رشا عمار
صحفية مصرية
يبدو أنّ اليأس قد بلغ ذروته داخل جماعة الإخوان المسلمين بالتزامن مع واقع مرير تعيشه الجماعة إثر حالة الانهيار التنظيمية التي كادت أن تكتب نهاية التنظيم، بالإضافة إلى فشل كافة محاولاتها من أجل المشاركة في الحوار الوطني بين القوى السياسية، الذي ترتب له مصر في الوقت الراهن بمشاركة مختلف الأطياف السياسية والمفكرين وقادة الرأي، تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
الجماعة التي تعاني حالة تشظٍّ تنظيمي غير مسبوقة، وتنقسم بالفعل إلى (3) تيارات متصارعة، بعدما أغلقت في وجهها كافة السبل، ولم تتمكن من النفاذ إلى طاولة الحوار السياسي في مصر، ومن ثم قطع أيّ طريق للعودة إلى المشهد السياسي، زعمت من خلال جبهة المكتب العام، المحسوبة على إخوان مصر، أنّها لم تتقدم بأيّ طلبات للمشاركة في الحوار، وأنّها ترفض الأمر، وهو ما وصفه مراقبون بأنّه محاولة بائسة للحفاظ على ما تبقى من التنظيم أمام قواعده.
البيان الذي جاء في اليوم الثاني من زيارة أمير قطر تميم بن حمد للقاهرة، عكس حالة الانهيار الكبير داخل التنظيم جراء التفاهمات الإقليمية التي تحدث في الوقت الراهن، والتي ربما تتطلب تخلي بعض الأنظمة الداعمة لهم عنهم بشكل شبه كامل، بحسب المراقبين.
احتدام الصراع الداخلي
ويرى المراقبون أنّ البيان الذي حمل رسائل متناقضة ارتد عكسياً على التنظيم، لأنّه أظهر جلياً حالة الانهيار الكاملة التي وصلت إليها جماعة الإخوان، ومدى الانقسام الداخلي حول الأهداف والرؤى الخاصة بمستقبل التنظيم، كما حمل هجوماً حاداً من جانب ما يُسمّى هيئة المكتب العام التابعين لمعسكر إخوان مصر بإسطنبول لإبراهيم منير وجماعته.
وبهذا الصدد أورد البيان: “أنّ المكتب العام يؤكد بكل وضوح أنّه ما من جهة من الجهات المتنازعة حول القيادة الآن بجماعة الإخوان المسلمين لها الحق في التفاوض باسم الجماعة، فكلّ تيار ينتمي إلى مدرسة الإخوان له قراره وفقاً لاجتهاده، ويظل الإخوة بالسجون لهم قرارهم الخاص لا يمليه عليهم أحد، ولا يزايد عليهم أحد، ولا يتاجر باسمهم أحد”.
الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب عمرو فاروق يصف البيان بأنّه هش للغاية، ودليل قاطع على انهيار فكرة المركزية لدى جماعة الإخوان، وأنّها أيضاً بلغت حالة من اليأس والتشتت أفقدتها أيّ قدرة على التركيز من أجل كسب أيّ أهداف جديدة، قائلاً: “الجماعة تلعب الآن في الجانب الخاسر فقط، وليس لديها قدرة على التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وباتت مثقلة بهيكلها التنظيمي، القابل للتفكك والتحول إلى تيار عام في أيّ وقت، وهو توجه يدعمه قطاع واسع داخل الإخوان”.
تفنيد مزاعم الإخوان حول المشاركة في الحوار الوطني
وفي قراءته لما جاء في البيان، يقول فاروق في تصريح لـ”حفريات”: إنّ جماعة الإخوان تحاول من خلال هذا البيان الترويج لمجموعة من المزاعم؛ أبرزها وأهمها أنّها ترفض فكرة المشاركة في الحوار السياسي الذي يجري الإعداد له في مصر في الوقت الراهن، وهذا أمر مخالف للحقيقة بشكل كامل ولا يمتّ للواقع بصلة.
وبحسب فاروق، تقدمت جماعة الإخوان من خلال عدد من حلفائها، وكذلك بطلب وساطة من إحدى الدول العربية، من أجل السماح لها من جانب الدولة المصرية بالمشاركة في الحوار الوطني، وبالفعل تم رفض كافة هذه المطالب، والتعامل مع الجماعة في ضوء ما يقرّه القانون المصري كونها تنظيماً إرهابياً متورطاً بعمليات عنف واغتيالات.
