كريتر نت – سوث24 | رعد الريمي
تتميَّز محافظة شبوة، جنوب اليمن، بثروات نفطية وغازية من بين الأغنى في البلاد إلى جانب جارتها حضرموت. وتنتشر في المحافظة العديد من الحقول النفطية الهامة، بالإضافة للموانئ والمنشآت النفطية الحيوية والاستراتيجية.
ولكنَّ كغيرها من القطاعات النفطية في جنوب اليمن، يستحوذ على قطاعات شبوة النفوذ الذي عززّه نظام الوحدة اليمنية على مدى عقود. لقد خلقت حالة اللادولة شبكات فساد تسيدها نافذون شماليون من قادة النظام وشيوخ القبائل، بالإضافة لبعض الشركاء من الجنوب تحت أسماء وشركات معظمها وهمية.
وارتبطت شبكات النفوذ بالشركات النفطية الدولية التي وجدت في شبوة بيئة خصبة للاستكشافات النفطية والغازية قليلة التكلفة، حيث لا رقابة حقيقية على أنشطة هذه الشركات وطرق عملها لضمان الحفاظ على الثروات والمقدرات والاستفادة السليمة والمثلى منها.
قطاع واعد
قال المهندس والأكاديمي محسن صالح عبد الحق لـ “سوث24” أنّ محافظة شبوة هي المنتج الثاني للنفط في البلاد بعد حضرموت بمعدل إنتاج 60 ألف برميل يوميا.كما تعد “ثاني محافظة في البلاد من حيث إنتاج الغاز بعد محافظة مأرب، والأولى في البلاد من حيث احتياطي الغاز”.
وأضاف: “إذا ما وجدت الإدارة الصحيحة للحقول النفطية في شبوه من قبل شركة وطنية خاصة بأبناء شبوة فإنَّها سوف تصبح في المستقبل القريب المنتج الأول للنفط والغاز”.
وشدد رئيس نقابة الهيئة العامة لاستكشاف وإنتاج النفط، والأمين العام للنقابات العامة للنفط والمعادن، محمود محمد سعيد، على “أهمية قطاع شبوة ليس مخزونها النفطي والغازي البكر فقط، ولكن أيضاً الموانئ النفطية التي توجد في المحافظة ونظام [بيب لاين] الذي يسمح للشركات الدولية بضخ النفط من خزانات ضخمة إلى الموانئ لتزويد السفن والبيع”.
وذكرت دراسة أكاديمية للدكتور عبد الملك بن حجر، تحصل عليها سوث24، أهم القطاعات النفطية في شبوة وإنتاجها النفطي قبل حرب 2015، وهي:
1. قطاع S2- العقلة وتديره شركة OMV النمساوية وكان ينتج (20 ألف برميل يومياً).
2. قطاع S1- بيحان وتديره شركة (أوكسيدنتال Oxy) الكندية وكان ينتج (10 آلاف برميل يوميا).
3. قطاع 5- جنة هنت- عسيلان وكانت تديره شركة (هنت جنة الأمريكية- وشركائها) وكان ينتج (30-40 ألف برميل يومياً).
4. قطاع 10- شرق شبوة وتديره شركة (توتال الفرنسية) وكان ينتج (50 ألف برميل يومياً) وهو مشترك بين القطاع الحكومي والخاص.
5. قطاع 4- منطقة عياذ وتديره (الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية)، وهي شركة حكومية.
وحول ذلك، قال المهندس عبد الحق: “شبوة يوجد بها أكثر من 16 قطاع نفطي واستكشافي. هناك احتمالية من الدرجة الأولى لاستكشاف النفط والغاز في القطاعات الاستكشافية. يوجد أيضاً في شبوة أكبر ميناء في البلاد لتصدير الغاز، وهو ميناء بلحاف”.
فساد وغياب للرقابة
لكن كما يقول المهندس عبد الحق: “الفساد في القطاع النفطي بشبوة كبير ويرافقه إهمال وإقصاء متعمد. حتَّى الآن لا توجد شركة نفطية وطنية خاصة بالمحافظة نظير بترومسيلة بحضرموت وصافر في مأرب”.
وأضاف: “كما يتمثل الفساد في عبث نقل تشغيل كثير من الآبار من شركة إلى أخرى بشكل غير قانوني مثل القطاع4 بمنطقة عياذ الذي لا يتجاوز إنتاجه 50 برميلاً بعد أن كان إنتاجه في 1996 عشرة آلاف برميل”.
وتابع: “قطاع20 في المحافظة هو الآخر تعرض للفساد. هذا القطاع مُصنف كمنتج بوزارة النفط رغم عدم تصدير برميل منه نتيجة فساد الشركات التي عملت فيه بدءاً من الشركات التابعة لمجموعة الرويشان [الشمالية]، ومرروا بشركة صافر وحتَّى شركة الاستثمارات النفطية التي نُقلت الصلاحيات إليها على الرغم من أنَّها ليست شركة مشغلة”.
