رشا عمار
صحفية مصرية
ثمّة فكرة طارئة يروّج لها بعض قيادات الإخوان بين الحين والآخر، في ضوء التوظيف السياسي لتحقيق أهداف الجماعة للعودة إلى المشهد السياسي في مصر وبعض الدول العربية، تتعلق بإمكانية إجراء مراجعات شاملة لفكر الإخوان والاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها، وفكرة المراجعات عادت إلى الظهور بالتزامن مع التحضير للحوار السياسي في مصر ومحاولات الإخوان المستميتة للمشاركة فيه برغم الرفض الشعبي والرسمي القاطع للأمر.
الفكرة عادت إلى الرواج مؤخراً داخل اجتماعات التنظيم، وأيضاً بين قواعده، بعد حديث القيادي الإخواني، عضو مجلس الشورى العام جمال حشمت المقيم في كندا، عن خطة الإصلاح التي يتوجب على جماعة الإخوان العمل عليها، إذا ما أرادت الخروج من المأزق الراهن.
لماذا عاد الحديث عن المراجعات مؤخراً؟
حشمت تحدث صراحة عن ضرورة المراجعة الفكرية لجماعة الإخوان من أجل العودة إلى المشهد السياسي المصري مجدداً، وقال في حوار مع أحد المواقع التابعة للتنظيم نشر في الأسبوع الأخير من أيار (مايو) الماضي، بعد أيام من الدعوة إلى تدشين الحوار السياسي في مصر: إنّه “لا بدّ من مراجعة أنفسنا وتقييم مواقفنا السابقة، وعلينا الاعتراف بما أخطأنا فيه”.
وإلى جانب المراجعة والإعلان صراحة عن الأفكار الخاطئة والاعتذار عنها للمصريين، دعا حشمت، المحسوب على جبهة إبراهيم منير، إلى فصل العمل الدعوي عن المنظومة السياسية، وهي حيلة قديمة تلجأ إليها الجماعة عادة كجزء من إظهار مراجعة الأفكار لتنقية الصورة الدعوية للتنظيم بعيداً عن الممارسات السياسية أو العنف، بحسب ما يراه مراقبون.
ولم تكن دعوة القيادي الإخواني حول المراجعات الفكرية الوحيدة خلال الأشهر الماضية، فقد سبقه إليها عدد كبير من القيادات الشبابية في تنظيم الإخوان، أبرزها كانت دعوة القيادي الشاب في الجماعة أنس حسن، وهو مؤسّس شبكة رصد الإخوانية، حين طالب بضرورة إجراء مراجعة فكرية شاملة للتنظيم، ووصف القائمين على الجماعة بأنّهم فشلوا في تأدية أيّ مهام، وأنّ عليهم طرح مراجعات فكرية لإنقاذ التنظيم، والتنحي فوراً عن مناصبهم.
وفي مقالة مطوّلة نشرها عبر صفحته على “فيسبوك” طالب بـ “تنحية كامل الصف القيادي الحالي في أغلب الحركات الإسلامية، وإحالته إلى المعاش، والدخول في حالة مراجعة شاملة، وتصحيح شامل، تبدأ أوّلاً من الانسحاب الجزئي أو الكامل من الصراع السياسي الحالي، وتؤسّس لبعث جديد”.
هل أجرت الجماعة مراجعات حقيقية؟
الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب، منير أديب، يرى أنّ “جماعة الإخوان المسلمين لم تُجرِ حتى الآن أيّ نوع من المراجعات الفكرية والفقهية، لعدة أسباب تتعلق برفض القيادات الحالية الاعتراف بالخطأ أو ممارسة العنف أو ترك مناصبهم، وأيضاً الدافع الأهم هو تمسكهم بالفكر التقليدي المؤسّس للتنظيم والقائم على أفكار تشرّع للعنف وتبرره من أجل الوصول إلى السلطة، وبالتالي تحتاج المراجعة تحولاً كاملاً في هذا الصدد”.
ويؤكد أديب في تصريح لـ”حفريات” أنّ “الجماعة غير مهيّأة في الوقت الراهن لإجراء مراجعات فكرية وفقهية، على غرار ما حدث مع الجماعة الإسلامية في التسعينيات؛ لأنّها مفككة بشكل كامل، وتعاني من حالة تفسخ وانهيار تنظيمي، وانعدام قدرتها على اتخاذ أيّ قرار”.
وبحسب أديب “يجب التفريق بين ما يتمّ طرحه ومناقشته في الوقت الحالي بين أروقة الشباب، وهي محاولات جدّية لمراجعة الأفكار، وبين ما يُطرح من جانب القيادات للنقاش مستقبلاً”.
ويوضح أديب أنّ “المراجعات الفكرية التي يتحدث عنها قطاع كبير من شباب الجماعة تتعلق بالتراجع عن ممارسة العنف والاعتذار للناس، على عكس تلك التي يتداولها القائمون على صناعة القرار داخل التنظيم، والتي تتعلق بالأخطاء، بمعنى أنّها ستعالج الأخطاء الإدارية الخاصة بالجماعة على مدار الأعوام السابقة، ولن تتطرّق إلى فكرة ممارسة العنف والاصطدام بالأنظمة، سواء بالاعتراف بالعنف أو بالاعتذار عنه”.
وينوّه أديب إلى أنّ “قيادات جماعة الإخوان لن تراجع نفسها فيما يتعلق بفكرة الإيمان التنظيمي أو بالأفكار الراديكالية للجماعة والمؤسّسة لها؛ لأنّ الثابت لدى الإخوان هو حالة “الاستعلاء الفكري”، وعدم الاعتراف بالأخطاء”.
وبالرغم من توافر كافة العوامل التي دفعت الجماعات الإرهابية إلى إعلان مراجعتها الفكرية في مصر في التسعينيات، وأبرزها التورط بممارسة الإرهاب والعنف، مثل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، إلا أنّ جماعة الإخوان ترفض الاعتراف بذلك.
كيف تتعامل مصر مع تلك الدعوات؟
يشير الباحث المصري إلى أنّ “عدداً كبيراً من شباب الإخوان المسجونين في مصر قد تقدّموا بطلبات لإعلان مراجعة فكرية وفقهية جادة خلال الفترة الماضية، وهي مطالب تأخذها الدولة المصرية باهتمام بالغ؛ لأنّها تدرك مدى صدق هؤلاء الشباب في التوبة عن الأفكار المتطرفة، وبحسب أديب سيتمّ خلال الفترة المقبلة توفير مساحات للمناقشة والتعاطي مع تلك الأطروحات للحفاظ على الشباب ومساعدتهم على العدول عن طريق الخطأ”.
أمّا بالنسبة إلى المراجعات المُقدّمة من بعض قيادات التنظيم المسجونين في مصر، فيقول أديب إنّ “معظمها يأتي في إطار المناورة السياسية، للإفلات من الأزمة، لكنّ هذه القيادات، ومعظمها من قيادات الجماعة التاريخية، لن تتراجع مطلقاً عن أفكارها الخاصة بالتطرف، لكن، هي محاولة للخروج من السجن، ثم العودة إلى النشاط ذاته والأفكار نفسها”.
ويضيف أديب: “مراجعات الشباب في السجون تمّت بناء على أسس حقيقية وندم ورغبة في العدول عن الطريق، أو اكتشاف الخداع الذي تعرّضوا له، لكن ما يتعلق بالقيادات لا يمكن وصفه، إلا باعتباره إجراءً تكتيكياً لإعادة الجماعة إلى المشهد السياسي”.
ويختتم: في المجمل، لا تلقى فكرة المراجعات الفكرية لجماعة الإخوان استحساناً بوجه عام في مصر لسببين؛ يتعلق الأوّل بالرفض الشعبي لها جرّاء أعمال العنف وعدم تصديق الشارع لقيادات التنظيم مُطلقاً بعد انكشاف تلاعبه بالدين لصالح أجندته السياسية خلال الأعوام الماضية، والسبب الثاني هو عدم جدية أيّ أفكار مطروحة من جانب قيادات الجماعة بهذا الصدد، ويمكن وصف كلّ ما خرج عن التنظيم مؤخراً باعتباره مطالبات داخلية أو محاولات لمغازلة السلطات في مصر، ومحاولة لاقتحام المشهد السياسي مجدداً دون أيّ مراجعة جادة.
المصدر : حفريات