كريتر نت – سوث24 | إبراهيم علي
مع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في محافظتي شبوة وأبين، جنوب اليمن، بدأ الحديث عن ضرورة توحيد الجهود لشن عمليات أمنية وعسكرية شاملة؛ بغرض تطهير المحافظتين من التنظيم.
إلى جانب تعهد محافظ شبوة، الشيخ عوض ابن الوزير، بملاحقة وتعقب الجماعات الإرهابية، بعد عملية عتق الأخيرة، أعلنت شرطة أبين، في بيان، الاستعداد لعملية واسعة داخل المحافظة.
وفيما يمكن أن يعتبر أول خطوة عملية ضمن هذا السياق، قادت ألوية العمالقة مساعي مهمة لتوحيد الجهود بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، وقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة أبين.
وفق بيان لمركزها الإعلامي، استضافت ألوية العمالقة قيادات عسكرية وأمنية من قوات الشرعية وقيادات الحزام الأمني في أبين بحضور محافظ أبين أبو بكر حسين سالم، وذلك لتنسيق الجهود بهدف التصدي للعناصر الإرهابية التي تحاول زعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة. كما ناقش اللقاء تشكيل غرفة عمليات مشتركة.
يمكن القول إن دعوة هذه الأطراف إلى تجاوز الماضي، وترجمة ذلك إلى خطوات عملية سريعة وجادة، أمرٌ نابع من استشعار حقيقي لخطورة الوضع في أبين وشبوة، إذ أنّ التأكيد على ضرورة تطهير المحافظتين من تنظيم القاعدة، جاء بعدما بدأت عمليات الأخير تأخذ طابعا مختلفا يتسم بالجرأة الزائدة والتصاعد المتسارع.
نشاط عملياتي متصاعد
خلال أقل من شهر، نفذت القاعدة أكثر من ست عمليات، معظمها وأكثرها دموية في محافظة شبوة، التي لم لم تشهد أي هجوم مماثل عندما كانت خاضعة لسيطرة حزب الإصلاح بين العامين 2019 -2021.
إلى جانب أنّ هذا العدد من العمليات يعتبر كبيرا، هو يشير أيضا إلى أن التنظيم تخلى عن سياسة عدم لفت أنظار خصومه إلى مناطق تواجده، رغم انحسار هذه المناطق خلال السنوات الأخيرة وبشكل كبير.
يلجأ التنظيم إلى هذه السياسة ـ أي تجميد النشاط لصرف الانتباه ـ حين لا يكون مستعدا لخوض مواجهات للدفاع عن مناطقه أو حين يجد صعوبة في التنقل بين منطقة وأخرى داخل المحافظة ذاتها أو من محافظة إلى أخرى.
في هذا السياق قد يبدو التصعيد العملياتي الأخير غير منسجم مع الظروف الحالية للتنظيم الذي انحصر وجوده في الآونة الأخيرة في نطاق جغرافي صغير، وأصبحت حركة تنقله صعبة للغاية.
بناء على ما تقدم يبرز تساؤل مهم: في أي سياق يمكن قراءة عمليات تنظيم القاعدة الأخيرة، وكيف سيكون شكل الحرب القادمة ضده؟
عمليات استباقية
في السياق، يعتقد جهادي سابق أن تنظيم القاعدة لم يتخل عن سياسة عدم لفت الأنظار إلى مناطق تواجده، لكنه “يستبق حربا متوقعة عليه”، حد تعبيره.
وأوضح، في حديث مع “سوث24″، أنّ التنظيم وبسبب التغيرات التي شهدتها محافظة شبوة، يتوقع حربا غير مسبوقة ضده في المحافظة، ومن صالحه أن يستبقها بعمليات تُربك الوضع الأمني، على حد وصفه.
مع ذلك، يرى الجهادي السابق أنّ التنظيم لم تعد لديه القدرة على خوض مواجهات تقليدية للدفاع عن مناطق تواجده أو لإلحاق خسائر بخصومه قبل انسحابه منها، كما كان يفعل في السابق.
ولم يستبعد الرجل أيضا “أن يكون التنظيم قد رتَّب وضعه في المحافظة بطريقة مختلفة، تتناسب وظروفه الحالية.”
فالتنظيم تمكن، خلال سيطرة الإصلاح على المحافظة، من الوصول إلى أماكن لم يكن يصل إليها في السابق، داخل العاصمة عتق وخارجها، كما يزعم. وأشار إلى أنه ربما وجد الفرصة والوقت لترتيب وضعه خارج محاضنه الوعرة والبعيدة، وهو ما يفسر تنفيذه لعمليات خلال مُدد متقاربة داخل مدينة عتق.
وطبقا للجهادي السابق فإنّ هذا التطور يعني أنّ “الحرب على التنظيم يجب أن تتخذ شكلا جديدا، بحيث يكون فيها الجهد الاستخباراتي والأمني أكبر من الجهد العسكري.”
