كريتر نت – متابعات
دخل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل منعطفا حاسما، حيث تتركز الأنظار على الرد الإسرائيلي على مقترح لبناني جديد لحلحلة الخلاف. وقدّم لبنان تنازلات يرى فيها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سبيلا للمضي قدما في المفاوضات المتوقفة.
وقدم لبنان الثلاثاء عرضا لحل الخلاف مع إسرائيل بشأن موارد الغاز البحري وصفته مصادر مطلعة بأنه حل وسط، فيما يؤكد مراقبون وجود ثلاثة سيناريوهات محتملة لحلحلة المشكلة بعد العرض اللبناني.
وأفادت المصادر بأن الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين تسلم الرد اللبناني على مقترح ترسيم الحدود مع إسرائيل، ولم يتضمن الرد أي مطالبة بالخط 29 الذي يشمل حقل كاريش المتنازع عليه.
وأوضحت المصادر أن لبنان طلب بدل ذلك الحصول على الخط 23 وحقل قانا في المنطقة المتنازع عليها.
ويشير مراقبون إلى أن تنازل لبنان عن الخط 29 قد يدفع بالمفاوضات قدما لحل الخلاف واستغلال كل من بيروت وتل أبيب للاحتياطات النفطية المتنازع عليها، وهو ما أكده هوكشتاين بالقول إن المقترح اللبناني سيدفع المفاوضات قدما، دون ذكر تفاصيل أخرى.
وكان هوكشتاين وصل إلى بيروت الاثنين بناء على دعوة من الحكومة اللبنانية بعد اعتراضها على وصول سفينة -تديرها شركة إنرجيان ومقرها لندن- إلى حقل غاز قبالة الساحل في الخامس من يونيو لتطوير حقل غاز يعرف باسم كاريش.
وتقول إسرائيل إن كاريش يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، بينما يقول لبنان إن الحقل يقع في مياه متنازع عليها وينبغي عدم تطويره قبل أن يختتم البلدان محادثاتهما غير المباشرة لترسيم حدودهما البحرية.
وفشلت تلك المحادثات العام الماضي بعد أن وسع لبنان المساحة التي يطالب بها بنحو 1400 كيلومتر مربع في المنطقة المتنازع عليها من الحدود المعروفة باسم الخط 23 جنوبا إلى الخط 29، بما في ذلك جزء من حقل كاريش.
وللتغلب على ذلك الوضع اقترح هوكشتاين آنذاك مبادلة ميدانية من شأنها إنشاء حدود على شكل حرف “أس” بدلا من الخط المستقيم، لكن لبنان لم يوافق رسميا على الاقتراح.
وكان الوسيط الأميركي التقى في وقت سابق خلال زيارته قائد الجيش العماد جوزيف عون في مكتبه شرق بيروت حيث جدد الأخير موقف الجيش الداعم لأيّ قرار تتّخذه السلطة السياسية في هذا الشأن وأيّ خطّ تعتمده، لما في ذلك من مصلحة للبنان.
ويشير محللون إلى أن لبنان في أمس الحاجة إلى استغلال ثرواته النفطية البحرية لتجاوز أزمته الاقتصادية المستفحلة التي وضعت البلاد في طريق الانهيار الشامل.
ويعلق الساسة اللبنانيون آمالا على تجاوز الخلافات مع إسرائيل، دون التفريط في حقوقهم السيادية، وهو ما دفعهم -حسب متابعين- إلى تقديم تنازلات لدفع التسوية النهائية قدما.
ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية الليرة وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.
ويتوقع مراقبون ثلاثة سيناريوهات لما بعد تسلم الوسيط الأميركي الردَّ اللبناني لعرضه على الجانب الإسرائيلي، إذ طلب الرئيس اللبناني ميشال عون منه العودة بسرعة وفق بيان للرئاسة اللبنانية.
ويتمثل السيناريو الأول في الذهاب إلى تسوية سريعة تسمح لكل من تل أبيب وبيروت بالعمل على استثمار ثرواتهما النفطية في البحر، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة من الجانب الأميركي وقبول من الجانب الإسرائيلي بالحدّ الأدنى من الشروط الموضوعة من الجانب اللبناني.
أما السيناريو الثاني فهو الذهاب إلى مواجهة عسكريّة لا أحد يستطيع التكهن بالنتائج والتداعيات التي ستتركها، لكن من المؤكد أنها ستعيق كل الاستثمارات النفطية في البحر المتوسط، الأمر الذي من المفترض أنه لا يصبّ في صالح أيّ من الفرقاء المعنيين بهذا الملف.
ويتمثّل السيناريو الثالث -وهو الأقرب- في الذهاب إلى التهدئة التي تفتح الباب أمام المفاوضات، الأمر الذي يصبّ في صالح تل أبيب وبيروت.
ويجمع محللون اقتصاديون على ضرورة الاستفادة من الثروة النفطية في أقرب وقت ممكن، نظراً إلى أن التطورات العلمية والتوجه نحو الاعتماد على الطاقات البديلة يؤشران على أن هذه الثروة ستصبح بعد سنوات دون أيّ قيمة فعليّة أو جدوى اقتصادية بالمقارنة مع كلفة الاستخراج.
وأعاد وصول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي “energean power” إلى المنطقة الحدودية البحرية مع لبنان من جهة إسرائيل ملفّ ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة من جديد وبقوّة، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن يتركها على المشهد العام في المنطقة برمّتها، في ظلّ ظروف بالغة الدقّة عنوانها الأبرز المراوحة التي تشهدها مختلف الملفات التفاوضيّة.
وطوال الأسبوع الماضي كان الكثيرون يتوقعون أن يقود هذا التطور إلى مواجهة عسكرية بين لبنان وإسرائيل، بالرغم من أن الجانبين على المستوى الرسمي أبديا رغبة في العودة إلى المفاوضات غير المباشرة، التي تتم بوساطة أميركية، لتفادي الوصول إلى هذا السيناريو الصعب.
وهدد رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي الأحد باحتمال نشوب حرب مع لبنان، حيث أشار إلى أن إسرائيل حددت الآلاف من الأهداف، بينها منظومة الصواريخ والقذائف والراجمات التي سيتم ضربها في حال نشوب حرب مع لبنان.
وقال كوخافي “رسالتي إلى اللبنانيين هي أننا سنسمح لهم بالمغادرة فورا، وسنحذّرهم قبل المغادرة”.
وأضاف “الرسالة الأكبر لهم هي أننا ننصحهم بالمغادرة قبل أن نطلق الرصاصة الأولى في لحظة حدوث التوتر القادم في الأماكن التي سنطلب منهم مغادرتها، لأن القصف سيكون بشكل لم يسبق له مثيل من قبل”.
وهناك شبه إجماع على أن تداعيات أي مواجهة عسكرية ستكون كارثية على تل أبيب وبيروت معاً، خصوصاً على مستوى الاستثمارات في مجال الطاقة في البحر المتوسط، نظراً إلى أنّ الشركات الكبرى لن تذهب إلى العمل في مثل هذه الوضع المتوتر، وبالتالي الحلّ الأفضل بالنسبة إليهما هو الذهاب إلى تسوية تسمح لهما باستغلال الحاجة إلى الغاز على المستوى العالمي.