فلسطين- مرال قطينة
بعد سلسلة من التسريبات الإعلامية التي طاولت أحداثاً سرّية وتفاصيل عملياتية عسكرية إسرائيلية في الخارج ومن داخل الغرف المغلقة، رصدت أجهزة الأمن الإسرائيلية عشر حالات تسريب لمعلومات سرّية حساسة، تناولت مداولات أمنية خلال الشهرين الماضيين، تتعلق بإيران، حيث أمر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مدير الأمن وطاقم وزارة الدفاع أو ما يعرف بالوحدة “مالماب” بفتح تحقيقات حول مصدرها، معتبراً أن “التسريبات تضرب أسلوب التعتيم والضبابية التي تتبعها المؤسسة الأمنية، كما أنها تتم على نحو يخالف سياسة الغموض التي تنتهجها إسرائيل”.
آخر التسريبات كان يوم الخميس الماضي، عندما بثت القناة “12” الإسرائيلية تقريراً تلفزيونياً خلال النشرة المسائية، احتوى على مشاهد فيديو وتسجيلات لمّحت بشكل قوي إلى مسؤولية إسرائيل عن الهجوم السيبراني الذي طاول ثاني أكبر مصانع الصلب في إيران، والذي وقع يوم الاثنين الماضي، في مصانع “شركة خوزستان الإيرانية للحديد” المملوكة من الدولة وأجبرها على وقف الانتاج، وأدى الى نشوب حريق كبير فيها، بينما سمع صراخ لأشخاص في المكان يطلبون المساعدة.
وذكرت القناة بشكل شبه واضح، وقوف الوحدة “8200” التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وراء الهجوم السيبراني على إيران، وأشارت القنوات الإسرائيلية (11-12-13) إلى أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي قد زار مؤخراً مقر الوحدة “8200”، ليشكرهم “على سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة التي ساهموا في تنفيذها في الخارج”، وتم عرض مقطع الفيديو عليه مباشرة بعد الهجوم، وبحسب المراسل العسكري للقناة “يبدو أنه كانت هناك الكثير من العيون المفتوحة أثناء الزيارة”.
يذكر أن إسرائيل تنتهج سياسة الغموض في ما يتعلق بعملياتها ضد إيران، التي تنخرط وإسرائيل على حد سواء منذ سنوات عدة في حرب سيبرانية سرية الى حد كبير، لكنها تطفو على السطح أحياناً. وفي سابقة قد تعتبر الأولى تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بنيت مراراً عن “عقيدة الأخطبوط” لضرب إيران مباشرة، على الرغم من أنه لم يؤكد أي معلومات عن حدث معين أو عملية محددة، وسط تقارير عديدة عن اغتيال (تسميم) مسؤولين إيرانيين كبار داخل ايران.
تسريب القناة “12” الإسرائيلية لم يكن الأول، فقد سبقته موجة من التسريبات خلال الأسابيع والأيام الماضية، حيث تكرر نشر التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، عن خلافات بين موقفي الجيش الإسرائيلي ممثلاً بشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، وجهاز الاستخبارات الخارجي”الموساد” بشأن المفاوضات حول الاتفاق النووي الجديد مع إيران.
أما أبرز هذه التسريبات التي أثارت حفيظة غانتس، فهي المعلومات التي تم تسريبها إلى صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية، حول
المراسلات الأميركية – الإسرائيلية التي اعترفت فيها تل أبيب بمسؤوليتها عن عملية أغتيال العقيد في “الحرس الثوري” الإيراني حسن صياد خدايي.
ثالث هذه التسريبات جاء في التقرير الذي نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية من أن هناك جهات سياسية وأمنية بقيادة “الموساد” تعتقد أنه يحظر على إسرائيل تغيير سياستها الحالية تجاه الاتفاق النووي الجديد، وأنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون شريكة في أي اتفاق سيئ تنتهي صلاحيته قريباً، ولا يوجد فيه أي رد على الثغرات التي كانت موجودة أصلاً في الاتفاق السابق مع القوى العظمى.
وفي المقابل، ترى قيادة الجيش ممثلة برئيس هيئة الأركان كوخافي، وكبار ضباط شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” و”شعبة إيران”، الذين يؤيدون العودة الى الاتفاق السابق، وقالوا في الغرف المغلقة أنه يبعد إيران عن صنع قنبلة نووية، كما أنه يمنح إسرائيل مهلة زمنية ويتيح لها الاستعداد من أجل الخيار العسكري. يومها علق وزير الدفاع على التقرير “بأن الخلافات وتفاصيل الخطاب التي تتعلق بالاتفاق النووي الإيراني يجب أن تبقى خلف الأبواب المغلقة”.
كذلك فإن التحقيق من المتوقع أن يطاول رابع هذه التسريبات عن “تهديد الطائرات الإيرانية من دون طيار من العراق”، ففي 21 من شهر حزيران (يونيو) الماضي، أسقطت طائرة مقاتلة أميركية طائرتين مسيّرتين في الأجواء العراقية، تم إطلاقهما من إيران، وكان التخوف الإسرائيلي يومها أنهما في طريقهما للانفجار فيها بحسب ما أوردت هيئة البث الإسرائيلية “كان” عن مصادر عسكرية.
أما التسريب الخامس، فكان خبر زيارة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي كوخافي الى مصر، بحسب ما أفادت “الوول ستريت جورنال” نقلاً عن مسؤولين أميركيين ومن الشرق الأوسط (إسرائيليين)، أن الولايات المتحدة عقدت لقاءً أمنياً سرياً في مصر في شهر آذار (مارس) الماضي، تناول “تهديد الطائرات المسيّرة” التي تطلقها إيران، بمشاركة ضباط رفيعي المستوى من الجيشين الإسرائيلي والسعودي.
التسريب السادس، تناول الهجمات الإسرائيلية في سوريا، بخاصة بعد استهداف مدرج مطار دمشق، حيث نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” تحليلاً للصحافي والخبير في الشؤون الدفاعية يوآف ليمور تناول فيه “الأهداف الإسرائيلية من الهجوم الأخير على مطار دمشق الدولي”، والذي اعتبر فيه أن الضربة الإسرائيلية لم تكن تستهدف إيران، بل كانت إسرائيل تسعى للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، لتبني موقفاً أكثر حزماً ضد استخدام إيران أراضيه، فيما صرح كوخافي يومها أن إسرائيل نفذت عشرات الضربات في المنطقة.
وعادة ما تنسب وسائل الإعلام الأجنبية الهجمات على سوريا، لإسرائيل، بينما يلتزم المستوى السياسي والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سياسة الصمت في الغالب، ونادراً ما يتم التلميح الى القيام بتنفيذ هجمات معينة أو قصف مباشر لأهداف محددة.
في المقابل، أشار المراسل العسكري لموقع “واللاه نيوز” العبري أمير بوحبوط عن وجود خلافات بين مكتب وزير الدفاع غانتس ومكتب رئيس هيئة الأركان.
بينما رأت المراسلة العسكرية لهيئة البث الإسرائيلية “كان” كاراميلا مناشيه، خلال مداخلة لها في نشرة الأخبار للتعليق على فتح تحقيق في التسريبات المذكورة “أنه يجب تذكير مسؤول الأمن ولجنة التحقيق في وزارة الدفاع المكلفين إجراء التحقيقات التي تضر بسياسة الغموض الإسرائيلية، أن من يسيء ويضر بهذه السياسة، ليسوا الصحافيين بل أولاً وقبل كل شيء هم من داخل المنظومة، إنهم كبار الضباط ورؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
المصدر: النهار العربي