ويختتم حديثه بالقول: “إنّ التنظيم، وبسبب أسلوب تخفيه الجديد “المحتمل”، قد يتمكن من تنفيذ عمليات كبيرة وفي أماكن غير متوقعة داخل المحافظتين، لكنَّ هذه العمليات، وفقا للجهادي السابق، لا تعكس بحال من الأحوال تنامي قوته ونفوذه.”
غير أنَّ بيان تنظيم القاعدة الأخير قد يفسّر هذا التطور على نحو مغاير قليلا، إذ يُمكن أن يفهم منه أنَّ التنظيم أراد تحويل محافظة شبوة إلى ساحة لعملياته مع إبقاء محافظة أبين كخط خلفي ينطلق منه ويعود إليه.
حكومة شقرة
يمكن القول إن إعلان شرطة أبين عن عملية عسكرية شاملة في المحافظة فاجأ تنظيم القاعدة كثيرا، كون قوات الشرطة محسوبة على الشرعية التي ساندها التنظيم خلال حربها على المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين بين العامين 2019 و 2021.
لهذا السبب، سارع التنظيم إلى إصدار بيان أكد فيه أن عملية مديرية أحور الأخيرة كانت تصرفا فرديا من بعض أفراده. وأشار البيان إلى أنّ هذا التصرف يخالف سياسية التنظيم “الشرعية” في عدم استهداف “حكومة شقرة” في الوقت الحالي، على حد تعبيره.
التنظيم ذكَّر هذه الحكومة بتصرفات فردية مشابهة من قِبل عناصر تتبعها ضده، وأيضا بما وصفها “انتهاكات” من قبل سلطات محافظة مأرب، على اعتبار أنّ الجميع يحملون نفس التوجه.
وحتى لا يبدو بيان تنظيم القاعدة، أو رسالته إلى شرطة أبين، بمثابة استجداء، استدعى التنظيم ما اعتبرها مخاطر أو مخاوف مشتركة تهدد الطرفين، كالقوات المدعومة من الإمارات (قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية وقوات ودفاع شبوة) فضلا عن الحوثين. إضافة إلى ذلك، أكّد أنه مستعد للمواجهة المسلحة إن ذهبت “حكومة شقرة” إليها.
كما حاول البيان دغدغة مشاعر قبائل المحافظة بالحديث عن الرافضة وأهل السنة.
يشير بيان تنظيم القاعدة إلى وجود قلق حقيقي من جهود توحيد الصف لشن علميات أمنية وعسكرية ضده في أبين وشبوة، غير أنَّ ما أفصح عنه البيان حول علاقة التنظيم بالقوات المحسوبة على الشرعية أو على الإخوان المسلمين، يستدعي كذلك الحذر.
الأمر المهم فيما تضمنه البيان هو الحديث عن العمليات المتبادلة بينه وبين القوات المحسوبة على الشرعية، كتصرفات فردية من الطرفين، بعيدا عن عمليات الاستهداف المحكومة بالحرب الدولية على الإرهاب.
لكنَّ الأهم من ذلك كله، هو أنّ المناطق التي خضعت لسيطرة الإخوان المسلمين [حزب الإصلاح]، في محافظات مأرب وشبوة وأبين، كانت ملاذات آمنة للتنظيم في أسوأ مراحله، كما يمكن أن يفهم من البيان الأخير. من السهل ملاحظة أنه كلما تقلصت مساحة نفوذ الإخوان في اليمن، تقلصت معها مساحة نفوذ القاعدة.
ملامح الحرب القادمة
يشير حرص تنظيم القاعدة على تحييد القوات المحسوبة على الشرعية عن أية عملية عسكرية ضده، وأيضا إعلانه عن جاهزيته للمواجهة في حال فُرضت عليه، إلاّ أن التنظيم غير مستعد حقيقةً لمواجهة عمليات أمنية وعسكرية في المحافظتين.
وبرغم عدم استعداده، إلا أنه قد يضطر للمواجهة، على اعتبار أن استراتيجية الانسحاب والانتقال إلى مناطق أخرى، داخل أو خارج المحافظتين، باتت مكلفة ومحفوفة بالمخاطر.
من هنا وجَّه التنظيم رسالته، بما تضمنته من تهديد مبطَّن، إلى شرطة أبين بعد إعلانها الأخير. بحكم الشراكة السابقة في الحرب ضد الانتقالي، تعرف تلك القوات أكثر من غيرها مداخل ومخارج التنظيم في المحافظة.
غير أنّ العمليات ضد تنظيم القاعدة لن يُكتب لها نجاحٌ بالشكل المطلوب، ما لم تنطلق بشكل متزامن في محافظتي أبين وشبوة، مع عدم إعطاء دور رئيسي فيها لشركاء التنظيم السابقين.
إبراهيم علي*
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية