذي تم التوصل إليه بين ممثلي الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ، الذي حكم تايوان في ذلك الوقت، غير أنّ الجانبين لم يمرّرا ذلك التفاهم بالإجماع، وتدفع تايوان بأنّه “لم يكن القصد منه أبداً معالجة مسألة الوضع القانوني لتايوان.”
وبالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية، ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ أنّ “توافق 1992” يعكس اتفاقاً على أنّ “جانبي المضيق ينتميان إلى صين واحدة، وسيعملان معاً للسعي إلى إعادة التوحيد الوطني”، أمّا بالنسبة إلى حزب الكومينتانغ التايواني، فإنّ هذا يعني “صين واحدة، تفسيرات مختلفة” مع تصنيف جمهورية الصين على أنّها “صين واحدة”.
هل تغزو الصين تايوان؟
ميزانية الدفاع الصينية، التي تبلغ حالياً (229) مليار دولار، سمحت لها بتعزيز البحث والتطوير في أنظمة أسلحة وحاملات وتدريبات عسكرية جديدة – مع التركيز على تعزيز قواتها البحرية. ونقلت “فرانس 24” عن أنطوان بونداز، مدير برنامج تايوان في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، قوله: إنّ الصين “تتمتع حالياً بقدرات عسكرية كبيرة تسمح لها بالتدخل في تايوان وحولها”.
وتابع بونداز: “زاد الإنفاق العسكري للصين (7) أضعاف على مدار الـ20 عاماً الماضية، وستستمر هذه الجهود. اليوم، هناك ما يقدر بنحو (10) آلاف من مشاة البحرية الصينية، ومن المتوقع أن يكون هناك (100) ألف بحلول عام 2027″، مضيفاً: “على المدى القصير، ما تزال هذه الموارد المتنامية محدودة للغاية بحيث لا يمكن تصوّر غزو كامل لتايوان والسيطرة عليها. ولكن إذا استمرت بكين على هذا المعدل، فستكون لديها الموارد اللازمة في غضون عامين.”
على الرغم من أنّ الصين قد تتفوق كثيراً على تايوان في ترسانتها العسكرية وقوتها البشرية، من حيث الاستراتيجية، فإنّ مثل هذا الغزو سيظل “صعباً للغاية بالنسبة إلى بكين”، على حدّ قول ماتيو دوشاتيل، مدير برنامج آسيا في معهد مونتين، الذي أشار إلى أنّ “التايوانيين، دون الأخذ بعين الاعتبار التدخل الأمريكي، لديهم قدرة استجابة قوية، ويمكن أن يسببوا خسائر فادحة لبكين في حالة محاولة هبوط برمائية أو محمولة جواً.”ئنبّه دوشاتيل إلى أنّ “الصينيين، في الوقع، استخلصوا رؤى من الصراع في أوكرانيا، ممّا دفعهم إلى إعادة تقييم آمالهم في عملية حرب خاطفة وسريعة يمكن من خلالها إعادة التوحيد بالقوة”.
في الواقع، عززت تايوان أيضاً إنفاقها الدفاعي، حيث خصصت في كانون الثاني (يناير) حوالي (8.6) مليارات دولار إضافية، بالإضافة إلى ميزانية الدفاع السنوية القياسية، المخصصة لشراء أسلحة مثل الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى والسفن الحربية.
المصدر : حفريات