كريتر نت – العرب
وجه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بتخصيص ميزانية قدرها عشرون مليار ريال لاحتواء أثر ارتفاع أسعار المواد الأساسية الذي بات يلقي بثقله لاسيما على الفئات الهشة داخل المملكة، وسط استبعاد أن تؤثر هذه الزيادة في الإنفاق على تطلعات الرياض في تحقيق فوائض مهمة في موازنتها العامة في ظل المكاسب الاستثنائية التي حققتها من ارتفاع عائدات النفط.
ولم تكن الدول الخليجية الثرية بمنأى عن ارتفاع معدلات التضخم التي تشهدها أنحاء المعمورة، بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وهو ما دفع بعض دول الخليج على غرار المملكة العربية السعودية إلى التحرك واتخاذ حزمة من الإجراءات لتخفيف الضغوط عن مواطنيها.
وحققت السعودية كما غيرها من دول الخليج المنتجة للنفط في الأشهر الأخيرة عائدات هامة من هذه المادة، لكنها تعاني من التضخم بسبب تأثر جميع السلع التي تستوردها بزيادة أسعار النفط، فضلا عن اضطراب سلاسل التوريد تأثرا بالحرب الأوكرانية المندلعة منذ فبراير الماضي.
ويقول خبراء اقتصاد إن السعودية تجد نفسها اليوم مضطرة لتحقيق معادلة توفق بين ريع نفطي عال وأسعار مناسبة لمواطنيها من السلع الأساسية، مشيرين إلى أن القرارات التي تم اتخاذها مؤخرا تندرج في هذا السياق.
وأصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الاثنين أمرا بصرف عشرين مليار ريال (5.33 مليار دولار) لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار، على أن يكون نصفها لمستفيدي الضمان الاجتماعي وبرنامج “حساب المواطن”.
ووجه العاهل السعودي بتخصيص ملياري ريال (540 مليون دولار) لصرف معاش إضافي لمرة واحدة لمستحقي الضمان الاجتماعي للعام المالي الحالي.
ونصّت الأوامر الملكية على إعادة فتح التسجيل ببرنامج “حساب المواطن” وفق الضوابط المعلنة مسبقا، وتخصيص 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار) كدعم مالي إضافي للمستفيدين من البرنامج حتى نهاية العام المالي الحالي.
وتم أيضا تخصيص 408 ملايين ريال (109 ملايين دولار) كدعم مالي لمستفيدي برنامج “صغار مربي الماشية”.
وفي وقت سابق أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الشؤون الاقتصادية، على ضرورة مراعاة المواطنين الأكثر حاجة في مواجهة زيادة أسعار المواد الأساسية.
وشدد ولي العهد، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على “الأدوار المهمة للوزارات والأجهزة الحكومية ذات الصلة بمراقبة التطورات الدولية بما في ذلك المتعلقة بسلاسل الإمداد، ومتابعة الأسواق ووفرة المنتجات ومستويات الأسعار، وحماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة ومنع الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة أو على مصلحة المستهلك”.
ويمثل السعوديون نحو ثلثي سكان المملكة البالغ عددهم نحو 34 مليون نسمة. وتباين مستويات الثراء بين المواطنين أوسع كثيرا في السعودية عنه في دول خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر بشكل عام، إذ يعمل بعض السعوديين في وظائف بأجور زهيدة.
وقفز مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك (معدل التضخم) في المملكة بنسبة تخطت اثنين في المئة خلال مايو الماضي، على أساس سنوي.
ووفق الهيئة العامة للإحصاء السعودية فإن المحرك الأساسي لتضخم مؤشر أسعار المستهلك كان ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 4.2 في المئة، وأسعار النقل بنسبة 4 في المائة.
ويرى مراقبون أن الإجراءات التي أعلنتها السعودية ستحد نسبيا من وطأة ارتفاع الأسعار، لكن ذلك لا يعني انتهاء المشكلة ما لم تحصل انفراجة في الأزمة الدولية.
وكانت الإمارات العربية المتحدة اتخذت في وقت سابق قرارات مهمة على مستوى إعادة هيكلة برنامج محدودي الدخل، وقد خصصت ميزانية لذلك بلغت 28 مليار درهم (7.6 مليار دولار).
ويغطي البرنامج الجديد الذي أمر به رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مختلف المحاور الأساسية للأسر ذات الدخل المحدود بما يشمل علاوة رب الأسرة وعلاوة الزوجة وعلاوة الأبناء، والدعم المالي المخصص للسكن، والاحتياجات الأساسية مثل المواد الغذائية والماء والكهرباء والوقود، إضافة إلى الدعم المالي المؤقت للمواطنين العاطلين الباحثين عن العمل.
ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، ودعم الفئات الهشة في مواجهة التقلبات الاقتصادية الحاصلة، ومن غير المرجح أن تؤثر زيادة الإنفاق التي أقرتها السعودية والإمارات على موازنتهما العامة.
ويقول جيمس سوانستون من كابيتال إيكونوميكس إن زيادات الإنفاق تمثل 0.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي و1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي.
ويضيف سوانستون “من المعترف به أن التضخم في البلدين لم يرتفع بالسرعة التي ارتفع بها في أجزاء أخرى من العالم لكنه زاد”. وتابع “نظرا إلى حجم الزيادة في الإنفاق سيكون الأثر الإجمالي على المالية العامة ضئيلا نسبيا ونتوقع أن يحقق البلدان فوائض كبيرة في الموازنة العامة هذا العام”.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد كشفت في مايو الماضي أن دول الخليج ستكون الأقل تأثرا بموجة التضخم التي تعصف بالاقتصاد العالمي.
وأوضحت الوكالة في تقرير لها أن ضعف التأثر الخليجي بالتضخم يعود لربط عملاتها بالدولار الذي كان يرتفع في الفترة السابقة، لكن التقرير أوضح أن أحد أسباب التضخم في بعض دول الخليج يعود لزيادة الضريبة على القيمة المضافة فيها.
وأضاف التقرير “لا نتوقع تدهورا كبيرا في جودة أصول البنوك الخليجية، مع انتهاء اختبارات الضغط فيها، ومن المرجح أن يكون التضخم منخفضا نسبيا في دول الخليج”.
وبيّن أن “الاقتصادات المستوردة للنفط في المنطقة سيكون التضخم فيها مرتفعا، وسيؤثر فيها سلبا بشكل رئيسي؛ بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام والتمويل الخارجي”.
وتعاني العديد من دول العالم تزايدا مستمرا في نسب التضخم بلغت في بعضه مستويات قياسية بسبب التداعيات التي فرضها التدخل الروسي في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو، وسط توقعات باستمرار تأثيرات هذه الحرب على المدى المنظور، حتى أن هناك من الخبراء من يكاد يجزم بأن “القادم أسوأ” بالنسبة إلى العديد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا.