حسن خليل
صحفي مصري
في تصريحات مثيرة للجدل، تكشف طبيعة الخطاب الإخواني، دافع عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي (المصباح)، الذراع السياسيّة للإخوان، عن زواج القاصرات معللاً ذلك بانتشار الفساد، وانتقد بنكيران خلال كلمة ألقاها أمام المؤتمر الجهوي السادس للحزب، المنعقد في جهة سوس ماسة، موقف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الذي قال إنّ زواج القاصرات، يشكل نحو 7 بالمئة من مجموع الزواج في البلاد، رافضاً ذلك، معتبراً إياه رقماً كبيراً.
مبررات الإخوان تسيء إلى المرأة المغربية
الأمين العام للعدالة والتنمية المغربي، سخر من تصريحات وزير العدل، قائلاً إنّ “زواج القاصرات ممنوع في المغرب، ولا يسمح به إلا بإذن القضاء، وإذا أراد أب أن يزوّج ابنته التي يقل عمرها عن 16 عاماً، فإنّ القانون يمنع ذلك، أما بالنسبة إلى من تبلغ 16 عاماً فما فوق، وأراد والدها أن يزوّجها، أو أرادت هي أن تتزوج، فإنّ القاضي هو من ينظر في الأمر، والآن، هل هذا القاضي لم تعد له قيمة”.
بنكيران علّل كذلك عدم قبوله تجريم زواج القاصرات، مبرراً رأيّه بأنّ “هناك الفقر، وهناك أوساط فقيرة خاصة في البوادي، وهناك فتيات غادرن مقاعد الدراسة، وأخريات لا تستطيع أسرهن تحمل نفقاتهن، ويأتي رجل يحب هذه القاصر ويعجب بها، وتحبه هي أيضاً وتعجب به، لكن يُرفض تزويجهما لأنّها قاصر”. وهو هناك يعول على الوضع الاقتصادي، ليبرر تصوراته المتناقضة مع حقوق القُصّر، وكل مواثيق رعاية الطفل.
بنكيران واصل مزاعمه قائلاً: “هذه الفتاة، تنتظر أن يعود هذا الزوج، حين تبلغ 18 عاماً، لكنّه لا يعود، وتظل تنتظر إلى حين بلوغها سن 25 دون أن يعود”. قبل أن يوجه إهانة مبطنة لكل امرأة تجاوزت في نظره سن الزواج بأنها قد تتجه إلى ممارسة الرذيلة، متسائلاً: “في هذه الحالة، هل ستخرج للفساد، ومن يتحمل مسؤولية وزرها”. وأضاف: “ما دام القاضي هو من يحكم، فهذا يكفي، انتهى الكلام”. وادعى بنكيران أنّ أمريكا، بها ولايات يسمح فيها القانون بزواج القاصرات. واستدرك: “هناك من الحداثيين، من يظن أنّ المواقف التي يدافع عنها تخدم مصلحة البلاد، ولكن فيهم مرتزقة يأخذون أموالاً من منظمات أجنبية”.
بنكيران الباحث عن العودة إلى المشهد
المفكر المغربي سعيد ناشيد، خصّ “حفريات” بتصريحات، قال فيها إنّ خطاب بنكيران “مرتبك ومضطرب، وهو يسعى إلى إثارة الجدل لا غير، ليؤكد فقط أنّه لم يمت سياسياً، بوصفه صنيع تيار داخل السلطة، لكنّه توهم أنّ قوته تأتي من الشعب المؤيد له، قبل أن يدرك حجمه الحقيقي، إثر نتائج الانتخابات الأخيرة”.
ناشيد قال إنّ مناوشات بنكيران، هدفها تعويق توجهات الحكومة الرامية إلى إصلاح القوانين، ووزير العدل الحالي أوضح ذلك أكثر من مرة، خاصّة ما يتعلق بالحريات الفردية، وحقوق المرأة والطفل، وهو بذلك يغازل التيار الأصولي والمحافظ، وكذلك الفقراء الذين ربما يعوّل بعضهم على تزويج الفتيات في سنّ مبكرة، بسبب الفقر، وهو يغلف كل ذلك بتصوراته المختزلة حول الشريعة الإسلاميّة، التي يوظفها الإخوان لصالح تطلعاتهم السياسيّة.
بنكيران حاول قلب الطاولة، معللاً رفضه تقييد زواج القاصرات، بانتشار العلاقات الرضائيّة، التي وصفها بأنّها تعمل على إشاعة الفساد وتحطيم الأسرة. مضيفاً: “الإسلام منفتح، لكنّه ليس متفتحاً لدرجة أن يحطم القواعد التي بُني عليها، على رأسها الأسرة”.
انتقادات واسعة
تصريحات بنكيران لاقت انتقادات واسعة من جانب المؤسسات الحقوقية، وفي هذا السياق، علّق إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متهماً بنكيران بالاتجار بالدين، قائلاً: “من يتاجرون بالإيمان، الذين يسمحون لأنفسهم بتقديم الدروس حول ما يسميه زعيمهم، المؤامرات التي تتعرض لها الحكومات من طرف المعارضة، حتى أصبح لسانه ليناً مع الحكومة وفظاً مع المعارضة، رغم أنّه للأسف محسوب عليها”. مطالباً بـ”تجريم زواج القاصرات في المغرب، وتجريم الاغتصاب الزوجي، وتجريم منع الفتيات من إكمال دراستهن، وأحقية المرأة المطلقة في استخراج جواز السفر لأبنائها القاصرين”، وغير ذلك من الحقوق.
من جانبه، قال إدريس حميد، الباحث في الشأن المغاربي، في تصريحات لـ”حفريات”، إنّ بنكيران حاول تبرير مواقفه، بانتشار العنوسة، ووصفها بأنّها مشكلة اجتماعية ترتبط بالفقر، وهذا لاقى رفضاً من مؤسسات حقوق المرأة والطفل؛ لأنّه يخالف التشريعات والقوانين، وأكد حميد أنّ المشكلة الأهم، التي ربما تناساها الجميع، هي انتشار الفقر، فحتى لو تزوجت القاصر، فإنّ الطلاق يحدث بمعدلات كبيرة، ومن ثم تنهار الأسرة، وهي مشكلة لا تقتصر على المغرب وحده، وبالتالي فإنّه لابد من وجود حلول جذرية، من أجل مواجهة الفقر، وتوفير حقوق الرعاية الاجتماعية للقصر.
جدير بالذكر، وبحسب “دويتشه فيله”، فإنّ تقرير التنمية البشرية في أفريقيا الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 2016، قال إنّ “نسبة تزويج القاصرات المغربيات بلغ 16 %، وهي ثاني أعلى نسبة في المنطقة المغاربية، بعد موريتانيا 34 % والجزائر 3 % بينما تسجل تونس نسبة 2 %”.
وبحسب “دويتشه فيله” أيضاً، فإنّه في حالة رفض القاضي تزويج القاصر في المغرب، “يلجأ الأهل إلى ما يسمى هنا بزواج الجماعة.. أو يلجؤون إلى إشهاد، حيث يتعهد الزوج بأنّه متزوج من فلانة، ويصحح إمضاءه لدى السلطات المحلية التي لا تلتزم إلا بالتوقيع وليس المحتوى”.
ومن ثم فإنّ التحايل على القوانين قائم بالفعل، وهو ما يدركه بنكيران جيداً، لكنّه ربما أراد مغازلة قواعد حزبه من الإخوان، وكذلك التيار السلفي، وإثبات وجوده، من خلال آليات توظيف خطاب ديني محافظ، من أجل استعادة شعبية حزبه.
المصدر : حفريات