د. توفيق حميد
في مشهد مُروع وبشع، بل ومُرعب، قام شاب جامعي بذبح زميلته الجامعية “نيرة أشرف” بسلاح أبيض في مدينة المنصورة بمصر العزيزة.
وقد غافل المجرم “نيرة” وانهال عليها غدرا بطعنات غائرة في أماكن متفرقة من جسدها، ولاحقها بعد ذلك حين خارت قواها بفعل طعناته. ولم يكتف المجرم بذلك فحسب بل لم يتورع عن إكمال جريمته بأن نحرها ذبحا من رقبتها بقطع طوله 12 سم وعمق ثلاثة سنتيمترات لتسقط المسكينة صريعة غارقة في دمائها، قبل أن يُمسك به بعض الأهالي ويسلموه للشرطة.
ومن الصعب وصف بشاعة ماحدث ولكنه يذكرني بآية كنت أقرؤها دائماً في القرآن الكريم ولكن لم أدرك عمقها إلا بعد حدوث هذه الجريمة البشعة وما لحقها من ردود فعل أكثر بشاعة. والآية هي: “ثُمَّ رَدَدْنَٰهُ أَسْفَلَ سَٰفِلِينَ” (سورة التين).
فـ “أسفل سافلين” رأيته حينما قرأت تعليقات بعض “الإسلاميين” على شبكات التواصل الاجتماعي حينما قال بعضهم: “أكيد قتلها عشان أخلاقها مش كويسة”، وقال آخرون “إنتوا شايفين هي لابسة إيه” فكان كل همهم أنها غير محجبة وكأن ذلك سبباً وجيهاً لقتلها وذبحها!
وشعرتُ حينما قرأت هذه التعليقات وغيرها من التعليقات التي تلوم الضحية بدلاً من صب اللعنات على القاتل، أن الإنسانية قد انحدرت لأدنى مستوى لها فنزلت إلى “أسفل سافلين” كما ذكر القرآن الكريم!
و”أسفل سافلين” رأيته أيضاً حينما شاهدتُ ما قاله المدعو “مبروك عطية” عن الحادث.
ومبروك عطية لمن لا يعرفه هو داعية، ومقدم برامج دينية معروف وأكاديمي مصري. وقد ولد في المنوفية عام 1958 والتحق مبكرا بالأزهر وحصل على الدكتوراة مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة. وقد عمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر و حصل على ليسانس الشريعة والقانون شعبة الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.
ولنا أن نتخيل أن من تعليقات الشيخ مبروك عطية على الحادث البشع هو مايلي :”الفتاة تتحجب علشان تعيش وتلبس واسع عشان متغريش، حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتكم قفة؛ لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود؛ هيشوفك إللي ريقه بيجري ومعاهوش فلوس وهيدبحك؛ ده واقع”. فبدلاً من أن يتوعد مبروك عطية القاتل ومن يدعمونه بعذاب أبدي إذا به وكأنه يلوم الضحية بسبب عدم لبسها للحجاب “الإخواني”!
مشهد عبثي بكل المقاييس أن يخرج علينا مقدم برامج على إحدى القنوات التلفزيونية المعروفة ليجد مبرراً لقتل أي امرأة أو فتاة لا تلبس “الحجاب الإخواني”، والذي لم تعرفه مصر ولا شيوخ الأزهر قبل أن يطالب به حسن الهضيبي مرشد الإخوان حينما قابل الزعيم جمال عبد الناصر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي وتم انتشاره بعد “الكبوة الإسلامية” في السبعينيات، والتي حولت الإسلام من معاملة الناس بالحسنى إلى طقوس وعبادات حركية.
وقد لايدرك البعض خطورة ما قاله مبروك عطية فهو، بصورة غير مباشرة، يبيح قتل أي امرأة بسبب زيها. فالمسيحية والسائحة الأجنبية وغير المحجبة والمحجبة التي لا تلبس “قفة” في نظره يصبحن أهدافاً مشروعة للقتل إن لم يرتدين “الحجاب الإخواني”!
وما قاله هذا الرجل، والذي تتبرأ الرجولة من أمثاله، هو تهديد لكيان المجتمع وإضرار بالأمن القومي وكينونة الدولة. ولكن الرجل يشعر بالأمان من العقاب فهو لا يتوقع أن يسجن بسبب ما قاله، لأنه كما يراه الكثيرون لم يجرم كما أجرمت فتيات الـ “تيك توك” بالرقص على الموسيقى أمام الكاميرا! فهو فقط يبرر ذبح البنات والنساء في مصر لا أكثر من ذلك ولا أقل! وأقول ذلك على سبيل التهكم على ما أراه من بشاعة لا يصفها إلا تعبير القرآن “أسفل سافلين”!
ووسط هذا الظلام الحالك رأيت أيضاً أعلى “عليين” وومضة ضوء في رد فعل الكثيرين مثل المحامية الرائعة، نهاد أبو القمصان، والكاتبة، سحر الجعارة، والعديد من الناس الذين انتفضوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التليفزيون للمطالبة بمحاكمة “مبروك عطية” وأمثاله من دعاة التطرف والظلم والكراهية!
نقلاً عن الحرة