سامح إسماعيل
كاتب مصري
تحت ضغط الاضطهاد الديني، ووطأة كل أشكال العنف والعنصرية، اضطر الآلاف من المسلمين الروهينغيا إلى الهجرة من ميانمار إلى بنغلاديش، ومنذ آب (أغسطس) العام 2017، ارتفعت معدلات تدفق الروهينغيا الهاربين من الجحيم؛ حيث انضم في نهاية آب (أغسطس) 2021، نحو 890 ألف لاجئ، إلى حوالي 300 ألف آخرين نزحوا سابقاً، لتصبح منطقة كوكس بازار البنغالية، أكبر مخيم للاجئين في العالم.
وعليه، واجهت بنغلاديش، ذات الإمكانيات الاقتصادية المحدودة، وضعاً مأزوماً؛ فهي من جهة تحاول من الناحية الإنسانية وتبعاً للروابط الدينية إغاثة المنكوبين الذين تعرض ذووهم للقتل والحرق وفقدوا كل شيء في رحلة البحث عن ملاذ آمن، لكنّها من جهة أخرى لم تعد قادرة على الوفاء بالحد الأدنى من القدرة على مساعدة هؤلاء الناجين أو استقبال المزيد منهم.
انتشار التطرف بين اللاجئين
واجه حزب عوامي الحاكم في بنغلاديش، أزمة انتشار التطرف بين قاطني مخيمات اللاجئين الروهينغيا، ولاعتبارات نفسية واقتصادية ودينية، أصبحت المخيمات أرضاً خصبة لرواج خطاب العنف والكراهية؛ بحيث استهدف اللاجئون المتطرفون، تحت ضغط الرغبة القوية في الانتقام، عدداً من المعابد الهندوسية في بنغلاديش.
اضطر الآلاف من المسلمين الروهينغيا إلى الهجرة من ميانمار إلى بنغلاديش
ووفقاً لتقارير أمنية، أصبحت مناطق تشيتاغونغ-هيل، التي تنشط فيها الجماعة الإسلاميّة الإخوانية، ومخيمات اللاجئين الروهينغيا، أبرز مراكز للتطرف الإسلامي في بنغلاديش، بدعم من الجماعات الإرهابية، المتمركزة في باكستان.
النبي حسين.. مجرم برتبة مجاهد
في العام 2017، عبر الآلاف من مسلمي الروهينغيا، من ولاية راخين في ميانمار، إلى بنغلاديش، بعد استهداف مساكنهم هناك، وسرعان ما تحول الروهينغيا إلى ممارسة التطرف والإرهاب، كما أشار وزير خارجية بنغلاديش.
كان ظهور النبي حسين، وهو أحد اللاجئين الروهينغيا، فارقاً في حدوث تحول درامي للأحداث، حيث نجح حسين بخطابه الجهادي المتطرف، في جمع عدد من الأتباع في المخيمات، وتورط بحسب تقارير أمنية في التخطيط لهجمات على معابد الهندوس.
وفقاً لبيانات حرس الحدود البنغالي، فإنّ المجموعة الإرهابية باتت تسيطر على أكثر من 70 في المئة من تجارة شحنات المخدرات التي دخلت إلى بنغلاديش
مع رسوخ قدم حسين، طالب بمنح لاجئي الروهينغيا الجنسية البنغالية، ومع رفض طلبه، وجه هجماته ضدّ قوات الشرطة، كما مارس أعمال السطو والاختطاف والابتزاز، وأصبح مطلوباً من قبل قوات الأمن، لكنّ عملية ضبطه في ظل تزايد أتباعه، ودعم المتطرفين في باكستان، باتت شديدة الصعوبة، خاصّة مع نجاحه في تكوين جناح مسلح، ضم إليه أكثر من مائتي لاجئ في معسكرات الروهينغيا، بمنطقة أوخيا في كوكس بازار، وتمكن من بناء عدة مخازن للأسلحة، بعد أن غادر منظمة تضامن الروهينغيا قبل ثلاثة أعوام، الأمر الذي دفعه إلى رفع سقف طموحاته، والمطالبة بدولة مستقلة للروهينغيا في بنغلاديش، وفي شباط (فبراير) الماضي، أعلن حرس الحدود البنغلاديشي (BGB)، عن مكافأة قدرها 10 آلاف روبية، لاعتقاله حياً أو ميتاً.