وأردف عبد الحق: “وكذا قطاع S1 هو الآخر تعرض للفساد وتم بيعه في 2020 لشركة اسمها بيستك، وأيضاً مثل ما يحدث اليوم من محاولات لبيع قطاع S2 النفطي بمنطقة العقلة لشركة سبيك”.
وأضاف: “لم تتنجح هذه المحاولات حتَّى الآن بسبب الخلاف بين نافذي النفط وهو ما أدَّى لإفشال صفقات البيع بين الحكومة وبعض الشركات. لقد أدَّى ذلك لتدخل الرئيس هادي [1] في فترة سابقة وتحويل القطاع إلى اختصاص عمل شركة بترومسيلة التي عجزت عن تشغيله حتَّى الآن”.
القطاع 5
ولفت عبد الحق أيضاً إلى أن “قطاع5 [جنة هنت]، أحد أكبر القطاعات النفطية في البلاد، تعرض هو الآخر للفساد وتم بيعه من قبل هنت لشركة كويت أنرجي في 2013؛ ثم بُيع لشركة [ويلت كات] الصينية”. وذلك قبل أن يتم تسليمه لشركاء غامضين.
وحمل النقابي محمود سعيد خلال حديثه مع “سوث24″، الحكومة اليمنية ووزارة النفط ما اسماه بـ “فساد الشركات الدولية”.
واعتبر بأنّ”تعمد تغييب دور الهيئة العامة للاستكشافات النفطية من قبل الحكومة ووزارة النفط تحديدا ” قد “غيّب عنا جميع التفاصيل الهامة عن هذه الشركات الدولية وأثرها ودورها. ذلك فساد مطلق وواضح وضح الشمس في كبد النهار”.
ورأى سعيد أنّ “اتساع رقعة الفساد في ملف النفط في شبوة عائد سببه للتدخلات في صلاحيات الهيئة العامة للاستكشافات النفطية”. حيث “أغلب قضايا الفساد التي اكتشفت حدثت بعد أن قررت بعض الشركات الدولية النفطية ترك القطاعات التي كانت تستثمر فيها. بدلا من أن تعود ملكية تلك القطاعات إلى الهيئة العامة الاستكشافات النفطية، يتم إنشاء شركات محلية من الباطن”.
ولفت النقابي إلى أنَّ “هذه الشركات التي يتم إنشاؤها للأسف لا تعود واردات مبيعاتها من خام النفط إلى وزارة المالية أو البنك المركزي أو خزينة الدولة؛ وإنما تتبع شخصيات في رئاسة الجمهورية [سابقاً]”.
واستعرض سعيد عدداً من الشركات التي لا توَّرد إلى خزانة الدولة، ومنها: “شركة كنديان نكسن التي تحوَّلت حصتها إلى بترومسيلة، وشركة هنت التي تحولت حصتها إلى صافر، بالإضافة إلى شركات كثيرة ضُمت إلى ملكية أعمال بترومسيلة نظير ما حدث في قطاع المسيلة بحضرموت الذي كانت تستثمر فيها شركة توتال”.
وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد أوصى في تقرير سابق له في 2005 بضرورة إعادة النظر في أنظمة العمل والإجراءات المتبعة في الإشراف والرقابة على عمل الشركات النفطية في البلاد بين وزارة النفط والمعادن والهيئة العامة للاستكشافات النفطية”.
واتهم الخبير محمد سالم مجور وزارة النفط اليمنية بتدبير “صفقة فساد سيتم عبرها استئناف العمل قريباً في القطاع5 النفطي من قبل شركة بترومسيلة غير المختصة بتشغيل مثل هذه القطاعات”.
وقال مجور لـ «سوث24» إنَّ “عوائد القطاع النفطي محصورة في شخصيات وفي أعلى هرم بالدولة”. وأضاف: “ارتباط القطاع النفطي بأعلى هرم بالدولة يمثَّل بؤرة من أكبر بؤر الفساد التي تستنزف ثروات البلد”.
ثغرة قانونية
وفقاً للخبراء، “يمثل قانون القوة القاهرة [2] الذي يسمح للشركات النفطية الدولية بإيقاف أعمالها في القطاعات عند حدوث حرب أو كوارث طبيعية ثغرة قانونية تستغلها هذه الشركات في تعطيل قطاعات إنتاجية لسنوات دون تشغيل القطاع أو التنازل عن حصة تلك الشركة لشركات إنتاجية أخرى”.
قال مجور: “لقد توقفت عدد من القطاعات بسبب الأوضاع التي عصفت بالبلاد، ولكن لم يتم إعادة تشغيلها رغم هدوء الأوضاع”. وأضاف: “استأنفت شركة OMV النمساوية نشاطها في 2018 ولكنَّها لم تعمل على تطوير الحقول التي تعمل فيها وتنشيط الآبار”.
وقال مجور بأنّ “إنتاج الشركة انخفض حتَّى وصل إلى 4000 برميل يوميا.” وزعم بأنّ “قطاع 4 يعمل أيضا ولكن الشركة عملت على تدمير الحقول من خلال إهمالها ووصل الإنتاج إلى 100 برميل نفط يوميا فقط”.
وأعلنت شركة او ام في النمساوية المشغلة لقطاع “S2 العقلة” اعتزامها بدء عملية بيع أصولها وانسحابها التدريجي من اليمن، وفقا لما أورده الموقع النفطي العالمي بي آند إس جلوبال.
ومن المتوقع أن تسلّم الشركة أصولها لشركة جديدة تدعي “سبيك” غير معروفة بالقطاع النفطي ولم تتضح بعد هويتها.
نور يمن
أبلغت مصادر خاصة «سوث24» أنّ وزارة النفط اليمنية وافقت على تسليم القطاع النفطي 5 “جنة هنت” في وقت سابق لشركة غامضة تدعى “نور يمن” بالإضافة لشركة بترومسيلة، بتوجيهات من الوزير. ووفقا للمصادر فإنّ تعيين “بترومسيلة” لتشغيل القطاع، كان هدفه التغطية على دور الشركات الوهمية كـ “نور يمن”، لصالح شخصيات وشركاء غير معروفين.
وقالت المصادر أنّ هذه الخطوة جاءت نتيجة للعلاقة التي كانت تربط عائلة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي بمدير عام شركة “بترومسيلة” محمد بن سميط.
وتزعم المصادر أنّ شركة بترومسيلة ووزير النفط اليمني يضغطون لبيع النفط من القطاع 5 لصالح الشركاء الغامضين المسيطرين على القطاع.
وقالت المصادر لـ «سوث24» أنًّ شركة نور يمن تعمل من الباطن بشكل مخالف للقانون الجمهوري الصادر في 2012 بشأن إنشاء وتنظيم المجلس اليمني للشفافية في الصناعات الاستخراجية، وكذا [3] الاتفاقية مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وتحالف الشفافية في الصناعات الاستخراجية، التي تمنع العمل من الباطن. [4]
وأجرى «سوث24» بحثا موسّعا عن الشركة المزعومة “نور يمن”، ولم نجد لها أي بيانات على شبكة الإنترنت أو أي عنوان رسمي أو أي تعاملات رسمية في الأسواق المحلية أو ما يشير لعلاقتها بالقطاع النفطي.
غير أن مصادر نقابية عمالية خاصة أفادت لـ «سوث24» أنّ الشركة هي إحدى الشركات التي تعمل من الباطن في ظل تحفظ شديد عن المعلومات التي تخص هذه الشركة أو الجهة التي تعمل لصالحها وما إذا كانت هذه الشركة تورد أموالها للبنك المركزي للدولة أو تذهب إيراداتها لصالح شخصيات حكومية او خاصة.
لكن تقرير نشره موقع قطري، أمس السبت،زعم على لسان مصدر مسؤول بوزارة النفط اليمنية أن الوزارة “استعادت القطاع 5 “جنة هنت” النفطي في منطقة عسيلان بشبوة، وأفشلت محاولة تسليمه لشركة مجهولة.”
وكانت وزارة النفط نفسها قد أعلنت في نوفمبر الماضي أنّ شركة بترومسيلة للقطاع 5 (جنة هنت) استلمت من مجموعة المقاول (الشركاء) المشغلة للقطاع، بحضور وزير النفط والمعادن عبدالسلام باعبود.
وبحسب ما أوردته وكالة “سبأ” الرسمية فقد توقف الانتاج في قطاع 5 منذ عدة سنوات واستغلت بعض الشركات الأجنبية من أعضاء مجموعه المقاول فتره التوقف للقيام ببعض العبث المؤسسي في ملكية الحصص الأمر الذي استدعى تدخل وزارة النفط للعمل على استئناف عملية الانتاج.
وتواصل «سوث24» مع رئاسة الوزراء اليمنية بشأن الاتهامات الواردة في هذا التقرير، وأرسل خطاب رسمي بمجمل تلك الاتهامات إلى البريد الرسمي لسكرتارية رئاسة الوزراء، إلا أنَّنا لم نتلق ردا حتَّى لحظة نشر هذا التقرير.
كما تلقى «سوث24» وعوداً من مدير مكتب وزارة النفط بتنسيق مقابلة مع نائب الوزير، إلا أنَّه وبعد مماطلة استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع لم تتحقق أي من تلك الوعود.
رعد الريمي
صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات