هند سليمان
صحفية مصرية
بعد تآكل شعبية حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في الشارع التونسي على خلفية تورطها في العديد من الاغتيالات السياسية، لجأ عدد من قيادات الحركة، قيل إنّهم منشقون، إلى تأسيس حزب سياسي جديد بحثاً على ما يبدو عن ملاءة سياسية نظيفة تمكنهم من الانخراط مجدداً في الحياة السياسية في تونس، في الوقت الذي يشكك فيه مراقبون وسياسيون في قطع هذه القيادات صلتها بالنهضة وجماعة الإخوان المسلمين.
ووفقاً لموقع إذاعة “موزاييك” التونسية، فقد أعلنت قيادات، قالت إنّها منشقة عن الحركة، في مؤتمر صحفي مؤخراً تأسيس حزب ”العمل والإنجاز”، يترأس فيه عبد اللطيف المكي، القيادي السابق المستقيل من حركة النهضة، الأمانة العامة للحزب الجديد.
وجوه النهضة
يأتي تأسيس الحزب في توقيت لافت قبل أقلّ من شهر من الاستفتاء في 25 تموز (يوليو) الجاري، على دستور جديد يتصدى للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، على غرار حركة النهضة، على حدّ قول الصادق بلعيد رئيس اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد.
وفي حين تحاول القيادات إضفاء صبغة غير دينية على الحزب الجديد، الذي عرّف نفسه على أنّه “وطني محافظ اجتماعي ديمقراطي”، عبر تطعيمه ببعض الوجوه المدنية للالتفاف على مواد الدستور الجديد الذي “يتصدى” للأحزاب ذات المرجعية الدينية، ضم الحزب وجوهاً مستقيلة من حركة النهضة، مثل؛ زبير الشهودي وجميلة الكسيكسي ومعز بلحاج رحومة وريم التومي، وسط شكوك بأنّ الحزب الجديد ما هو إلا مناورة سياسية لإيجاد بدائل للنهضة التي اهتزت صورتها بشكل لافت، ولا سيّما بعد انهيار الاقتصاد الوطني، والكشف عن تورط الحركة في جرائم فساد مالي وسياسي وصلت إلى حدّ التآمر على الدولة.
في مطلع شباط (فبراير) الماضي، كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بـ”الوثائق” تورط حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين، وفي مقدمتهم بلعيد، في عشرية الإخوان. كما كشفت تورط الغنوشي ونجله، إضافة إلى آخرين، في جرائم غسيل الأموال، والقيام بتحركات مالية مشبوهة مع أطراف مرتبطة بدولة قطر لتمويل عمليات تسفير شبان تونسيين إلى سوريا للالتحاق بمعسكرات تنظيم داعش، فضلاً عن الاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والتجسّس على التونسيين.
عباءة “النهضة”
على الرغم من ادعاء قيادات “العمل والإنجاز” الانشقاق عن حركة النهضة، ما تزال رائحة إيديولوجية الحركة الإخوانية تفوح من أحاديثهم، فقد وصف المكي، الأمين العام للحزب الجديد، نظام الرئيس قيس سعيّد بـ”الانقلاب”، وهو المصطلح الذي تستخدمه الحركة وجماعتها الأم، وأصبحت متلازمة خاصة بهم.
ونقلت “موزاييك” عن المكي قوله: إنّ تأسيس هذا الحزب هو ردّ إستراتيجي على “الأزمة الكبيرة” التي تعيشها البلاد، إثر ما وصفه بـ”الانقلاب” الذي وقع داخل الدولة، في إشارة إلى الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في 25 تموز (يوليو) 2021، متهماً “الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية بأنّها أحزاب على الورق”.
استفتاء تموز
في تأكيد جديد أنّ الحزب الوليد لم يخلع عباءة النهضة، أكد المكي التزام “العمل والإنجاز” بمقاطعة استفتاء 25 تموز (يوليو) الجاري، وهو الموقف الذي لم يحد خطوة واحدة عن موقف الحركة الإخوانية.
وقبل أن تظهر ملامح الدستور الجديد، استبقت حركة النهضة النتائج ودعت أنصارها وجبهة الخلاص الوطني، المؤلفة من غالبية نهضاوية، إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور، مستغلة بعض النقاط في مواصلة محاولاتها تأليب الشارع التونسي ضد سعيّد.
ملامح سياسات الحزب الجديد
بينما كان المكي مكوّناً رئيسياً من مكوّنات حركة النهضة التي يحمّلها غالبية التونسيين المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع الاقتصادية خلال ما وصفوه بـ”العشرية السوداء”؛ أي الأعوام الـ10 التي أدارت فيها الحركة الإخوانية الحكم، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، لعب القيادي بجماعة الإخوان المسلمين على وتر الفقر والأوضاع المعيشية الصعبة لدى التونسيين، فقد وعد بـ”العمل على تقديم رؤى وسياسات” لحلّ مشكلة “انخفاض إنتاج الثروة”.