وفقاً لمصادر استخباراتية بنغالية، قالت صحيفة أخبار بنغلاديش، الناطقة باللغة المحلية، إنّ الوظيفة الرئيسية للنبي حسين، هي تهريب شحنات المخدرات عبر الحدود بين بنغلاديش وميانمار، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة والخطف والسرقة وغسيل الأموال، كما تمّ رصد أنشطة له في خمسة مخيمات بالقرب من الحدود، وتم ضبط نحو 30 من رفاقه في أحد المخيمات، بحسب صحف محلية بنغالية.
تورط “النبي حسين” بحسب تقارير أمنية في التخطيط لهجمات على معابد الهندوس
موقع أخبار بنغلاديش، نقل على لسان مسؤول استخباراتي رفيع، يعمل ضمن فريق مكافحة الجريمة في معسكرات الروهينغيا قوله: “لقد أرسلنا بالفعل تقريراً؛ بشأن الأنشطة الإجرامية للنبي حسين إلى وزارة الداخلية، وحدّد التقرير خمس مجموعات إرهابية من الروهينغيا؛ متورطة في تهريب شحنات كبيرة من المخدرات من ميانمار”. وأضاف: “مجموعة النبي حسين هي واحدة منهم، لقد جاءت معظم شحنات المخدرات عن طريق النهر إلى بنغلاديش على يد النبي حسين”.
تاريخ من العنف
وفقًا للتقرير السابق، فإنّ النبي حسين فر إلى ماليزيا عن طريق البحر في العام 2012، بعد إدانته في قضية قتل أحد معارضيه، وهناك حصل على وظيفة في مدرسة، وفي آب (أغسطس) من العام 2016، لجأت عائلته إلى بنغلاديش، قبل أن يلحق بها عائلته في كوتوبالونغ، وهناك بدأ في تكوين مجموعته الخاصّة؛ مستخدماً كافة وسائل الترهيب والترغيب، تحت غطاء خطاب ديني جهادي، وسرعان ما انخرط في تهريب شحنة مخدرات في العام نفسه، ثم شكل تنظيماً مسلحاً، ومع الوقت أصبح لديه مركز تدريب على الجانب الآخر من الحدود.
وبحسب تصريحات قادة الروهينغيا، تضم جماعة النبي حسين، نحو 200 عضو نشط في معسكرات مختلفة في أوخيا وتكناف، من بينهم نساء، وترتبط الجماعة بجماعات أخرى متطرفة على طول الحدود، ويزداد نشاطها مع الوقت، نظراً لرواج الخطاب الجهادي.
يرفع النبي حسين رايات الجهاد الإسلامي ضدّ حكومة ميانمار، وتقوم عناصره بتقديم خدمات الإغاثة في مخيمات اللاجئين، وتوزيع المساعدات، كغطاء لأنشطتها الإجرامية
ورصد تقرير حديث للشرطة والاستخبارات البنغالية، تزايد أنشطة النبي حسين ورفاقه، خاصّة في مجال تهريب المخدرات، فوفقاً لبيانات حرس الحدود البنغالي، فإنّ المجموعة الإرهابية باتت تسيطر على أكثر من 70 في المئة من تجارة شحنات المخدرات التي دخلت إلى بنغلاديش، وأفاد عدد من سكان مخيم اوخيا- شرق، أنّ أعضاء جماعة النبي حسين ينشطون في المخيم بتكتيكات مختلفة، وأنّه لديه أيضاً نساء في فريقه، وهم يحملون السلاح بشكل دائم، لكن عدد منهم غادر المخيم مؤخراً تحت ضغط أنشطة الشرطة.
