هند سليمان
صحفية مصرية
مع بدء العد التنازلي لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة في منتصف الشهر الجاري، وهو المعروف بدعمه لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في بعض الدول، سارعت واحدة من (4) جبهات متصارعة على قيادة الجماعة العجوز إلى التذكير بثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، التي اغتصبتها الجماعة ظلماً وزوراً، وإحياء رصيدها من المظلومية القائم على أكاذيب تعرّضها للاضطهاد، فقد أصدرت جبهة “المكتب العام”، بعد اختفائها فترة طويلة عن الأنظار، بياناً جديداً تودّع فيه على ما يبدو حلفاء الأمس بجملة رسائل توحي للوهلة الأولى بأنّها لم تعد ذراعاً مسلحة وظيفياً لهم بعد الآن.
وجبهة “المكتب العام” هي إحدى شظايا الانقسام المتجذر في جماعة الإخوان، التي تميل إلى العمل المسلح، إلى جانب جبهتي إسطنبول بقيادة محمود حسين، ولندن بقيادة إبراهيم منير، و”إخوان الداخل” في مصر. وعلى الرغم من ضعفها التنظيمي والوهن الذي أصابها بسبب شح ما يردها من تمويلات، تظل تلك الجبهة الأخطر من الناحية الإيديولوجية، نظراً لأنّ قياداتها جميعاً من القطبيين الأكثر تشدداً.
دلالات محيرة
يأتي بيان “المكتب العام” في توقيت بالغ الدقة، ولا سيّما في ضوء تقارير غير رسمية عن ترتيبات جديدة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ البيان لم يحمل رسائل مباشرة كعادة خطابات الإخوان التي تقوم على التلاعب اللغوي، غير أنّ دلالاته “مهمّة للغاية”، وفقاً لأحمد سلطان الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، في تصريحات لـ”حفريات”.
وقال سلطان: إنّ البيان يأتي “في توقيت لافت، خاصة أنّه يتزامن مع الزيارات التي شاع في أوساط جماعة الإخوان المسلمين أنّها تأتي في إطار ترتيبات أوسع لإعادة ترتيب في منطقة الشرق الأوسط، والاتفاق على صيغة جديدة للأمن في هذه الرقعة الجغرافية، وأنّ تلك الاتفاقات تتضمن التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين”.
رهان خاسر
قبل التعرّض لبيان جبهة المكتب العام، لا بدّ من تسليط الضوء على تلك الجبهة التي تم توظيفها على مدار نحو عقد من قبل أطراف إقليمية ودولية لإشاعة الفوضى بالقوة، فقد فشلت هذه الجبهة، على وجه التحديد، في تنفيذ المهام الموكلة إليها وتعهداتها بـ”النصر والإطاحة بالنظام المصري وتولي السلطة”، على حدّ قول سلطان، الذي أشار إلى أنّ تلك الجبهة “لا تحظى بقبول” بين مختلف قطاعات الجماعة.
جبهة “المكتب العام” إحدى شظايا الانقسام المتجذر في جماعة الإخوان التي تميل إلى العمل المسلح
وقال سلطان: إنّ “الرهان على جبهة المكتب العام الآن أصبح خاسراً، بعد تحوّلها إلى جبهة ضعيفة تكتفي بالبيانات الإعلامية، وليس لها نشاط حقيقي على أرض الواقع”، مشيراً إلى أنّ تلك الجبهة تواجه مشاكل في التمويل، بعدما تخلى عنها داعموها، ومشكلات أخرى في العمل التنظيمي سواء داخل أو خارج مصر”.
رسائل لحلفاء الأمس
في حين أصبحت جبهة المكتب العام لا يُعوّل عليها، وجهت في بيانها عدداً من الرسائل إلى “حلفائها السابقين”، كما أطلق عليهم سلطان، فعلى الرغم من توظيفها مسبقاً في سجالات وصراعات إقليمية لخدمة أطراف وأجندات دولية معروفة، قالت جبهة المكتب العام في بيانها: إنّها لن تكون جماعة “وظيفية”، الأمر الذي فسره سلطان بأنّه “رسالة لأطراف إقليمية (قطر)، أنّه لن يتم توظيفها طالما كانت هناك مصالحات مع الحكومة المصرية”.
وأوضح سلطان، في قراءة سريعة للبيان، أنّ الجبهة “تقرّ بشكل واضح أنّه كان هناك دعم في وقت من الأوقات، وهذا الدعم مصادره معروفة، ولولا نجاح أجهزة الدولة المصرية في الحفاظ على الاستقرار، وإحباط محاولات الانقلاب الإخواني، لما أصدرت الجبهة هذا البيان”.
وتابع: “في الفترة الممتدة من 2015 حتى 2017، كانت تلك الجبهة تتلقى دعماً من جهات معينة بقطر، وكان هناك سعي لتصعيد مجموعات الشباب في داخل الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، والآن ترسل هذه الجبهة رسالة مفادها أنّها ترفض هذا المسلك، ولن تكون جزءاً منه”، في إشارة إلى المصالحة.
ركام المظلومية
في حين تبدو جبهتا إسطنبول بقيادة محمود حسين، ولندن بقيادة إبراهيم منير، أكثر مرونة واستعداداً للتخلي وإسقاط مظلومية الجماعة المبنية على أكاذيب معروفة في مقابل المصالحة مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما تزال جبهة “المكتب العام”، على ما يبدو، تعيش تحت ركام تلك المظلومية، فقد رأى سلطان أنّ التعرض لثورة كانون الثاني (يناير) في بيان الجبهة القطبية يعكس “نوعاً من أنواع خطاب الذات الإخواني”، ويرسل رسالة “لحلفائها، ومن بينهم الأتراك، مفادها أنّها ما تزال تتوقف عند هذه اللحظة، وأنّ الحديث عن التصالح مرفوض”.
أصدرت الجبهة بعد تواريها لفترة طويلة بياناً جديداً تودّع فيه على ما يبدو حلفاء الأمس بجملة رسائل
وتابع سلطان أنّ جبهة “المكتب العام” القطبية “ما تزال تؤمن أنّ الجماعة تعرضت للغدر والإطاحة بها من الحكم، وبالتالي فهي لم تغير مواقفها، ولم تُعِد قراءة مواقفها السياسية، ولكن ظلت على رأيها وموقفها من المصالحة مع مصر.”
في المقابل، سعت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين ومصطفى طلبة للتواصل مع دولة عربية، وطلبوا وساطتها للمصالحة مع مصر، على حدّ قول سلطان، الذي كشف أنّ جبهة منير تواصلت مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للوساطة للغرض نفسه وهو المصالحة مع مصر.
ورأى سلطان أنّ ذكر “ثورة يناير” في بيان “المكتب العام” هي “رسالة لجبهتي لندن وإسطنبول اللتين تواصلتا مع أنظمة عربية ودول أجنبية للوساطة مع النظام المصري. في الواقع كان هناك عرض أن تتم المصالحة مقابل تجميد أنشطة الجماعة السياسية لبعض الوقت، غير أنّ جماعة الإخوان اشترطت الإفراج عن سجناء الجماعة”، موضحاً أنّ “جبهة المكتب العام تقول إنّها ترفض هذا المسار، وترى أنّ تحرير السجناء لا بدّ أن يتم بأدوات الضغط، وأدوات الضغط في عرف المكتب العام أدوات القوة المسلحة وغيرها”.
تأكيد الانقسام
حمل البيان كذلك في طياته تأكيداً للانقسام الذي ضرب صفوف الجماعة، وأسفر عن (4) جبهات متصارعة على قيادة التنظيم، فجبهة “المكتب العام” خاضت مفاوضات مع جبهة منير لأكثر من عامين انتهت بالفشل، وفقاً للباحث المصري، الذي أوضح أنّ “جبهة المكتب العام وضعت اشتراطات وصفتها جبهة منير بالصعبة، ومن بينها عودة الجماعات التي تم فصلها من جبهة المكتب العام إلى الجسد التنظيمي للجماعة على الدرجة أو الرتبة التنظيمية نفسها، وهو ما رفضته جبهة منير.”
وتابع سلطان: “عند فشل المفاوضات بين الجبهتين، عادت جبهة المكتب العام إلى الجسد التنظيمي للجماعة، لكنّها في الواقع جبهة ضعيفة، لم تسيطر في أوج قوتها سوى على نحو 20% من الكيان التنظيمي للإخوان، وقد ضعفت بمرور الوقت؛ لأنّها تواجه مشكلات حقيقية في التمويل والعمل التنظيمي، خاصة أنّ أغلب المجموعات المنتمية إلى جبهة المكتب العام هي المجموعات الشبابية التي لم تكن على صلة مباشرة بملف التمويل، والتمويلات التي حصلوا عليها كانت من رجال أعمال”.
المصدر : حفريات