وقال المكي: “العدالة الاجتماعية ليست عدالة في الفقر، وإنّما عدالة اجتماعية للرفاه، والرفاه يقتضي خلق الثروة، وكلّ المؤشرات تدل على تدني مستوى خلق الثروة”.
أخلقة العمل السياسي
امتداداً لمناهج جماعة الإخوان المسلمين، التي ترى عادة أنّ المناخ السياسي السائد “فاسد” لتبرير عملها على تغييره إمّا بالقوة، وإمّا بالدعوة القائمة على وصايا مؤسس الجماعة حسن البنا، قال المكي: “سنعمل على أخلقة العمل السياسي”، ممّا يطرح العديد من التساؤلات حول أدوات “العمل والإنجاز” لـ”أخلقة العمل السياسي”.
وفي حين تعهد بأنّ الحزب الجديد “سيمنع نفسه من الخوض في صراعات إيديولوجية”، هاجم المكي الإيديولوجيات السائدة قائلاً: “إنّنا نعيش انهياراً أخلاقياً وسيادة للكذب للتأثير في الحياة السياسية”.
و”أخلقة العمل السياسي” مصطلح تستخدمه جماعة الإخوان المسلمين لتبرير تمسّكها المستميت بالعمل السياسي تناغماً مع وصية البنا “إنّ المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر، في شؤون أمته، مهتماً بها غيوراً عليها”.
مناورة سياسية
الانشقاق في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين المعاصر عُرف على أنّه أحد أدواتها السياسية المفضلة لتحقيق أهداف متعددة في آنٍ واحد، فقد لجأت الجماعة وأذرعها إلى الانشقاق الوهمي في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر، لتفتيت الأصوات خلال الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، ولضمان فوزها بالانتخابات سواء عن طريق المرشح الرئيسي أو “الاستبن”، غير أنّ مقت الشارع السياسي للجماعة في عدد من الدول، دفع الجماعة إلى التفكير في بدائل، من بينها الانشقاق الوهمي الذي يضمن لها البقاء في المشهد السياسي تحت مظلات مختلفة.
ويشكك متابعون لمجريات الأحداث السياسية في تونس في قطع القيادات المنشقة عن النهضة مع الحركة، خاصة أنّ أغلب هذه القيادات لم تقم بأيّ مراجعات تُذكر، وما تزال تنكر أيّ دور للحركة في الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، رغم أنّها قادت أغلب الحكومات منذ العام 2011، فقد نقلت صحيفة “العرب” اللندنية عن المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أنّه “من الصعب على هذه القيادات، حتى وإن صرحت بأنّها قطعت مع الحركة، أن تقطع مع النهضة والمرجعية الإخوانية التي تمثلها”.
وتابع العبيدي: “نحن نعرف مثلاً أنّ المكي كان في خلاف كبير مع الغنوشي لخلافته في النهضة، ما الذي تغير؟ أعتقد أنّ هذه مناورة جديدة من الحركة في ظل المستقبل المجهول الذي تواجهه، خاصة بعد فتح بعض الملفات المتعلقة بها على غرار ما يُعرف بالجهاز السري”، مؤكداً: “لذلك يبدو أنّ الحركة، والشق الكبير من قياداتها البارزة، بدأت تبحث عن بديل ليكون أشبه بطوق نجاة سياسي لها في المرحلة المقبلة، لا أعتقد أنّ هؤلاء قطعوا مع المرجعية الإخوانية، ولا أعتقد أنّهم سينجحون في إقناع التونسيين بأيّ شيء”.
ويخوض الرئيس التونسي قيس سعيّد مواجهات مع حركة النهضة الإخوانية على عدة جبهات، آخرها تعديل الدستور الذي تمّت صياغته في عهد الإخوان، وفي نهاية آذار (مارس) الماضي أعلن الرئيس التونسي حلّ البرلمان، بعد (8) أشهر من تعليق أعماله في 25 تموز (يوليو) 2021، ضمن إجراءات استثنائية وصفها خصومه بأنّها “انقلاب على الشرعية”، بينما أكد هو أنّها تصحيح للمسار الثوري.
ومن المقرر إجراء استفتاء شعبي على دستور جديد في 25 تموز (يوليو) الجاري، تمهيداً لإرساء نظام حكم جديد في البلد الذي يشهد تدهوراً اقتصادياً حمّل التونسيون مسؤوليته لعشرية حكم الإخوان.
ومنذ توليه الرئاسة عام 2019 انتقد سعيد، أستاذ القانون الدستوري، عدة مرات النظام السياسي ودستور 2014. وأظهرت نتائج الاستشارة الإلكترونية الوطنية التي أجرتها رئاسة الجمهورية في الفترة بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) الماضيين أنّ حوالي 86% من المشاركين يريدون تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي.
المصدر : حفريات