أحد رجال الشرطة، ويدعى كمران حسين قال لموقع أخبار بنغلاديش: “عمليتنا ضد المجرمين في المخيم مستمرة، النبي حسين تاجر مخدرات، وإرهابي مدرج على القائمة، وظيفته الرئيسية هي جلب المخدرات من ميانمار وبيعها في بنغلاديش، وكالات متعددة تتعاون معه، وكذلك منظمات إرهابية إسلاميّة”.
الشرطة البنغالية لفتت إلى أنّها أثناء تمشيط مخيمات اللاجئين الروهينغيا، تمكنت من ضبط 13 قطعة سلاح ناري، و214 قطعة سلاح محلي. وإجمالاً، تم القبض على 605 أشخاص.
كشف الغطاء عن إجرام المتطرفين
كشفت التحقيقات الأخيرة للشرطة في بنغلاديش، أنّ النبي حسين يعيش حالياً في جزيرة توتال، على نهر ناف في ميانمار، في مكان يسمى كوانشيمانغ، بالقرب من هوايكيونغ، على حدود شيتاغونغ البنغالية، في مواجهة مفتوحة مع سلطات إنفاذ القانون هناك، وهو يسيطر على ثلاث مزارع كبيرة للجمبري، ويقوم بتنفيذ أنشطة التهريب والمخدرات باسم الاستزراع السمكي، إلى جانب امتلاكه لعدد من مزارع الأبقار والجاموس، ومجموعته لديها ترسانة هائلة من الأسلحة، ولديه أتباع في بلدين.
كشفت التحقيقات الأخيرة للشرطة في بنغلاديش أنّ “النبي حسين” يعيش في جزيرة توتال، على نهر ناف في ميانمار
يرفع النبي حسين رايات الجهاد الإسلامي ضدّ حكومة ميانمار، وتقوم عناصره بتقديم خدمات الإغاثة في مخيمات اللاجئين، وتوزيع المساعدات، كغطاء لأنشطتها الإجرامية، وتنتشر على شبكة الإنترنت عدة صور ومقاطع فيديو، تزعم أنّ المجموعة الجهادية تقدم خدماتها “في سبيل نصرة الإسلام”، وتصف زعيمها بـ”النبي الإنساني”.
وبحسب وسائل إعلام محلية بنغالية، قامت عصابة النبي حسين باحتجاز رهائن من الروهينغيا، حاولوا الفرار من مخيم للاجئين إلى ميانمار، هرباً من هيمنة وبطش حسين وأتباعه، والذي طلب من ذويهم دفع فدية من أجل إطلاق سراحهم.
صبّ مقتل زعيم الروهينغيا، السيد محب الله، في مصلحة النبي حسين، حيث أدّى مصرعه إلى حدوث انقسام في صفوف جيش إنقاذ الروهينغيا في أراكان، فاستغل الأخير حالة الانشقاق، ونجح في ضم الجناح المتطرف إلى جانبه
هذا وقد صبّ مقتل زعيم الروهينغيا، السيد محب الله، في العام 2021، في مصلحة النبي حسين، حيث أدّى مصرعه إلى حدوث انقسام في صفوف جيش إنقاذ الروهينغيا في أراكان، فاستغل الأخير حالة الانشقاق، ونجح في ضم الجناح المتطرف إلى جانبه.
لقد كشف النبي حسين الغطاء عن الطابع الجهادي للجماعات المتطرفة، والتي استغلت قضية إنسانية من أجل تحقيق مآربها، بشتى الطرق والوسائل الإجرامية، في مقاربة حقيقية لانتهازية المتطرفين، وقدرتهم على دمج خطابهم الديني بكل أشكال الابتزاز والعنف والإجرام.
المصدر : حفريات