ناصر السهلي
تفتح أزمة الحكم في بلغاريا، بعد اضطرار رئيس الحكومة كيريل بيتكوف أمس الخميس الاستقالة، إثر تصويت حجب الثقة عنه أول من أمس الأربعاء (123 من أصل 239)، كوة في جدار التماسك الغربي، وعديداً من الفرص أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورغم النفي الروسي الاتهامات بالتدخل في صوفيا، إلا أن الخطوة ليست بسيطة، بل توصف بـ”الزلزال السياسي”. فموسكو وبلا شك تسعى إلى جذب المزيد من دول البلقان إلى صفها، وواجهت في صوفيا مواقف متصلبة من بيتكوف، الميال أكثر للغرب.
وتأتي استقالة بيتكوف بعد نحو 6 أشهر فقط على تشكيل حكومة ائتلافية، لكن رئيس البلاد رومين راديف، يحسب على روسيا، مع طبقة سياسية، بمن فيهم قوى اليمين القومي الشعبوي، فيما يهدف الكرملين إلى جر البلد إلى التحالف القديم، الذي جمعهما أيام “المعسكر الشرقي”.
أهمية بلغاريا – إن كان للغرب أو موسكو – كدولة عضو في الحلف الغربي، أنها تتشارك على البحر الأسود مع تركيا ورومانيا وأوكرانيا، وانخرطت بقوة في دعم الجهود الغربية لتسليح كييف. وانتقال صوفيا من حليف لأوكرانيا إلى المعسكر التقليدي الموالي لروسيا، برعاية الرئيس راديف، يعتبر لطمة قوية للغرب، على الأقل وفقاً لما يذهب إليه متابعو التطورات في البلقان.
أهمية بلغاريا إن كان للغرب أو موسكو، كدولة عضو في الحلف الغربي، أنها تتشارك على البحر الأسود مع تركيا ورومانيا وأوكرانيا، وانخرطت بقوة في دعم الجهود الغربية لتسليح كييف
وحسب مقال تحليلي في “فورين بوليسي” لخبير البلقان وإدارة الصراعات بجامعة هوبكنز، إدوارد ب.جوزيف، فإن مشكلات بيتكوف كبرت بوجود رئيس موالٍ لروسيا عزّز معسكر الأخير، ومن خلال نشاط محموم لوزير الدفاع المقال ستيفان يانيف (حليف الرئيس راديف)، ما يُعد “كارثة للغرب أن يمتلك بوتين أدوات تستطيع ضرب التضامن عبر الأطلسي”.
ولاحظ جوزيف أن يانيف تبنى الرواية الروسية عن “عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا”، وهو ما استدعى إقالته وانطلاق الصراع لمحاصرة الحكومة.
ليست بلغاريا مهمة استراتيجياً لشاطئها على البحر الأسود فقط، بل لأن انسحابها من الموقف التقليدي الغربي، الساعي لإبقاء التماسك في مواجهة روسيا، يضع على المحك كل تلك المساعي. فصوفيا؛ بدفع بيتكوف للاستقالة، يمكن أن تذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه بودابست، التي ظلّت مواقف رئيس حكومتها، فيكتور أوربان، تشكل قلقاً في المحاولات الغربية تعزيز جدار الحصار على موسكو.
وكانت بلغاريا قد قدمت في السياق الغربي مساعدات عسكرية لكييف، وقامت بطرد 12 دبلوماسياً روسياً، وتحدّت موسكو بإغلاق المجال الجوي أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء توجهه إلى صربيا في الشهر الماضي.
أصابع اتهام إلى موسكو
وعليه، فلا يستبعد المراقبون أن تكون الأصابع الموالية للكرملين لعبت دوراً في تأزيم حكومة صوفيا، التي رفضت أيضاً الدفع بالروبل الروسي لمواصلة استيراد الغاز الروسي. ليس ذلك فحسب، بل إن صوفيا، التي اتُهم رئيس حكومتها المستقيل بالتساهل مع فيتو انضمام مقدونيا الشمالية وألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تشكل شوكة في خاصرة الحلف الغربي بعودة ذلك الفيتو، المدعوم بعلاقة وثيقة بين أحد أقطابه الشعبويين، سلافي ترينوف، المتسبب بانهيار الحكومة.
واتهم سياسيون ودبلوماسيون البلغاريين المواليين لموسكو بتنظيم “شل الحكم” في بلدهم، وهو ما ذهب إليه السفير البلغاري السابق في موسكو، إليان فاسيليف، الذي رأى أن فرط عقد حكومة كيريل بيتكوف وتأزيم الوضع في البلد “خطة نظمتها موسكو خدمة لمصالحها”، بحسب ما نقلت عنه بوليتكو. وشدد على أن ما يجري “يجب أن يكون تذكيراً بأن موسكو لا يزال بإمكانها التلاعب بالسلطة في البلقان”.
في كل الأحوال، رغم أن الكرملين نفى، على لسان الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، أية علاقة لبلاده بما جرى في صوفيا، فإن الخبراء يراقبون من سيخلف كيريل بيتكوف في الحكومة.
وتتجه الأنظار إلى وزير الدفاع السابق ستيفان يانيف، حليف الرئيس راديف، والذي لا يخفي تفضيله بوتين على قادة الغرب. وبالتالي فإن اختيار شخصية موالية للكرملين سيعني أن “الزلزال السياسي” الذي يضرب صوفيا سيعتبر بالفعل ضربة قوية لأوروبا وأميركا، وهو ما يمكن أن يوسع الشقاق المكتوم، والامتعاض الذي ينتشر في البلقان من مواقف بروكسل وستراسبورغ بتسريع مفاوضات ترشح كييف إلى الاتحاد الأوروبي، بينما بعضهم ينتظر عند الأبواب منذ سنوات طويلة.
المصدر : العربي الجديد