كريتر نت – وكالات
مع مرور نحو نصف عام على بدء الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من أزمة حادة بين موسكو والعواصم الغربية والأطلسية، تتسع نطاقات المواجهة بين الجانبين لتطال مناطق نائية من العالم، لكنها مع ذلك تتمتع بأهمية استراتيجية كما هو الحال في منطقة المحيط المتجمد الشمالي.
وأثار منع النرويج وصول بضائع وشحنات روسية للروس المقيمين والعاملين في أرخبيل سفالبارد النرويجي، المتواجدين هناك بموجب معاهدة دولية تنظم تشارك عدة دول في استثمار موارد وثروات الأرخبيل، على غرار ما فعلته ليتوانيا مع مقاطعة كالينينغراد الروسية قبل أيام قليلة، مخاوف من إيقاد فتيل أزمة جديدة قد تشعل جليد هذا الجزء المتجمد من العالم.
وحول تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا في منطقة القطب الشمالي هذه المرة، يقول مدير مركز الحوار الروسي العربي مسلم شعيتو، في حديث لـ “سكاي نيوز عربية”: “هذه المنطقة نرويجية لكن خلال العام 1920 تم توقيع معاهدة تنظم حق 6 دول أخرى منها روسيا في الاستثمار والأبحاث وصيد الأسماك وغيرها من نشاطات علمية واقتصادية فيها، ولهذا يتواجد آلاف الخبراء والعمال الروس في بعض مناطق ذلك الأرخبيل في إطار تلك المعاهدة”.
“رد موسكو”
بفعل العقوبات الأوروبية على روسيا، يضيف شعيتو: “تتذرع النرويج بذلك لمنع عبور بضائع هي في غالبها سلع وإمدادات غذائية للمواطنين الروس هناك، وحيال ذلك، فإن موسكو لن تستدرج للانفعال كما يحاول الغرب وكما فعلت قبل ذلك في كالينينغراد، ولن يكون ردها متهورا بل سيكون ردا هادئا ومدروسا وليس عسكريا بالضرورة، فروسيا لو قررت الرد العسكري على الغرب والدخول في حرب عالمية ثالثة فهي ستبدؤها في مناطق أهم عبر ضرب بريطانيا مثلا وليس النرويج”.
لكن طالما أن المنطقة نرويجية فلماذا تتشارك عدة دول في الاستثمار والتواجد فيها، يرد شعيتو :”هذا الأرخبيل بفعل التغيرات السكانية والجغرافية التي واكبت الحربين العالميتين الأولى والثانية خاصة، شأنه شأن إقليم كالينينغراد الذي كان في الأصل ألمانيا ثم تحول روسيا وهكذا، فنتيجة هذه الحروب وبفعل تبدل موازين القوى تتبدل كتحصيل حاصل تبعية مثل هذه المناطق تبعا لنتائج تلك الحروب وما تفرزه من وقائع ومعادلات جديدة”.
ويسترسل الخبير بالشؤون الروسية في شرح واقع الوجود الروسي في سفالبارد :”عدد الروس المقيمين هناك لا يتجاوز 3 آلاف روسي، أنشؤوا تجمعات سكنية أشبه بقرى صغيرة، ووصول المؤن والإمدادات اللوجستية لهم حق مكفول يندرج في صلب المعاهدة الناظمة للتشارك في هذه المنطقة بين النرويج والدول الموقعة عليها، والتي رغم مرور 100 عام على توقيعها وبالتالي انتهائها حسب مدتها القانونية، لكن الاتفاقية بقيت عمليا سارية المفعول لحد الآن”.
وأضاف :”في حال تلويح النرويج بانقضاء مدة تلك المعاهدة في العام 2020، فإن روسيا ستطالب من جانبها بإعادة النظر في الاتفاق حول ملكية تلك المنطقة وما يترتب على ذلك”.
جوهر الأزمة
بدوره، يقول الباحث الخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني لسكاي نيوز عربية :”ما يحدث بين النرويج وروسيا يكشف أن لب الأزمة بين الروس والغرب أبعد بكثير من أوكرانيا، مما يثبت لحد بعيد صحة الدعاوى الروسية بأن الغرب يستهدف المصالح الروسية حول العالم ككل، وما جرى في خليج سفالبارد الذي يضم مستوطنات روسية من منع وصول شحنات الغذاء والدواء لها من قبل أوسلو هو خير مثال”.
ويضيف الخبير بالشؤون الأوروبية :”توسع نطاق رقعة المواجهة بين الغرب وروسيا، ينذر بمخاطر جمة على السلام العالمي ككل، حيث يبدو واردا في كل لحظة تحول المواجهة لنزاع عسكري مدمر بين موسكو وعواصم الغرب الأطلسية، سيمتد لمختلف مناطق التماس بين الطرفين من البحرين الأبيض المتوسط والأسود جنوبا، مرورا ببحري البلطيق والشمال، وصولا للمحيط المتجمد الشمالي”.
ويعد أرخبيل سفالبارد الواقع على بعد نحو 850 كيلومترا شمالي النرويج في المحيط المتجمد الشمالي، بؤرة ساخنة محتملة بين روسيا والغرب على وقع الحرب الأوكرانية.
وعلى الرغم من نمو قطاعي السياحة والخدمات في سفالبارد، فإن الصناعة التقليدية هي تعدين الفحم وتعمل شركات روسية في هذا القطاع هناك منذ عشرات السنين.
وأبرمت معاهدة عام 1920 لتنظيم وضع هذه المنطقة، فقد حصلت النرويج بموجبها على السيادة هناك، ولكن المعاهدة سمحت للموقعين الآخرين ومن بينهم روسيا بحقوق الإقامة والتجارة، وعلى حق متساو في استغلال الموارد الطبيعية للأرخبيل ومياهه الإقليمية.
وفي عام 1947، أقر البرلمان النرويجي بأن الاتحاد السوفييتي لديه مصالح اقتصادية خاصة في سفالبارد، ونقلت هذه الحقوق بعد انهياره إلى روسيا في العام 1991.