هند سليمان
صحفية مصرية
بعد أنّ ظل بعيداً عن الأنظار لفترة طويلة، وسط شائعات عن وفاته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، عاد أيمن الظواهري، زعيم القاعدة المسن، للظهور مرة أخرى عبر عدة مقاطع فيديو نشرتها الذراع الإعلامية للتنظيم الإرهابي “السحاب ميديا” على قناته على تطبيق “تليغرام”.
ووفقاً لموقع مجلة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية، فإنّه قبل ظهور تلك الفيديوهات، كان هناك تخمينات تنبؤية بأن تتم تسمية “سيف العدل”، وهو مسؤول بارز في تنظيم القاعدة، يُعتقد أنّه سُجن أو رهن الإقامة الجبرية في إيران، خليفة للظواهري قريباً، غير أنّ عودة الظواهري للظهور مجدداً “لا تقدّم فقط دليلاً حديثاً على الحياة، ولكن الأهم من ذلك أنّها تشير أيضاً إلى نيته في إحياء إيديولوجية الجماعة الإسلامية الجهادية وتعزيز الدعاية المعادية للغرب”.
وأشار كاتب التقرير الأمريكي روماني شاكر إلى أنّ عودة ظهور زعيم القاعدة المسن مجدداً تؤكد كيف استفاد الظواهري من “الحرية الجديدة”، التي منحها له حلفاؤه القدامى حركة طالبان الأفغانية، للظهور مرة أخرى وتقديم التوجيه الإيديولوجي المهم للجهاديين في جميع أنحاء العالم من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا.
وطوال عامي 2019 و2020، امتنع الظواهري، قائد العمليات في القاعدة، عن الظهور للتعليق على القضايا العالمية الشائعة، ممّا دفع الكثيرين إلى استنتاج أنّه توفي، وتحدثوا عن مستقبل القاعدة بعده.
توقيت لافت
توقيت الظهور المتكرر للظواهري “مهم للغاية ومثير للقلق”، على حدّ قول المجلة الأمريكية، التي أشارت إلى أنّه يأتي في أعقاب الانسحاب الفاشل للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان في 30 آب (أغسطس) 2021، الذي سلّم البلاد إلى طالبان الأفغانية، بموجب اتفاق أشادت به القاعدة ووصفته بأنّه “انتصار تاريخي” لطالبان، وأنّ جهاد طالبان وانتصارها يُعدّ “نموذجاً للجهاديين في جميع أنحاء العالم لتقليده”.
لذلك، فإنّ عودة الظواهري للظهور الآن تجدد التساؤلات حول مكان وجود زعيم القاعدة، وتعزز احتمال عودته بالفعل إلى أفغانستان، تماماً مثل أمين الحق مسؤول الأمن تحت ولاية أسامة بن لادن، للاستمتاع بضيافة طالبان، على حدّ قول الصحفي الأمريكي، الذي رجح أنّ الظواهري يحاول، من خلال فحص الرسائل الرئيسية التي روّج لها زعيم القاعدة في ظهوراته الـ3 الأخيرة، “إعادة إحياء الفكر الجهادي الإسلامي لجماعته، وإرسال رسالة إلى الجهاديين حول العالم مفادها (نحن أمّة موحدة، شنّوا حرباً واحدة على جبهات مختلفة).
إرث بن لادن
في الفيديو الأول، وأحدث ظهور للظواهري، أحيا الزعيم الأعلى للقاعدة الذكرى الـ11 لوفاة مؤسس القاعدة أسامة بن لادن، مشيداً ببقاء “إرثه الجهادي”، وسرد أعظم الأعمال لزعيم التنظيم المقتول، وفقاً للمجلة الأمريكية.
في الرسالة، التي بلغت مدتها (28) دقيقة، بعنوان “دعوة الإمام إلى أمّة الإسلام”، ظهر الظواهري بمسدس موضوع أمامه وصورة خلفية لبن لادن، الذي قتل في أبوت آباد بباكستان خلال غارة أمريكية بقيادة الولايات المتحدة في 2 أيار (مايو) 2011، وقال الظواهري: “دعوته باقية وتنتشر وتحتضن، ويزداد عدد أنصارها، رغم حرص أعداء الإسلام على القضاء عليها بالحرب والخداع والأكاذيب.”
ودافع الظواهري عن منهج بن لادن قائلاً: إنّ دعوة بن لادن هي “دعوة لتحرير كلّ أراضي المسلمين المحتلة لوقف نهب مواردهم؛ لتحرير الأمّة من الاستبداد والديكتاتوريات، لاختيار قادتها ومحاسبتهم أو عزلهم إذا رغبوا في ذلك. إنّها دعوة لجميع المسلمين للوحدة وتوحيد الصفوف ضد أعدائهم”، مشيراً إلى أنّ بن لادن غيّر دعوة منظّر القاعدة المقتول عبد الله عزام إلى أنّ “الجهاد واجب فردي على كلّ مسلم، وبلغ ذروته في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.”
وشدد الظواهري في الفيديو على هدف بن لادن للمسلمين أنّ يصبحوا “أمّة واحدة”، نقلاً عن تصريحه الشهير: “نحن نعيد رسم خريطة العالم الإسلامي، لتكون دولة واحدة تحت مظلة الخلافة، إن شاء الله”.
فلسطين باعها العلمانيون
القضية الفلسطينية نالت قسطاً من خطاب الظواهري الذي سلط الضوء على دعوة بن لادن للحركات الإسلامية في المنطقة للتخلي عن الدساتير العلمانية، والحذر من الوحدة الوطنية، و”الباعة العلمانيين لفلسطين”، في اتهام للعلمانيين بـ”بيع فلسطين”.
ونقل الظواهري عن بن لادن تشديده على أنّ “المسار العملي لتحرير فلسطين وجميع الأراضي الإسلامية المحتلة يأتي من خلال مهاجمة الرأس (أي الولايات المتحدة الأمريكية)، لإجبارها على الانسحاب والتفاوض”.
الظواهري: دعوة بن لادن هي دعوة لتحرير كلّ أراضي المسلمين المحتلة لوقف نهب مواردهم؛ لتحرير الأمّة من الاستبداد والديكتاتوريات
وقال الظواهري: إنّ “أمريكا هُزمت في الداخل عندما هاجمها فرسان أسامة بن لادن. أمريكا هُزمت عندما انسحبت من العراق، ثم هُزمت عندما انسحبت من أفغانستان. أمريكا ضعيفة في وجه أمتنا الإسلامية، إذا اتحدت. أمريكا في حالة ضعف وانحطاط بعون الله. بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان، بعد الكوارث الاقتصادية التي سببتها فتوحات 11 أيلول (سبتمبر)، وبعد جائحة كورونا، تتخلى الآن عن حليفتها أوكرانيا فريسة للروس. ومن هنا تسعى أمريكا وحلفاؤها وأعداء الإسلام الآخرون إلى تقسيم وحدة المسلمين…، لذلك فإنّ أحد أهم الأسلحة في مواجهتها [أمريكا] هو الاتحاد حول التوحيد.”
المصدر : حفريات