عمرو فاروق: فكرة المصالحة مع جماعة الإخوان مرفوضة تماماً من جانب الدولة المصرية، وهو أمر مشروط بالكثير من الاعتبارات أهمها إعلان الجماعة مراجعات فقهية وفكرية شاملة والاعتراف بالأخطاء
وينوه فاروق إلى أنّ فكرة المصالحة مع جماعة الإخوان مرفوضة تماماً من جانب الدولة المصرية، وهو أمر مشروط بالكثير من الاعتبارات؛ أهمها إعلان الجماعة مراجعات فقهية وفكرية شاملة، والاعتراف بالأخطاء، لكن ما سعت تلك الوساطات لإحداثه خلال الفترة الماضية هو مجرد تحقيق حالة من التفاهمات مع الدولة المصرية حول عدد من الملفات.
ويشير فاروق إلى أنّ جماعة الإخوان في سبيل تحقيق هذه التفاهمات، وفي محاولة لاستجداء الدولة المصرية، قامت بإغلاق عدد من المنصات الإعلامية التي اعتادت على بث خطاب تحريضي ضد القاهرة من دول مثل قطر وتركيا ولندن، وكذلك أوقفت، بحسب معلوماته، عدة مشروعات بحثية ومراكز كانت تستهدف العمل على مخططات بهدف تشويه إنجازات الدولة المصرية وتأليب الرأي العام.
ويوضح فاروق أنّ القاهرة ترفض أيضاً أيّ تفاهمات مع التنظيم، الذي يحاول من خلال وسطاء التوصل إلى لجنة العفو الرئاسي، والزج بأسماء بعض عناصره ضمن قوائمها، مؤكداً أنّ الجماعة قدّمت الكثير من التنازلات في إطار ذلك، متوقعاً أن تلجأ بعض الدول التي شكلت ملاذاً آمناً للإخوان بعد عام 2013 إلى تسليم بعض القيادات المطلوبين لدى القاهرة، في محاولة لتحقيق تفاهمات مستقبلية بهذا الملف.
كما تحاول الجماعة، بحسب فاروق، تحسين صورتها لدى الشارع، وكسر حالة النبذ الشعبي والمجتمعي لها، لكنّها فشلت في تحقيق ذلك أيضاً.
تيار يحفز على استمرار العنف
ويشير فاروق إلى أنّ المجموعة التي أصدرت البيان قد وجدته فرصة مناسبة لكيل الاتهامات لأطراف الصراع الأخرى داخل التنظيم، خاصة أنّ هذه المجموعة كانت من التيار الذي حرّض على فكرة استمرار العنف واستهداف مؤسسات الدولة في مصر، ولذلك فإنّهم لا يدعمون التنازلات الخاصة بالاعتراف بأخطاء التنظيم.
تجدر الإشارة إلى أنّ البيان الذي نُشر منسوباً إلى هيئة المكتب العام للإخوان جاء فيه: إنّ “المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين تابع ما أثير مؤخراً من أخبار حول تواصل بعض الأنظمة مع بعض القيادات بالجماعة لترتيب تسوية مع السلطة في مصر، ضمن مشروع إقليمي، وإذ نوضح ابتداء أنّ المكتب العام للإخوان المسلمين لا يؤكد ولا ينفي تلك الأنباء، إلا أنّنا نؤكد أنّنا لم ولن نكون جزءاً من مثل تلك الترتيبات حال حدوثها”.
وأضاف: “نؤكد بشكل واضح لا جدال فيه، أنّنا لن نكون جماعة وظيفية أو جزءاً من أيّ تسويات إقليمية بصناعة أمريكية صهيونية، ولن نكون دمية في يد هذا النظام”.
وتابع: “يؤكد المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين أنّنا، إذ أوضحنا موقفنا من السلطة في مصر، ومن الترتيبات الإقليمية الجارية، لكنّنا نُقدّر سعي كلّ دولة لتحقيق مصالحها، ولا نعيب على أحد اختياراته السياسية، ونتقدم بالشكر والامتنان لكلّ الأطراف التي وقفت موقفاً شريفاً من ثورتنا في أيّ وقت من الأوقات، ولكنّنا متمسكون بقضيتنا التي ستفرض نفسها يوماً ما، فالمعركة ما زالت مستمرة، وإنّما هي صولات وجولات”.
المصدر : حفريات